بازگشت

بين عقلية الرسالي و عقلية التاجر


لقد أدرك الأمويون أنهم في مجتمع لم يتخلص من رواسب الجاهلية و شوائبها بشكل تام و نهائي، يستطيعون فعل الكثير و استثماره لصالحهم، و كانت عقلياتهم التجارية المتحفزة اليقظة المتحسبة، ترصد كل الفرص و الامكانات التي تتاح لهم في هذا السبيل.

و هكذا سعي أبوسفيان، الذي كان غائبا عند وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و بلغته بيعة أبي بكر عند سقيفة بني ساعدة، لاستغلال هذه الفرصة لاحداث انشقاق بين بني هاشم آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الآخرين، تكون نتيجته و بالا علي الجميع فقد توفي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبوسفيان غائب... فلما انصرف لقي رجلا في بعض طريقه مقبلا من المدينة، فقال له: مات محمد؟ قال: نعم. قال: فمن قام مقامه؟ قال: أبوبكر. قال: فما فعل المستضعفان، علي و العباس؟ قال: جالسين. قال: أما و الله لئن بقيت


لهما لأرفعن من أعقابهما، ثم قال: اني أري غبرة لا يطفئها الا دم. فلما قدم المدينة جعل يطول في أزقتها و يقول:



بني هاشم لا تطمع الناس فيكم

و لا سيما تيم بن مرة أو عدي



فما الأمر الا فيكم و اليكم

و ليس لها الا أبوالحسن علي



فقال عمر لأبي بكر: ان هذا قدم. و هو فاعل شرا. و قد كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يتألفه علي الاسلام، فدع له ما بيده من الصدقة. ففعل فرضي أبوسفيان و هو يقول: و الله اني لأري عجاجة لا يطفئها الا دم! يا آل عبدمناف فيم أبوبكر من أموركم! أين المستضعفان! أين الأذلان علي و العباس! و قال: أباحسن! ابسط يدك حتي أبايعك. فأبي علي عليه، فجعل يتمثل بشعر المتلمس:



و لن يقيم علي خسف يراد به

الا الأذلان عير الحي و الوتد



هذا علي الخسف معكوس برمته

و ذا يشج فلا يبكي له أحد



فزجره علي، و قال: انك و الله ما أردت بهذا الا الفتنة، و انك و الله طالما بغيت الاسلام شرا! لا حاجة لنا في نصيحتك.. و قال أبوسفيان لعلي: ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش! و الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا و رجالا! قال: فقال علي: يا أباسفيان، طالما عاديت الاسلام و أهله فلم تضره بذاك شيئا...) [1] .

لقد أراد أبوسفيان استغلال أول فرصة تسنح له، عندما رأي أن بامكانه أن يفرق بين المسلمين و يهدم الاسلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مباشرة، و كان يريد أن يثبت لمن تولوا الخلافة أنه لا يزال يتمتع بقدر كبير من الجاه و النفوذ و القوة تمكنه من التأثير علي الناس.

و مع قناعة الامام علي عليه السلام بأحقيته في الخلافة، الا أنه يعرف الآثار المترتبة علي المطالبة بها، و يعلم أن النزاعات سيتبعها الدم، و سيكون الاسلام هو المتضرر الأول و الأمة الاسلامية هي المتضررة جراء ذلك، فآثر مصلحة الاسلام و المسلمين علي حقه و المطالبة به، و كان رده علي أبي سفيان و علي من دعوه الي مناهضة من سبقه من الخلفاء بالقوة ردا واحدا قويا مفخما، و ان كان قد جاء بأساليب متعددة.


(هذا ماء آجن و لقمة يغص بها آكلها، و مجتني الثمرة لغير وقت ايناعها كالزارع بغير أرضه. فان أقل يقولوا حرص علي الملك، و ان أسكت يقولوا جزع من الموت. هيهات بعد اللتيا و التي. و الله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه. بل اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة) [2] .

و الي هذه الحادثة نفسها أشار أميرالمؤمنين عليه السلام في أحد كتبه الي معاوية، عندما خرج عليه هذا الأخير بعد مقتل عثمان، فقد كتب، فيما كتب اليه: (... و قد كان أبوك، أبوسفيان، أتاني حين قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: ابسط يدك أبايعك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، فكنت أنا الذي أبيت عليه، مخافة الفرقة بين المسلمين لقرب عهد الناس بالكفر، فأبوك كان أعلم بحقي منك. فان تعرف من حقي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، و الا فنستعين الله عليك..) [3] .

و قد كانت هذه الرسالة من باب الاحتجاج علي معاوية و أضرابه من المعاندين الخارجين، فالامام عليه السلام كان أول الناس ادراكا، ان استجابته لأبي سفيان، ستسبب الفرقة بين المسلمين، لقرب عهد الناس بالكفر، كما أنه يعلم أن أباسفيان كان يعلم بذلك أيضا، و أنه انما سعي اليه لهذا السبب نفسه، غير أنه باعترافه العلني بأحقية أميرالمؤمنين [4] شهد علي نفسه بذلك ان اعتراف معاوية بهذا الحق الذي اعترف به أبوه سيصحح مسيرته و يصيب به رشده و أني لمعاوية أن يفعل ذلك، و هو قد أو شك أن يحقق أمنياته بعد أن مهد لقتل عثمان، و نجح في شق وحدة المسلمين و أو شك علي الوصول الي ما لم يكن يطمح اليه حتي أبوه و أجداده، من ملك عريض و جاه اعرض.

لقد كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يتألف أباسفيان علي الاسلام، لأنه يعلم أنه لم يزل متمتعا بقدر من النفوذ بين الناس، و أنه لو استقام لكان داعيا لاستقامة الكثيرين و أنه قادر علي احداث ثغرات كبيرة في المجتمع الاسلامي اذا ما أهمل أو أهين، لقرب عهد الناس بالاسلام، علي أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يمنحه أية امتيازات اضافية علي


حساب الناس، و كان أسلوبه لتأليف بعض الناس علي الاسلام ربما اقتضته مرحلته الزمنية و ربما لم يعد أحد بحاجة الي ذلك الأسلوب بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

لقد أدرك أبوبكر و عمر ما يمكن أن يسببه أبوسفيان لهما من مشكلات و صعوبات ان لم يحصل علي رشوة ضخمة يسدان بها فمه، و كان تركا له ما بيده من الصدقة و قربا ولديه يزيد و معاوية و استعملاهما علي أجزاء مهمة من الدولة الاسلامية رغم ما في ذلك من مخاطر جسمية علي هذه الدولة. اذ أن العادة لم تجر باستعمال رغم ما في ذلك من مخاطر جسيمة علي هذه الدولة. اذ أن العادة لم تجر باستعمال من أسلم بعد الفتحات بمهات خطيرة كهذه و تأميرهم علي الدول و الجيوش.

كانا يعلمان أن طموحه لن يقف عند حد الاكتفاء ببعض المكاسب البسيطة، و أنه ان سكت أمام عزة الاسلام و غلبته، و أمام الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم و مركزه و نفوذه، فانه لابد أن يتصدي لغيره مهما كان مركزه، خصوصا و أنه يعد نفسه متفوقا علي الجميع - و علي أقل الحالات ندا لهم، عدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم..!.


پاورقي

[1] العقد الفريد. ص 10 و الطبري 237 - 2.

[2] نهج‏البلاغة 94 - 93.

[3] العقد الفريد ص 80.

[4] تاريخ الطبري 2 ص 237.