بازگشت

اقبال الفتن عندما ترك القرآن و السنة


و قد أطلت الفتن بوجهها الكالح عندما وجدت من يؤجج أوارها و يوقد نارها، و لم تتح للامام كما رأينا فرصة اطفائها منذ البداية، و قد أججها الطمع و الحسد و الضغينة و القيم الجاهلية المقيتة التي بقيت في قرارة النفوس الضعيفة، فلم يكتف أولئك الطامعون بما حصلوا عليه من مكاسب و مغانم في ظل الخلفاء الثلاثة الأوائل و خصوصا عثمان، فظلوا يسعون الي المزيد عنها، حتي لقد طمحوا الي الخلافة نفسها فكيف كان سيسير الأمر في ظل طلحة أو الزبير اللذين كانا يحبان جمع المال الي درجة مفرطة؟ لقد رأينا كم بلغت ثروة الزبير و طلحة، و رأينا كيف معاوية يحيا حياة الأكاسرة و الأباطرة، و رأينا كم أخذ مروان و أخوه و أبوه.

و عندما جلس علي عليه السلام علي كرسي الخلافة، حانت فرصة من ناصبوه العداء لكي يجمعوا شتاتهم و يعلنوا الحرب عليه. لقد تزامنت هذه الحرب مع استلامه مهمته الخطيرة في قيادة الأمة الاسلامية قيادة فعلية بعد أن حجبت عنه فترة طويلة. و قد أريد له أن يتراجع عن كل ما نادي به و دعا اليه طيلة حياته، ليساوم و يداهن ليظل محافظا علي هذا المنصب الذي لم يكن حريصا للحصول عليه الا لاقامة الحق الذي عرفه، و كلف باقامته و اماتة الباطل الذي كلف باماتته، و لعل عمق المسؤولية الملقاة علي عاتقه، لم يكن يدرك أبعاده أحد كما يدركه هو، و لذلك فان تصورات من دعوه الي الاستجابة لمطاليب من ناوؤه و مساومتهم لحين استتاب الأمور له، لم تكن بوضوح و قوة تصوراته و فهمه المستمدة من تصورات و فهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، للاسلام و رسالته العظيمة؛ فلقد كان يستمد تصوراته من نبع الاسلام الأصيل.

(و قد قال عليه السلام: ان آخر هذا الأمر لا يصلح الا بما صلح أوله، فانصروا الله ينصركم و يصلح لكم أمركم... فالزموا دينكم، و اهدوا بهديي، فانه هدي نبيكم، و اتبعوا سنته، و اعرضوا عما أشكل عليكم حتي تعرضوه علي القرآن، فما عرفه القرآن


فالزموه، و ما أنكره فردوه، و ارضوا بالله ربا، و بالاسلام دينا، و محمد نبيا، و بالقرآن حكما و اماما) [1] .

و قد رأينا - فيما مر بنا - فكيف كان الامام ينظر لمهمته، و كيف أرادنا، نحن، أن نفهم هذه المهمة، و أن نقترب من تصوراته و قيمه التي هي تصورات و قيم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه.

و لم تكن النصوص التي أوردناها، هي وحدها التي وضحت لنا تصور الامام بشكل عام، و انما كانت المواقف العملية المبدئية له عليه السلام هي التي أكدت بشكل قاطع استقامة هذه المواقف، و استجابتها و نطابقها مع كل ما جاء به الاسلام و نزل به القرآن الكريم و عمل به و قرره الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم.


پاورقي

[1] الکامل في التاريخ 116 - 113.