بازگشت

قتلوه و طالبوا بدمه


و اذا ما علمنا أن مجموعة كبيرة من الصحابة و ذوي الرأي و الشأن و التأثير، كانت تعلن عداءها لعثمان بشكل صريح مثل طلحة و الزبير و عائشة و عمرو بن العاص و غيرهم، و كانت تعلن رأيها صراخة بضرورة قتله و تحرص الناس عليه، و ربما فكر بعضهم بصيرورة الأمر اليه بعد مقتل عثمان، أدركنا أن المسألة لا تتعلق بعلي عليه السلام نهائيا الا بالقدر الذي أوجبه عليه تكليفه الشرعي في اسداء النصيحة و بذل المشورة باستمرار و دأب و بشكل واضح معلن، لا يضمر غير ما يظهره الي درجة أضجرت عثمان نفسه و المقربين منه، و لو كان الامام عليه السلام يتمني قتله أو يسعي اليه، لتركه يتمادي في أخطائه لتتراكم و تكثر، و لما أشار عليه بما أشار و لما أرسل اليه ولده الحسن عليه السلام يحرسه، حتي قال بعض الناس حين رأوا اخلاصه في الدفاع عنه تنفيذا لأمر والده، ان الحسن عثماني الهوي، مع أنه ليس الا صورة من علي، و كانت المبدئية و الحرص علي الدين، و خوف الشقاق و الفتنة هي التي جعلته يزجي النصح، و يرسل ابنه لحراسة ممثل الخلافة، لمنع الفتنة من الاتساع و الامتداد. فكأنه يري بعين البصيرة النافذة، كم ستكون عصبية الأيام التي ستمر بالمسلمين لو قتل عثمان، فكيف يسعي هو الي ذلك، مع أنه يريد تلافيه بكل صورة، و قد بذل جهده لامتصاص نقمة الناس عليه و تهدئتهم و السفارة بينه و بينهم، مع أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كانوا من أشد الناس نقمة و غضبا و قد (كتب أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعضهم الي بعض: ان أقدموا، فان كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد. و كثر الناس علي عثمان، و نالوا منه


أقبح ما نيل من أحد، و أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يرون و يسمعون، ليس فيهم أحد ينهي و لا يذب الا نفير، فاجتمع الناس، و كلموا علي بن أبي طالب...) [1] .

لقد بذل الامام عليه السلام جهده لنصح عثمان و انتشاله من المصير الذي كان سيؤول اليه و هو الموت قتلا (... فالله الله في نفسك... و ان الطريق لواضح بيني، و ان أعلام الدين لقائمة.. تعلم يا عثمان ان أفضل عباد الله عند الله امام عادل، هدي و هدي، فأقام سنة معلومة و أمات بدعة متروكة، فوالله أن كلا لبين، و ان السنن القائمة لها أعلام، و ان البدع القائمة لها أعلام. و ان شر الناس عند الله امام جائر، ضل و ضل به، فأمات سنة معلومة، و أحيا بدعة متروكة، و اني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «يؤتي يوم القيامة بالامام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر، فيلقي في جهنم فيدور في جهنم كما تدور الرحا، ثم يرتطم في غمرة جهنم» و اني أحذرك الله، و أحذرك سطوته و نقماته، فان عذابه شديد أليم، و أحذرك أن تكون امام هذه الأمة المقتول، فانه يقال: يقتل في هذ الأمة امام، فيفتح عليها القتل و القتال الي يوم القيامة، و تلبس أمورها عليها، و يتركهم شيعا، فلا يبصرون الحق لعلو الباطل، يموجون فيها موجا، و يمرجون فيها مرجا) [2] ... و قد تكرر أميرالمؤمنين عليه السلام لعثمان و معاتبته اياه الي درجة أضجرته فطلب منه عدم معاودته و الذهاب الي ماله بينبع ليعتزل هناك.

فكيف يسعي الي ما حاول منعه، و ما أشار أحد الي ذلك من قبل، و لا اتهم الا بعد أن بايعه الناس. فقد روي (جرير بن حازم عن محمد بن سيرين، قال: «ما علمت أن عليا اتهم في دم عثمان حتي بويع، فلما بويع اتهمه الناس) [3] و كان ذلك بتأثير بني أمية و أضاليلهم و أكاذيبهم.


پاورقي

[1] الطبري 644 - 2 (لما رأي الناس ما صنع عثمان کتب من بالمدينة من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي من بالآفاق منهم، و کانوا قد تفرقوا في الثغور: أنکم انما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزوجل تطلبون دين محمد صلي الله عليه و آله و سلم فان دين محمد قد أفسد من خلفکم و ترک، فهلموا فأقيموا دين محمد صلي الله عليه و آله و سلم فأقبلوا من کل أفتق حتي قتلوه) - تاريخ الطبري 2 - 662.

[2] المصدر السابق 645 والعقد الفريد 5 - 58.

[3] العقد الفريد 5 - 55.