بازگشت

اميرالمؤمنين أراد منع الناس من قتل عثمان


و علي العكس من تلك المواقف المعادية، بل المجاهرة بالعداوة لعثمان و التي كانت تنبعث عن مطامع تزين لأصحابها الحلول محل من تتمني قتله، بل و تدعو الي ذلك محرضة الناس بكل ما تملك من امكانات و مراكز مرموقة في المجتمع، كان


موقف الامام عليه السلام ينطلق من اعتبار واحد، هو الحفاظ علي وحدة المسلمين و قوة الاسلام، مع أنه صاحب الحق الوحيد بالأمر، حتي مع وجود عثمان نفسه، و قد كان بخلص له النصح محاولا انقاذه من القتل لمنع باب الفتن أن يفتح بقتله، فقد بلغه (ان عثمان يراد قتله، فقال: انما أردنا منه مروان، فأما قتل عثمان فلا. و قال للحسن و الحسين: اذهبا بسيفيكما حتي تقوما علي باب عثمان، فلا تدعا أحدا يصل اليه بمكروه. و رمي الناس عثمان بالسهام، حتي خضب الحسن بن علي بالدماء علي بابه..) [1] .

(و كان الحسن فيمن دافع عنه و اجتلد مع ابناء الصحابة... و قبل أن يقتل عثمان قال للحسن: ان أباك الآن لفي أمر عظيم من أمرك، فأقسمت عليك لما خرجت اليه) [2] .

و قد بلغ من حرص الامام عليه السلام و مواظبته و دوامه علي ازجاء النصح لعثمان، ان هذا الأخير دعاه فيما بعد للتوقف عن ذلك، و مغادرة المدينة الي ضيعة له بينبع. (و كان علي كلما اشتكي الناس اليه أمر عثمان، أرسل ابنه الحسن اليه، فلما أكثر عليه قال له: ان أباك يري أن أحدا لا يعلم، و نحن أعلم بما تفعل، فكف عنا، فلم يبعث علي ابنه في شي ء بعد ذلك.

و قال عبدالله بن العباس: أرسل الي عثمان فقال لي: أكفني ابن عمك! فقلت: ان ابن عمي ليس بالرجل يري له، و لكنه يري لنفسه، فأرسلني اليه بما أحببت. قال: قل له فليخرج الي ماله بينبع، فلا اغتم به و لا يغتم بي، فأتيت عليا فأخبرته، فقال: ما اتخذني عثمان الا ناصحا ثم أنشد يقول:



فكيف به أني أدوي جراحه

فيدوي فلا مل الدواء و لا الداء) [3] .



و هكذا رأينا أن عثمان قد مل نصائحه بعد أن رأي أنها قد أثقلت عليه، فدعاه الي مغادرة المدينة و تركه، ثم عاد يستنجد به لما رأي جد القوم و عزمهم علي قتله، و دعاه لردهم، فقال الامام عليه السلام: (علي أي شي ء أردهم عنك؟ قال: علي أن أصير


الي ما أشرت اليه و رأيته لي. فقال علي: اني قد كلمتك مرة بعد أخري، فكل ذلك تخرج و تقول حتي ترجع عنه، و هذا من فعل مروان و ابن عامر و معاوية و عبدالله بن سعد، فانك أطعتهم و عصيتني. قال عثمان: فأنا أعصيهم و أطيعك، فأمر الناس، فركب معه من المهاجرين و الأنصار ثلاثون رجلا، فأتوا المصريين فكلموهم. و كان الذي يكلمهم علي و محمد بن مسلمة، فسمعوا مقالتهما و رجعوا الي مصر. و رجع علي و من معه الي المدينة، فدخل علي عثمان فأخبره برجوعهم و كلمه بما في نفسه ثم خرج من عنده) [4] .

و يبدو أن الامام قد صرف جهدا و وقتا كثيرين بازجاء النصح لعثمان حتي أعياه أمره و لم يجد معه حيلة، حتي قال في ذلك: (... اني ان قعدت في بيتي قال لي: تركتني و قرابتي و حقي، و اني ان تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان، فصار سيفه له، يسوقه حيث يشاء، بعد كبر السن و صحبة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قام مغضبا حتي دخل علي عثمان، فقال له: أما رضيت من مروان و لا رضي منك الا بتحرفك عن نبيك و عن عقلك، و ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك و غلبت علي رأيك.

و قال يخاطب عثمان:، و الله اني لأكثر الناس ذبا عنك، و لكني كلما جئت بشي ء أظنه لك رضا، جاء مروان بأخري، فسمعت قوله و تركت قولي: و لم يعد علي يعمل ما كان يعمل الي أن منع عثمان الماء. فقال علي لطلحة: أريد أن تدخل عليه الروايا، و غضب غضبا شديدا حتي دخلت الروايا علي عثمان..) [5] .

و بعد: فهل من مدع يستطيع أن يدعي أن الامام وقف موقفا سلبيا من عثمان، و أنه لم يزج النصح، و لم يبذل جهده لانقاذ عثمان؟ و هل من يستطيع أن يدعي أنه عليه السلام لم يكن حريصا علي منع الفتنة و فرقة المسلمين؟

و مع ذلك فقد رأينا من فقد ماء الحياء، و جاء يتهم عليا عليه السلام بذلك، و يذرف


دموع التماسيح علي الخليفة المظلوم! و ينصب من نفسه وليا للمطالبة بدمه، و ممن؟ من الذي بذل أكبر جهد بشري ممكن لتجنيب المقتول مصيره المأساوي الذي جر علي المسلمين الويلات و المحن لمدة طويلة لا تزال علينا لحد الآن رغم مرور مئات السنين عليها.


پاورقي

[1] العقد الفريد ص 39 و الکامل في التاريخ ص 51 - 53 و تاريخ الخلفاء ص 149.

[2] الکامل في التاريخ 3 - 64 - 65.

[3] العقد الفريد 5 - 58 - 59.

[4] الکامل في التاريخ 3 ص 54 و راجع الطبري 2 - 658.

[5] المصدر السابق 57 - 56 و قد روي الطبري في تاريخه 659 - 2 أنه قال له (أما رضيت من مروان و لا رضي منک الا بتحرفک عن دينک و عن عقلک مثل جمل الضغينة يقاد حيث يسار به. و الله ما مروان بذي رأي في دينه و لا نفسه، و أيم الله اني لأراه سيوردک ثم لا يصدرک و ما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتک أذهبت شرفک و غلبت علي أمرک).