بازگشت

الحسد يؤجج نار الحقد و العداوة


و لا ينبغي أن تنسي كل هذه العوامل مجتمعة، مع ما أضيف اليها من عوامل أخري اقتضتها طبيعة الأحداث المتلاحقة فيما بعد، و تمسح من خارطة العلاقات الأموية الهاشمية، و لا ينبغي أن تنسي مواقف أبي سفيان و آل المتشنجة تجاه دعوة الاسلام حال ظهورها و تسامع الناس بها، و لكي يدعي مدع أن كل ذلك قد اختفي نهائيا بمجرد انتساب أبي سفيان و أهله الي الاسلام مضطرين مكرهين بعد أن لم يجدوا بدا من ذلك. و ان كان بعضهم لا يبيح لنفسه التفكير في ذلك - أي الانتساب الأموي القهري للاسلام - باعتبار أننا كمسلمين مؤمنين ينبغي أن ننظر الي الجانب المسلمين من الأمور و لا نشكك بأي امري ء يعلن شهادة الحق (أشهد أن لا اله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله). حتي لو كان أبوسفيان نفسه أو معاوية ابنه.

كان يمكن أن يكون هذا الأمر صحيحا مع الآخرين الذين أسلموا و حسن اسلامهم، و لم يسجل عليهم أي موقف معاد للاسلام فيما بعد. أما مع هؤلاء الأعداء الدائمين للاسلام، و الذين وقفوا في مقدمة المعادين لآل بيت النبوة، و اتخذ هجومهم (تكتيكا) جديدا، لم يكن بنفس الاتجاه المباشر الذي كان من قبل، و استهدف تدمير الاسلام من الداخل بعد أن استعصي عليهم تدميره من الخارج، من خلال اثاره النوازع المتدنية و التي كانت منتشرة قبل الاسلام في مجتمع الجاهلية، في مجتمع الاسلام نفسه الذي احتوي الجميع و أراد تربية الجميع علي مبادئه و قيمه...


و لعلنا ندرك هنا أن الغربلة أو التصفية النهائية لكل جذور الجاهلية و بذورها، ما كانت تتم في سنوات قليلة، و لابد من مرور جيل علي الأقل، تختفي التجربة الجاهلية معه و تنسي نهائيا، لاعداد الجيل التالي و الأجيال اللاحقة، علي مثل الاسلام و قيمه، ليكونوا قد وعوا و نشأوا عليها منذ البداية. و كان ينبغي لمثل هذه العملية الانقلابية الضخمة أن تتم في ظروف و بيئة صحيحة ممتازة، علي يد صحابة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أقربهم منه، يقومون كلهم مجتمعين بهذه المهمة و يعملون باتجاه واحد و يحملون نظرة واحدة و تصورا واحدا و أسلوبا واحدا قد تتعد أو جهته لكنه يتشابه في محتواه الأساسي.

ان الاسلام يدرك أن معركته لن تنتهي بمجرد الانضمام العلني لأهل الجزيرة اليه، مع أنهم لم ينضموا اليه جميعا، و ان امتداده الأفقي و انتشاره بمختلف بقاع الأرض، يجب أن يرافقه امتداد عمودي اذا صح التعبير، بنفوس أولئك الذين ينتمون اليه، لتتصاعد و تائر الأداء الاسلامي بتلك النفوس علي أساس الفهم الواعي لكل ما بهذا الدين من قيم جديدة عليا، أساسها الايمان بالله سبحانه و تعالي و توحيده و الانحياز اليه بل و حبه و طلب وجهه و رضاه. كما أنه يدرك أن هذه المعركة ستسمر مادام الشرك و الأصنام الحجرية و البشرية تطل بوجوهها الشعبة علي مناطق واسعة من العالم.