بازگشت

تصرفات مروان و تربص معاوية سببت قتل عثمان أمر دبر بليل


و قد كان مروان ابن طريد رسول الله، و الفتي المدلل المقرب من عثمان، هو و معاوية و بقية الأقارب الأمويين، سببا مباشرا لقتل عثمان، و كما بينا، فان سبب نقمة


الناس علي عثمان هو تقريب هؤلاء و منحهم الامتيازات و المناصب الكبيرة في الدولة. و مما زاد الطين بلة أن مروان عمد الي أفعال و تصرفات طائشة في أوج أزمة عثمان و خلافه مع الناس، و أنه - كما زعم - قد دس رسالة كتبها علي لسان عثمان، يأمر فيها بجلد رؤساء المصريين الذين رجعوا الي مصر بعد اقتناعهم الظاهري بأعذار عثمان، و حبسهم و حلق رؤوسهم و لحاهم و صلب بعضهم، و قد أقسم عثمان ما كتبها و ما عملها... [1] و هو عمل طائش أفقد ثقة الناس بعثمان نهائيا (و كثرت الأصوات و اللغط، فقام علي فخرج و أخرج المصريين، و مضي علي الي منزله، و حصر المصريون عثمان، و كتب الي معاوية و ابن عامر و أمراء الأجناد يستنجدهم و يأمرهم بالعجل و ارسال الجنود اليه، فتربص به معاوية فقام في أهل الشام يزيد بن أسد القسري - جد خالد بن عبدالله القسري - فتبعه خلق كثير فسار بهم الي عثمان، فلما كانوا بوادي القري، بلغهم قتل عثمان فرجعوا...) [2] .

فلماذا تربص معاوية و لم يهب لنجدة عثمان حالما و صلت اليه نداءاته و استغاثته؟ لم يكن هناك أي سبب للتريث أو المماطلة (التي دعت خالدا القسري و خلقا كثيرا من أهل الشام للذهاب الي المدينة بعد أن تلكأ معاوية)... و مع ذلك تلكأ معاوية، و أراد لعثمان أن يقتل ليصبح هو (ولي الدم) بزعمه، و يتاجر معه، و يرفع هذه الورقة الجديدة التي تتيح له تمزيق صف الأمة الاسلامية و وحدتها، والوثوب علي كرسي الحكم، الذي رأي أنه كان غير ممتنع علي ابن عمه المستضعف عثمان كما أسماه عبدالملك بن مروان فيما بعد [3] ، حيث رفع قميصه و دعا أهل الشام الي البكاء عليه و الطلب بثأره، لقد كان معاوية يطمح منذ زمن بعيد أن يتولي الأمر خصوصا و أنه كان يعتقد أن من ولوا الأمر كانوا أقل منه كفاءات و جدارة.

و كان عثمان يري احتمال قتله واردا، و قد صرح بمحفل ضم أتباعه و مريديه و عماله مثل عبدالله بن عامر و معاوية و عبدالله بن سعد و سعيد بن العاص


و عمرو بن قائلا (... و و الله ان رحا الفتنة لدائرة، فطوبي لعثمان ان مات و لم يحركها..) [4] .


پاورقي

[1] الکامل في التاريخ 59 - 3.

[2] نفس المصدر.

[3] نفس المصدر 61 و جاء في العقد الفريد م 5 ص 150 أن عبدالملک بن مروان خطب الناس أيام خلافته فقال: (أيها الناس اني و الله ما أنا بالخليفة المستضعف - يريد عثمان بن عفان - و لا بالخليفة المداهن - يريد معاوية بن أبي‏سفيان - و لا بالخليفة المأفون - يريد يزيد بن معاوية - فمن قال برأسه کذا، قلنا بسيفنا کذا! ثم نزل).

[4] تاريخ الطبري 2 ص 648 - 649 و الکامل في التاريخ 3 - 48.