بازگشت

و اتهام صريح بعد ذلك


لقد استغل معاوية - الذي ربي أهل الشام علي طاعته و الوثوق به و الاستجابة المطلقة له - كما سنبين ذلك فيما بعد عن مجتمع الشام، الذي أراد معاوية لكل الأمة الاسلامية أن تكون علي نمطه (... و هو في أهل الشام يستمع منه...) كما قال المغيرة بن شعبة للامام عليه السلام، استغل هذا المجتمع الي أقصي حد ممكن، عندما جلب له النعمان بن بشير قميص عثمان الذي قتل به و عليه أصابع نائلة زوجته و رسالة نائلة التي تدعو فيها معاوية و أهل الشام للأخذ بثأره. و نعتقد اعتقادا جازما بأن هذه الرسالة المنسوبة الي نائلة هي من موضوعات معاوية و انشائه، و أن نائلة في خضم مصيبتها بمقتل زوجها ما كانت لتعترض عليها لو سمعت بها فيما بعد و لم تكن لتكذبها... لأن من دبجوها ادعوا الحرص و الغيرة علي الخليفة المقتول. و قد رأينا كيف أنها كانت تدرك كيف كان مروان و آل أمية سببا قويا لغضب الأمة و نقمتها علي عثمان،و كانت تدرك حرص الامام عليه السلام علي حياته، لئلا يكون قتله سببا لفتح باب


الفتنة بين المسلمين الي الأبد، و قد أشرنا الي هذا الموضوع، فكيف تتهم الامام بذلك و تذكر اسمه صراحة في الرسالة التي لفقت علي لسانها، و التي كتبت بيد خبير متمرس مستريح - لا رسالة امري ء خائف مرعوب لا نحسبه الا معاوية نفسه أو أحد أعوانه لما أزجي فيها اليه من مديح زائد عن الحد (... من نائلة بنت القرافصة الي معاوية بن أبي سفيان؛ أما بعد فاني أدعوكم الي الله الذي أنعم عليكم، و علمكم الاسلام، و هداكم من الضلالة، و أنقذكم من الكفر و نصركم علي العدو، و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة؛ و أنشدكم الله و أذكركم حقه و حق خليفته أن تنصروه بعزم الله عليكم... و ان أميرالمؤمنين بغي عليه... و الله علم به اذا انتخبه فأعطاه شرف الدنيا و شرف الآخرة.

... و أهل مصر قد أسندوا أمرهم الي علي و محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر و طلحة و الزبير فأمروهم بقتله... فقتلوا أميرالمؤمنين في بيته مقهورا علي فراشه، و قد أرسلت اليكم بثوبه عليه دمه، و أنه و الله ان كان اثم من قتله، لما سلم من خذله، فانظروا أين أنتم من الله، و أنا أشتكي علي ما مسنا الي الله عزوجل، و استصرخ بصالحي عباده...) [1] و يبدو أن هذه الطريقة قد أثمرت مع أهل الشام الي حد بعيد...

(.. فحلف رجال من أهل الشام ألا يمسوا غسلا حتي يقتلوا عليا و تفني أرواحهم) [2] و كان القميص و الرسالة و الأصابع المقطوعة بمثابة الشرارة التي يقدمها معاوية كلما لمس فتورا من أهل الشام (.. فكان معاوية يعلق قميص عثمان و فيه الأصابع، فاذا رأي ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا وجدا في أمرهم، ثم رفعه، فاذا أحس بفتور يقول له عمرو بن العاص: «حرك لها حوارها تحن» فيعلوها) [3] .

و كان عمرو بن العاص قد التحق بمعاوية بعد سماعه بمقتل عثمان و اجماع الناس علي مبايعة أميرالمؤمنين عليه السلام و هو أكره الناس اليه... [4] .



پاورقي

[1] العقد الفريد 5 - 50 - 51.

[2] المصدر السابق 5 - 51.

[3] الکامل في التاريخ 3 - 82 - 83.

[4] المصدر السابق 3 - 157 - 158.