بازگشت

بين حقد أمية علي هاشم و حقد آل أبي سفيان علي آل محمد


لقد كان معاوية نتاج الحقد الأموي القائم المدمر علي بني هاشم، و الذي ازداد بعد ظهور الاسلام و تشرف الناس جميعا بالانتماء اليه و شهادتهم بعد (لا اله الا الله أن


محمدا رسول الله) اليهم و الي البشرية جمعاء، و هل هم الا كبقية الناس، و هل عليهم الا أن يشهدوا كما شهد الناس جميعا، و يعلنوا أن محمدا رسول الله كمان أعلنت الناس مع أن زعيمهم أباسفيان قد فعل ذلك عندما وصل السيف الي رقبته و أو شك أن يطيح برأسه، كما رأينا، و قد حاول معاوية أن يوهم الناس بأن بني عبد مناف و في مقدمتهم هاشم و أمية، لم يكونوا مختلفين بالقدر الذي يوجب العداوة و الحقد بينهم الي الأبد، و ان هذه (العداوات البسيطة) أصبحت في ذمة التاريخ و أنه لم يكن يتصرف بوحي من ذلك الحقد الموروث و العداوة المتأصلة.

صحيح (.. انما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد، شرف بعضهم لبعض شرف، و فضل بعضهم لبعض فضل) [1] كما أوضح ابن هشام، الا أن عداوات ظهرت بين قريش و بني عبد مناف أولا، ثم بين هاشم و أمية ثانيا، أدت الي أن يستثمر أمية الحقد القرشي علي هاشم و يعلن انحيازه الي قريش ثم ادعاء زعامتها بعد ذلك في محاولة لكسبها ضد الزعامة الهاشمية المتصاعدة و التي توجهت بظهور نبي الرحمة صلي الله عليه و آله و سلم و اعلان رسالته و نشرها بين العرب و عموم الناس.

لقد كانت الزعامة لهاشم، و قد ولي الرفادة و السقاية (و ذلك أن عبد شمس كان رجلا سفارا قلما يقيم بمكة، و كان مقلا ذا ولد، و كان هاشم موسرا، و أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء و الصيف، و أول من أطعم الثريد بمكة، و انما كان اسمه عمرا، فما سمي هاشما الا بهشمه الخبز بمكة لقومه.

ثم ولي عبدالمطلب بن هاشم السقاية و الرفادة بعد عمه المطلب، فأقامها للناس و أقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم، و شرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه، و أحبه قومه و عظمه خطره فيهم...) [2] .

و بلغ قمة المجد حين ذهب ليحفر زمزم، و هنا بدأت أول بادرة من بوادر الخلاف بينه و بين قريش، حينما حاولت منعه من حفر البئر ثم مشاركته فيها عند ما رأت عزمه علي الاستمرار في ذلك، و قد خاب مسعاها في ذلك أيضا (... ثم ان عبدالمطلب أقام سقاية زمزم للحاج.. فعفت زمزم علي البتار التي كانت قبلها يسقي عليها الحاج، و انصرف الناس اليها لمكانها من المسجد الحرام، و لفضلها علي ما


سواها من المياه، و لأنها بئر اسماعيل بن ابراهيم عليه السلام، و افتخرت بها بنو عبد مناف علي قريش كلها و علي سائر العرب...) [3] لأنهم كانوا - كما رأينا أهل بيت واحد، شرف بعضهم لبعش شرف، و فضل بعضهم لبعض فضل.

و الي هنا يبدون أن أمر العلاقات كان طبيعيا بين أفراد الأسرة القرشية الكبيرة، آل عبد مناف.

لقد بدأ الخلاف عند ما دب الحسد في نفس حرب بن أمية علي عبدالمطلب، فحرض أناسا لقتل أحد ندمان عبدالمطلب، و أجارهما عندما اكتشف هذا الأمر و لأمه و طلبهما منه.. (فأخفاهما فتغالظا في القول حتي تنافر الي النجاشي ملك الحبشة فلم يدخل بينهما فجعلا بينهما نفيل بن عبدالعزي جد عمر بن الخطاب.. الذي قال لحرب: يا أباعمرو أتنافر رجلا هو أطول منك قامه، و أوسم و سامه، و أعظم منك هامة، و أقل منك ملامة و أكثر منك ولدا، و أجزل منك صفدا، و أطول منك مددا؟ و اني لأقول هذا، و انك لبعيد الغضب، رفيع الصوت في العرب، جلد المريرة لحبل العشيرة، و لكنك نافرت منفرا..) [4] .

(و ولي هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان اليه من السقاية و الرفادة، فحسده أمية بن عبد شمس علي رياسته و اطعامه فتكلف أن يصنع ضيع هاشم فعجز عنه، فشمتت به ناس من قريش، فغضب و نال من هاشم و دعاه الي المنافرة...) [5] .

و كانت نتيجة ذلك ان خسر أمية (قضيته) أمام هاشم و غاب عن مكة بالشام عشر سنين (فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم و أمية) [6] .

كان أمية اذا أقل امكانات من هاشم، و ما كان يستطيع مجاراته في أي أمر حتي من ناحية المظهر و الشكل، و كان لابد أن يسعي لسد عقدة النقص فيه لمطاولة هاشم، الا أن الادعاء و العجز كانت نتيجتها أن يسعي لا نزال هاشم عن مراتبه و مآثره و مواضعه في المجتمع ليكون بمستواه، و الا كيف تتجلي عقدة النقص و كيف يتجلي الحسد، ان لم يكن بالنيل من الآخرين و السعي لتدمير المجتمع بأسره ان أمكن...


و لابد أن يكشف الانسان نفسه أمام أهله و المقربين اليه، و لابد أن ينحازوا اليه بدافع العلاقة الحميمة و يتبنوا أفكاره و موافقه، و هكذا فاننا لا نستغرب امتداد العداوة و الكره و اتساعهما بين أفراد العائلة الأموية فيما بعد لتكون تقليدا و أمرا عائليا تتبناه هذه العائلة بأجمعها، و كأن ما يجمع بينها و يوحد أواصرها هو الكره الذي اختصت به تجاه ذوي القربي من آل هاشم.

و نجد أن من الطبيعي أن تحاول التعبير عن سخطها بمختلف الأساليب، حتي و ان لم تكن مشروعة أو شريفة، فمن يحسب أنه قد تمرغ في الوحل لا يهمه بل يسره أن يتمرغ الآخرون معه.


پاورقي

[1] السيرة النبوية - ابن هشام م 1 ص 150 و راجع ابن الأثير م 2 و الطبري م 2.

[2] المصدر السابق ص م 1 ص 142 - 136 - 135.

[3] نفس المصدر 147 - 150.

[4] الکامل في التاريخ - ابن الأثير 3 ص 554 - 553 - 552 و راجع الطبري 504 - 1 و ما بعدها.

[5] المصدر السابق 553.

[6] نفس المصدر ص 554.