بازگشت

معاوية الولد سر أبيه


و يبدو أن معاوية كان متأثرا بأبيه أبي سفيان الي حد بعيد، فكان يشاوره في أموره كلها و يستمع الي نصائحه و توجيهاته، فليس أبوسفيان مما يستهان (بدهائه) و قدرته علي كظم غيظه و غضبه. و ذلك يتيح له التخلص من بعض المواقف الصعبة


و اجتيازها علي حساب منافسيه أو أعدائه. لقد أخبر معاوية عمر، عندما أمره أن يقتص من عمرو بن العاص عند لطم هذا الأخير له (... ان أبي أمرني ألا أقتضي أمرا دونه. فأرسل عمر الي أبي سفيان. فلما آتاه ألقي له و سادة و قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم «اذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» ثم قص عليه ما جري بين عمرو و معاوية فقال: لهذا بعثت الي؟ أخوه و ابن عمه؛ و قد أتي غير كبير، و قد وهبت ذلك له) [1] .

لقد كانت خيانات أبي سفيان و عدم حفاظه علي ما يؤتمن عليه معروفة، و قد عاقبه عمر علي ذلك، و يبدو أن المال كان الهه المعبود و نقطة الضعف الكبيرة فيه، و قد أورث ذلك بنيه فيما بعد... [2] و قد عاقبه عمر عدة مرات علي ذلك، و لم يكن يخجل من وقوفه علي أبواب الملوك و استجدائه عطاياهم رغم ادعائه أنه سيد قومه [3] .

و مع كل دهاء أبي سفيان و مكره الذي أورثه ابنه معاوية، فانه لم يكن يستطيع اخفاء بعض ما تجيش به نفسه من بغض الاسلام و من قيم جاهلية مترسبة... (القحذمي قال ضرب عمر رجلا بالدرة فنادي: يا لقصي! فقال أبوسفيان: يابن أخي، لو قبل اليوم تنادي قصيا لأتتك منها الغطاريف. فقال له عمر: اسكت لا أبا لك. قال أبوسفيان: ها، و وضع سبابته علي فيه) [4] .

انه لم ينزعج من نهر عمر له و تقريعه اياه، كما لم ينزعج من عقوبات أخري كان ينزلها به. فمسألة الكرامة لم تكن تبدو حساسة لديه الا في الحالات التي يشعر بها ان مصالحه أصبحت مهددة، أما في غيرها فكان يغض النظر و ينسي كل اهانة، و يعزو سكوته عنها أنه من باب الدهاء و الحلم و سعة الصدر.



پاورقي

[1] العقد الفريد - ابن عبد ربه الأندلسي - تحقيق د. عبدالمجيد الترحيني - دارالکتب العلمية لبنان - 1983 - 1404 ط 1 ج 1 ص 18.

[2] راجع المصدر السابق ص 48 - 46.

[3] فقد روي عنه أنه قال (أهديت لکسري خيلا و أدما. فقبل الخيل ورد الأدم، و أدخلت عليه، فکأن وجهه وجهان من عظمه، فألقي الي مخدة کانت عنده، فقلت و اجوعاه! أهذه حطي من کسري بن هرمز؟ قال: فخرجت من عنده، فما أمر علي أحد من حشمه الا أعظمها، حتي دفعت الي خازن له: فأخذها و أعطاني ثمانمائة اناء من فضة و ذهب، نفس المصدر ص 288.

[4] نفس المصدر ص 48.