بازگشت

استقامته أخافت مناوئية


لقد خاف المنحرفون و الجانحون عن الحق استقامته و شدته في الله، و خافوا عدله، و رأوا أنه قد يأخذهم علي ما يكرهون اذا ما أقروا له بالخلافة و قد يفقدون جراء ذلك امتيازاتهم و مراكزهم و أموالهم... أما هو عليه السلام فقد علم ذلك حق العلم، و قال مقولته الشهيرة (ما ترك لي الحق من صديق).

لقد كانوا يعلمون أنه سيسلك بهم مسلكا صعبا لا يقدرون عليه، غير أنه سيحقق للأغلبية المسلمة مصالحها و يضمن اختفاء كل المظاهر المرضية من جسم الأمة... و هل تهم الأمة من لا يري الا نفسه و مصالحه...؟


لقد عبر أميرالمؤمنين عليه السلام عن رؤيته للايمان، بوضوح اعتمده أساسا لفعل حيائي مستمر يعزز نظرته الاعتقادية للاسلام، فقد قال عليه السلام (بني الايمان علي أربع دعائم: اليقين، و الصبر، و الجهاد، و العدل) [1] لقد أراد الجميع أن يتمتعوا باليقين الذي يتمتع به الأولياء الموقنون العارفون و الأنبياء المرسلون، و اذ لم يصل عموم البشر الي مرتبة الأنبياء الرفيعة، فان عليهم أن يجربوا عكس يقين الرسل علي أنفسهم، و يتأثروا بما آمنوا به بنفس القدر الذي يتأثر به أولئك الرسل، أما الصبر الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، انه الايمان نفسه، فقد سئل صلي الله عليه و آله و سلم عن الايمان قال: هو الصبر لأنه أكثر أعماله و أشرفها. و سئل صلي الله عليه و آله و سلم عن الايمان فقال: الصبر و السماحة، أما الجهاد، فجهادان، الأكبر، و هو جهاد النفس و تربيتها و توجيهها لحب الله و السير في طريقه و الأصغر و هو مقاتلة أعداء الله و رسوله كلما استدعي الأمر ذلك... ثم ان العدل يمثل المنهج الحياتي المستقيم الذي يضمن به عدم الاعتداء و عدم الجور و عدم التطلع الي أموال الغير و أعراضهم و حرياتهم و مصالحهم. انه التجسيد العملي للرسالة الحقة، و علي ذلك يؤكد الامام دائما. ان صوت العدالة الالهية كان يهيب به دائما ليعلن مواقفه الرافضة لكل ظلم، ظلم الانحراف عن المنهج الالهي، ظلم الانسان للانسان، ظلم الانسان لنفسه، و هكذا فان الذين رأوا في الاسلام عائقا أمام تطلعاتهم و طموحاتهم المتدنية و رغباتهم الشاذة، رأوا في الامام الذي لم تأخذه في الله لومة لائم، ما رأوه في الاسلام بنفسه، و اذ أنهم لم يستطيعوا اعلان حربهم و شنها علي الاسلام صراحة بعدما سيطر و امتد أو علي الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم الذي كان النيل منه يعني التشكيك بالرسالة كلها. فانهم وجدوا فرصتهم السانحة بشخص أميرالمؤمنين عليه السلام فعملوا علي النيل منه و التعرض لشخصه زاعمين أنه لا يختلف عن أي شخص آخر طامح للخلافة و الملك. و مع ذلك فانهم لم يستطيعوا أن يقولوا أكثر مما قالوه، مما بينا قسما منه في سياق هذا الفصل، و هو ما لم يصح و ما لم يقع قطعا. و نظرة متأنية واعية عادلة تتطلع الي الله و عدالته و عينه التي لا تغفل و لا تنام ستريهم أنهم علي باطل، و أنهم كانوا يشتطون في حق هذا الانسان العظيم، الذي كانت حياته صفحة من صفحات الاسلام و آية من آيات الله الناطقة المعجزة، و انعكاسا لحياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه.


و قد آن لنا في هذا العصر الذي أتيحت للعديدين منا أدوات حديثة للنظر و العلم و المعرفة، أن لا ننظر الي أمثال هذه الأمور المهمة التي تتعلق بديننا و عقيدتنا و مستقبلنا الأبدي، نظرة المقلد المتلقي الذي لا يري الا ما يراه غيره، و الا ما رآه آباؤه و أجداده من قبل، حتي و لو كان هؤلاء الآباء و الأجداد علي خطأ واضح مبين، و حتي لو كان أكثرهم لا يفقهون شيئا و لا يعلمون الا أنهم نشأوا علي أفكار و أطروحات مسبقة جاهزة تلقوها عن آباء جهلة لا يفقهون!.


پاورقي

[1] جامع السعادات ج 2.