بازگشت

لنعرف الاسلام حتي نعرف الامام


ان فهم شخصية الامام عليه السلام، يستدعي فهم الاسلام كله، و فهم شخصية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التي تكتمل بها صورة الاسلام في ذهن الفرد المسلم. كما أن الوضوح و السطوع الخارقين لهذه الشخصية هو الذي يجعل الكثيرين يصابون بعمي شديد، يجعلهم في حالة تعثر مستمرة عند النظر اليها أو سلوك دربها الواضح المستقيم. و هكذا جاء قول الشعبي فيه مطابقا لواقع الحال (انه كان في هذه الأمة مثل المسيح عيسي بن مريم في بني اسرائيل أحبه قوم فكفروا في حبه و أبغضه قوم فكفروا في بغضه) [1] .


قيل فيه الكثير، و كتب عنه الكثير، غير أن الميدان لا يزال واسعا بعد أمام من يريدون البحث عن جوانب شخصيته العظيمة، و لا تزال أمور عديدة بشأنه، لم يفهمها الكثيرون بعد.

ان فهم الامام عليه السلام يعني فهم الاسلام كما قلنا، و مهما أرادوا أن يقللوا من شأنه، فانهم مجبرون - بحكم الوقائع و اجماع كل من تكلموا عن سيرته - علي الاشادة باستقامته و عدله و صدقه و ايمانه و علمه و شجاعته و صبره و أمانته، و هي صفات لم يختلف عليها اثنان من محبيه وأعدائه علي السواء، حتي عدوه اللدود معاوية أشاد به مرغما في عدة مناسبات. فهذه الأخلاق و الروح الالهية التي وضعها الله في البشر، حينما نفخ فيه من روحه، و رفعه من وهدة الوحل و الطين، تجلت بكل عظمتها و روعتها و شموخها في الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم ثم في آل بيته الكرام و في مقدمتهم أميرالمؤمنين عليه السلام [2] .

فعلام الخلاف في شخصه اذا...؟ هل يعود ذلك للأسباب التي أوردها الخوارج الذين دعوه للتحكيم أولا، ثم تخلوا عنه بحجة قبوله لذلك التحكيم؟ أم للأسباب التي أوردها معاوية و جعلها مبررا لسبه علي منابر الأمويين طيلة حكمهم التعسفي الجائر؟.

أما مع الخلفاء الذين جاءوا قبله، فقد حسمت المسألة من قبله و من قبلهم أيضا. و قد رأينا أن الخلاف لم يصل الي حد اعلان الحرب أو السباب أو التشهير أو غير ذلك من الأمور التي لجأ اليها معاوية فيما بعد و الادعاءات و التخرصات التي اخترعها و افتراها للتقليل من شأن الامام و الحط من شخصيته و عرضه كمجرد انسان عادي طامع في الخلافة متلهف اليها و كمنافس لا يختلف عن (المنافسين) الآخرين. و قد أوضح الامام عليه السلام موقفه بصراحة متناهية و أوضح الأسباب الحقيقية وراء سكوته عن حقه (... و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر علي طخية


عمياء، يهرم فيها الكبير، و يشيب، فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن يلقي ربه... فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت و في العين قذي و في الحلق شجا، أري تراثي نهبا... فصبرت علي طول المدة و شدة المحنة... فنظرت فاذا ليس لي معين الا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت... فنظرت فاذا ليس لي رافد و لا ذاب و لا مساعد، الا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية، فأغضيت علي القذي، و جرعت ريقي علي الشجا، و صبرت من كظم الغيظ علي أمر من العلقم...) [3] .

و لن يتاح لأحد فهم تفسير أميرالمؤمنين لسكوته عن حقه بأنه نابع عن مخاوف خاصة علي حياته و حياة أهل بيته، فمما لا شك فيه عند الجميع أنه لم يخف الموت في أي مرحلة من مراحل هذه الحياة، لأنه لم يخض معارك خاصة به و انما كانت معاركه كلها في سبيل الاسلام و في سبيل الذب عن وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و من هنا كان حرصه علي الشهادة و استهانته بكل ما يمكن أن يلحقه من آلام الموت. لقد كان موقفه دقيقا مع أولئك الذين لم تنتزع المفاهيم و التصورات الجاهلية من أدمغتهم، و كان لابد من عرض موقفه الدقيق ذاك علي الأمة (فان أقل يقولوا: حرص علي الملك، و ان أسكت يقولوا: جزع من الموت! هيهات بعد اللتيا و التي! و الله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة) [4] .


پاورقي

[1] العقد الفريد 59 / ج 5.

[2] (جاء رجل الي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها عليها فهو أعلم. فقال: يا أميرالمؤمنين جوابک فيها أحب الي من جواب علي. قال بئس ما قلت. لقد کرهت رجلا کان رسول‏الله (ص) يغز بالعلم غزا و لقد قال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي. الا أنه لا نبي بعدي») ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي. الحافظ محب‏الدين الطبري. مطبعة القدسي و مطبعة السعادة ص 79.

[3] نهج‏البلاغة ص 336، 68، 49، 48.

[4] المصدر السابق ص 53.