بازگشت

المأمون مثالا


و هكذا: اذا نظرنا - علي سبيل المثال - الي موقف المأمون بن هارون الرشيد العباسي، و هو أحد رموز الحكم المعروفة، و قد وصل آباؤه اليه بدعوتهم الي آل الرسول، ثم استأثروا بالحكم و السلطة التي توصلوا اليها بمختلف الطرق و الأساليب و معظمها أساليب أموية الشكل و المحتوي. نري المأمون يعلن - في احدي جلساته الخاصة - انحيازه المطلق الي أميرالمؤمنين علي عليه السلام، و مواقف أميرالمؤمنين.. و يري أنه أحق الناس بالخلافة و القيادة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

ثم أننا نري المأمون - بعد ذلك يرتكب جريمة كبيرة بحق الامام الذي أقر له بالحق فيقدم علي اغتيال امام آخر من احفاده أقر له بالحق أيضا، فدس اليه السم بعد أن كتب له بولاية العهد من بعده، ربما لامتصاص النقمة الشعبية المتزايدة ضده و ضد الحكم العباسي بشكل عام، و قد رأي أن استمراره بالاعتراف بهذا الحق للامام (علي بن موسي الرضا عليه السلام قد يجرده نهائيا من (الحق) الذي ادعاه لنفسه كما ادعا آباؤه من قبل.

و لنستمع الي أقواله في أميرالمؤمنين عليه السلام في مناظرة له مع بعض (العلماء) الذين جمعهم لهذا الغرض و نقتطف منها هذه الكلمات:


(ان أميرالمؤمنين «يعني المأمون بذلك نفسه»، يدين الله علي أن علي بن أبي طالب، خير خلق الله بعد رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و أولي الناس بالخلافة له..

قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالجنة، فان وجدتها تشاكل فضائله، فقل انهم أفضل منه.

فهل علمت أحدا سبق عليا الي الاسلام؟

فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما تجد لعلي في الجهاد؟

فهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا حين أنزل فيه (هل أتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) (يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) (و يطعمون الطعام علي حبه مسكينا و يتيما و أسيرا) [1] .

ان الله تبارك و تعالي أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم علي فراشه، و أن يقي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بنفسه.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد منصرفه من حجة الوداع: «من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه و عاد من عاداه».

«أنت مني بمنزلة هارون من موسي..».

(فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسي، وزيري من أهلي، و أخي، شد الله به ازري و أشركه في أمري، كي نسبح الله كثيرا و نذكره كثيرا..».

اللهم اني - و الكلام للمأمون العباسي - قد أخرجت الأمر من عنقي، اللهم اني أدينك بالتقرب اليك بحب علي و ولايته.) [2] .

فلماذا نكل المأمون عن أقواله و تراجع، بعد أن أخرج الأمر من عنقه - كما ادعي - و أوصي بولاية العهد للامام علي بن موسي الرضا عليه السلام..؟ و لماذا لم يستطع الثبات علي أقواله؟ انه لم يستطع ذلك لأنه ممثل السلطة الرسمية و خليفة المسلمين (الشرعي) و سليل (الخلفاء) الذين أقاموا حكمهم بحد السيف. ان معني ثباته علي موقفه و عدم تراجعه هو أن يقطع سلسلة الخلفاء العباسيين و الخلافة


العباسية، و يعترف لآل البيت بحقهم الشرعي، و اعترافه هذا لا يتيح له حق الجلوس علي كرسي الخلافة و لو يوما واحدا، و سيجد من يدينه بأقواله و يقول له: ما دمت قد اعترفت لهم بحقهم لماذا لا تدعهم و شأنهم؟ و لماذا تظل عقبة في طريق وصولهم الي هذا الحق؟ و لماذا تجعل الامام ولي عهدك بعد موتك لا الآن و تبعد نفسك عن طريقه..؟.

و اذا فقد وجد نفسه أمام موقف صعب لا يتيح له الا أمر واحد و هو التنازل حالا لمن أقر لهم بالحق، فلا يؤجل ذلك الي ما بعد وفاته.

و قد وجد من قال له ذلك فعلا: (. لاحظوا قصة الهجوم الشعبي الهائل الذي تعرض له قصر المأمون، نتيجة لاغضابه الامام الرضا عليه السلام، فلم يكن للمأمون مناص من الالتجاء الي الامام لحمايته من غضب الأمة.

فقال له الامام: «اتق الله في أمة محمد، و ما ولاك من هذا الأمر و خصك به، فانك قد ضيعت أمور المسلمين، و فوضت ذلك الي غيرك يحكم فيها بغير حكم الله عزوجل) [3] .


پاورقي

[1] الانسان: 8 - 5 - 1.

[2] العقد الفريد ص 318 - 326 - في کلام کثير للمأمون قاله في معرض الاشارة لفضائل أميرالمؤمنين عليه‏السلام...

[3] دور الأئمة في الحياة الاسلامية - الشهيد الصدر ص 18.