بازگشت

ماذا لو مات عثمان موتا طبيعيا


لو تساءل أحد: ما مصلحة معاوية من قتل عثمان؟ و هو ابن عمه و أحد المقربين منه، كان يمكن أن نتساءل بدورنا: لو كان عثمان قد مات حتف أنفه - و هو قد ناهز الثمانين - و أنه لم يقتل، و آل الأمر بعده بشكل طبيعي و دون مشاكل الي


الامام عليه السلام، ما الذرائع التي كان يمكن أن يتذرع بها معاوية للوقوف بوجهه و الخروج عليه، و هو يعلم أنه خير منه و أفضل و أحق بالأمر؟.

لقد غير موت عثمان كثيرا من الموازنات المألوفة و فتح باب الصراعات و الفتن علي مصراعيه، و كان الداعون الي قتله أمثال طلحة و الزبير و عائشة و عمرو بن العاص و غيرهم و الممهدون لذلك أمثال مروان و معاوية علي ثقة تامة بالمصاعب التي ستقوم بوجه من سيأتي بعده و هو أميرالمؤمنين عليه السلام بلا شك، و هو ما أرادوه و سعوا اليه و حققوه بالفعل (... لو قدر لهذا الخليفة أن يموت موتا طبيعيا، وفقا لقوانين الفسلجة قبل يوم الثورة، كان من الممكن أن تتغير كثير من معالم التاريخ. كان من المحتمل أن يأتي أميرالمؤمنين الي الخلافة بدون تناقضات و بدون ضجيج و بدون خلاف) [1] .

كان قتله اذا بداية لخلاف كبير (و مبررا قويا) للخروج علي الامام، من وجهة نظر المخالفين و الخارجين و الوقوف بوجهه و اثارة المشاكل و الضجيج، و كان أولئك الذين لا يرون أمامهم الا ما تمنحه لهم هذه الحياة من بريق للسلطة و المال، يسرهم أن يقتل هذا الخليفة الهرم الذي استنفد أيامه، و أن يمهدوا هم لقتله لاستغلال ذلك و استثماره للتمهيد للوثوب علي كرسيه باعتباره تركة شخصية وارثا خاصا...

ان معاوية لم يعلن عن رأيه بالخروج علي الامام صراحة لأنه يري ذلك لا غير، و قد حاول أن يجس نبض الامام حول منحه حصة في الدولة الجديدة، و هي نفس الحصة التي كانت ممنوحة له في عهد عثمان، محاولا الضغط بوقت مقتله و قد حسب أن الامام ربما كان مثله هو حينما قبل التنازل عن مصر طعمة لعمرو بن العاص حينما شرط عليه عمرو ذلك (... ان عمرا كان صالح معاوية علي قتال علي علي أن له مصر طعمة ما بقي..) [2] ، و قد قال معاوية لرسول الامام اليه (ان ولاني علي الشام و مصر بايعته علي أن لا يكون لأحد بعده علي بيعة... فقال علي عليه السلام: هذه خديعة. و قد سألني المغيرة بن شعبة أن أولي معاوية الشام، و أنا بالمدينة فأبيت ذلك (و ما كنت متخذ المضلين عضدا...) [3] .. ( [4] .


لقد كان يعلم - كما قلنا أن الامام لن يستجيب له، لأنه اذا استجاب و أقر بقاءه علي الشام و أضاف اليه مصرا فانه لم يزد علي أن يفعل ما فعله عثمان و ذلك يعني بقاءه علي الخطأ الذي وقع فيه الخليفة السابق، و محال أن يقبل علي عليه السلام ما رفضته الأمة بأجمعها، و لو فرضنا جدلا أنه أقر معاوية علي ما بيده من ولاية الشام فانه يعترف بشرعية ولايته و ذلك قبل أن يعترف معاوية بشرعية حكم أميرالمؤمنين و ذلك يتيح له فرصة الاحتجاج أمام الأمة قائلا: انظروا اليه، انه اعترف بي و أقرني علي ولايتي لأن من سبقه أقرني عليها و لأني أستحق ذلك، أما هو، فأنا لا أعترف به و لا أقر له لأنه لا يستحق ذلك، و هذه ورقة سياسية كان من الممكن أن يلعبها معاوية بمهارة لو فرضنا جدلا أن الامام عليه السلام استجاب لطلباته غير المعقولة، كما أنه قد يذهب الي المطالبة بدم عثمان حتي لو لبيت مطالبه، و يظهر أمام الأمة بمظهر الانسان المبدأي الحريص علي الاسلام و الذي لا يتهالك علي الملك، رغم أن الملك أصبح رهن يديه، كما أنه بشرطه (علي أن لا يكون لأحد علي بعده بيعة) يمهد لخلاف محتمل بعد وفاة الامام عليه السلام، و ايقاف انسياب الخلافة و بقائها في آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هذا يعني لو قبل الامام تواطئا ضمنيا بين الطرفين علي هلاك الأمة و فرقتها الي الأبد، و هذا غير جائز عمليا لما رأيناه من مواقف الامام الصريحة التي لا تقبل التأويل و الجدل و وقوفه الي صف الاسلام و انحيازه اليه انحيازا نهائيا لا يقبل التراجع أو التردد.


پاورقي

[1] المدرسة القرآنية 87 - 88.

[2] الکامل في التاريخ 228 - 3.

[3] الکهف: 51.

[4] البداية و النهاية 129 - 8.