بازگشت

ذهب الجمل بما حمل معاوية الرابح الوحيد


و قد خاض هؤلاء مع بعض من غرروا بهم، من معركة الجمل ضد الامام، و كانت معركة خاسرة قتل فيها الزبير و طلحة (و كان الذي رماه مروان بن الحكم) [1] و قد أرجعت عائشة الي بيتها. و كان معاوية يتربص لمن تكون الغلبة، و قد أفاد قائلا بأن النتيجة ستكون لصالحه علي أي حال، مهما كانت لصالح علي عليه السلام أو لصالح الخارجين عليه.

و اذا فلم تكن المسألة مسألة المطالبة بدم عثمان، و لا الأخذ بثأره، و انما كانت مسألة نزعات تجيش في النفوس التي تتطلع الي المكاسب الشخصية و الفوز بالغنائم و حسب... و قد روت لنا كتب التاريخ تفاصيل معركة الجمل، و كيف أن الامام عليه السلام سار لمنع الخارجين عليه من التمادي في عدوانهم، و لما يكد يستقر بعد و تتاح له فرصة اعداد الجيل الجديد الذي يستطيع حمل الرسالة بصلابة و عزم، كما حملها الجيل الأول الذي كان هو عليه السلام في طليعته.


و الا فما الذي غير موقفي طلحة و الزبير من عثمان و من الامام و لما يكادا يبايعا حتي نكلا و ذهبا لاعلان الحرب، و ما الذي دعا عائشة و قد كانت تدعو الي قتل عثمان الي المطالبة بدمه و الدعوة للأخذ بثأره و الذهاب الي حد المسير بنفسها للتحريص علي الامام و قتاله..؟.

و ما الذي دعا معاوية، و قد تباطأ متعمدا عن نصرة عثمان و اتاحة الوقت الكافي لقتله، حتي لكأن قتل عثمان يكاد يكون أمنية الوحيدة، ليعلن حربه علي الامام بنفس الحجة التي تذرع بها الآخرون؟ و ما الذي دعا عمرو بن العاص لغسل دموع التماسيح علي عثمان مع أنه كان من أشد المحرضين علي قتله...؟. أسئلة لابد أن تثار، و لابد أن يجاب عنها صراحة.

لقد كان قبول الامام لما عرضته عليه الأمة و أجمعت عليه، هو الذنب الوحيد بنظر هؤلاء الحاقدين، و نتذكر هنا قول محمد بن سيرين (ما علمت أن عليا اتهم في دم عثمان حتي بويع) [2] و قد قال عليه السلام نفسه في ذلك: (و الذي أرسلها في بحره مسخرة بأمره، ما بدأت في أمر عثمان بشي ء، و لئن شاءت بنوأمية لأباهلنهم عند الكعبة خمسين يمينا بدأت في حق عثمان بشي ء ما [3] و خطب عليه السلام بأهل الكوفة يوم الجمل قائلا:... ثم ولي عثمان فنال منكم و نلتم منه ثم كان من أمره ما كان فأتيتموه قتلتموه، ثم أتيتموني فقلتم لو بايعتنا، فقلت لا أفعل، و قبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم كفي فجذبتموها، و قلتم لا نرضي الا بك و نجتمع الا عليك و تداككتم علي تداكك الابل اليهم علي حياضها يوم ورودها حتي ظننت أنكم قاتلي، و أن بعضكم قاتل بعضها فبايعتموني و بايعني طلحة و الزبير...).

و اذ انهزم أصحاب الجمل في معركتهم الخائبة ضد الامام عليه السلام، فان معاوية استمر برفع نفس الحجج التي دفعوها، و أخذ علي عاتقه مسؤولية انجاح ما فشل به أولئك المنهزمون.



پاورقي

[1] المصدر السابق 132.

[2] العقد الفريد 52 - 5.

[3] العقد الفريد 64 - 50 - 5 و قال في رسالة أرسلها الي معاوية (.. و لعمري يا معاوية، لئن نظرت بعقلک دون هواک لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، و لتعلمن اني کنت في عزلة عنه الا أن تتجني، فتجن ما بدا لک و السلام. (نهج البلاغة تحقيق د. صبحي الصالح - دارالکتاب اللبناني ط 82 2 - ص 366).