عداوة الله و رسوله ستار للحقد الموروث
كان أبوسفيان أحد الذين كانوا في مقدمة المحرضين علي رسول الله و خصوصا قبيل هجرته الي المدينة و قد كان حاضر اجتماع دار الندوة مع بعض
أشراف قريش، و كان من حضروا من بني عبد شمس اضافة لأبي سفيان، عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة، و قد انتهب دور بعض من هاجروا مع النبي.
و في معركة بدر قتل حنظلة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس و عتبة بن ربيعة بن شمس و شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، قتلهم علي و حمزة، كما أسر عمرو بن أبي سفيان... و عتبة بن ربيعة هو أبو هند أم معاوية، و قد كان لقتله أثر كبير في نفسها، أسال أحزانها و أثار شجونها و أحقادها علي من قتلوه، و قد رثته بقصائد عديدة تقطر مقتا و حقدا و غضبا [1] .
لقد كان رد فعل آل أمية علي قتلاهم في بدر عنيفا، و قد ازداد دورهم التحريضي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الاسلام (... فكان أبوسفيان... حين رجع الي مكة، و رجع فل قريش من بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة، حتي يغزو محمدا صلي الله عليه و آله و سلم فخرج في مئتي راكب من قريش، فبعث رجالا من قريش الي المدينة، فأتوا ناحية منها... فحرقوا في أصوار من نخل بها، و وجدوا بها رجلا من الأنصار و حليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، و نذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في طلبهم.. و قد فاته أبوسفيان و أصحابه..) [2] .
و قد استعد أبوسفيان و كفار قريش ممن أصيب آباؤهم و اخوانهم و أبناؤهم يوم بدر مثل عبدالله بن أبي ربيعة و عكرمة بن أبي جهل، و صفوان بن أمية لشن حرب كبيرة علي المسلمين (فخرجت قريش بجدها وجدها و حديدها و أحابيشها و من تابعها من بني كنانة، و أهل تهامة، و خرجوا معهم بالظعن (النساء في الهوادج)؟ التماس الحفيظة، و لا يغرو. فخرج أبوسفيان بن حرب، و هو قائد الناس، بهند بنت عتبة.
و كانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها، قالت: ويها (كلمة معناها الاغراء و التحضيض) أبارسمة، اشف و استشف..
و قد قال أبوسفيان لأصحاب اللواء بني عبدالدار يحرضهم بذلك علي القتال: يا بني عبدالدار، انكم قد وليتم لواءنا يوم بدر، فأصابنا ما قد رأيتم، و انما يؤتي الناس من قبل راياتهم، اذا زالت زالوا، فاما أن تكفونا لواءنا، و اما أن تخلوا بيننا
و بينه، فنكفيكموه، فهموا به و تواعدوه و قال: نحن نسلم اليك لواءنا، ستعلم غدا اذا التقينا كيف نصنع! و ذلك أراد أبوسفيان.
فلما التقي الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، و أخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، و يحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:
ويها بني عبدالدار
ويها حماة الأدبار
ضربا بكل تبار
و تقول:
ان تقبلوا نعانق
و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
و وقعت هند بنت عتبة، و النسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتي من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يجدعن الآذان و الآنف، حتي اتخذت هند من آذان الرجال و آنفهم خدما (الخدم: الخلخال) و قلائد، و أعطت خدمها و قلائدها و قرظها وحشيا، غلام جبير بن مطعم، و بقرت عن كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها، ثم علت علي صخرة مشرفة فصرخت بأعلي صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر
و الحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
و لا أخي و عمه و بكري
شفيت نفسي و قضيت نذري
شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي علي عمري
حتي ترم أعظمي في قبري
و قالت:
شفيت من حمزة نفسي بأحد
حتي بقرت بطنه عن الكبد
اذهب عني ذاك ما كنت أجد
من لذعة الحزن الشديد المعتمد
و الحرب تعلوكم بشؤبوب برد
تقدم أقداما عليكم كالأسد [3] .
و قد كان الجليس بن زبان... قد مر بأبي سفيان، و هو يضرب في شدق حمزة بن عبدالمطلب بزج الرمح و يقول: ذق عقق؛ فقال الحليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما.
ثم ان أباسفيان بن حرب، حين أراد الانصراف، أشرف علي الجبل، ثم صرخ بأعلي صوته فقال: أنعمت فعال، و ان الحرب سجال، يوم بيوم، اعل هبل.
و أراد الرجوع الي المدينة، ليستأصل بقية أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال لهم صفوان بن أمية بن خلف: لا تفعلوا، فان القوم قد حربوا، و قد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي، فارجعوا فرجعوا..) [4] .
و قد حاول أبوسفيان اعادة الكرة في شعبان سنة أربع، الا أنه تراجع، و قد أرادت اليهود تحريض قريش علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و أصحابه فوفدوا اليهم من المدينة لهذا الغرض، اذ أرسلوا اليهم جماعة من زعمائهم و قد نجحوا في مسعاهم اذ استعدت (فخرجت قريش، و قائدها أبوسفيان بن حرب. و خرجت غطفان..) [5] لحرب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذي استعد لهم استعدادا جيدا، و أمر بحفر الخندق، و رغم تحريض أبي سفيان الناس علي منازلة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و حربه، الا أنه تراجع في النهاية بعد أن لم تستطع قريش و حلفاؤها الاستمرار في الحصار تحت وطأة الظروف الجوية القاسية.
پاورقي
[1] راجع ابن هشام م 2 ص 40 - 38.
[2] المصدر السابق 45 - 44.
[3] و بلغ من أذاها للمسلمين في کل مراحل الدعوة حتي فتح مکة ان رسولالله صلي الله عليه و آله و سلم قد أباح دمها مع ثلاث نسوة أخريات (قال الواقدي: أمر رسولالله (ص) بقتل ستة نفر و أربع نسوة... و من النساء هند بنت عتبة بن ربيعة..) الطبري 161 - 2 الا أنها أعلنت (اسلامها) و بايعت.
[4] نفس المصدر ص 104 - 61 و راجع الطبري - م 2 ص 59 و ما بعدها.
[5] نفس المصدر ص 215 و الطبري م 2 ص 91 و ما بعدها.