بازگشت

ممارسة التناقض في ظل دولة الظلم يهدد المجتمع بالانهيار


ان افراغ الاسلام من مضامينه الحقيقية و تشويش مسيرة الفرد المسلم المتطلع الي المثل الأعلي المرتفع دائما، و جعل همومه تنصب علي المشاكل الأرضية الصغيرة و قطع كل اتصال له بالسماء أتاح للأمويين فرصة استمالة الناس و استدراجهم الي صفهم، و في خضم توزع الولاء بين (الله) و (الواقع الحياتي)، الذي يبدو فيه (الخليفة) الأموي كمسير حقيقي لهذا الواقع، راحوا يزينون للناس ضرورة الانغماس الكلي في هذا الواقع و ممارسة حياتهم بعيدا عن الله و دينه، و ان أرادوا الأمر أن يبدو و كأنه غير مقصود و كأن (الخلافة الأموية) لم تكن تسعي اليه بنفسها. ان طبيعة الممارسات الأموية، و منذ أيام عاهلها الأول معاوية، كانت تأخذ بهذا الاتجاه بشكل واضح... و قد وضعوا الناس بذلك أمام تناقض بارز، و ضربوا لهم مثلا سيئا بسلوكهم الشخصي المعلن و المراقب من عموم المجتمع، بحكم المراكز المرموقة التي كانوا يتمتعون بها، لقد أرادوا بفعلهم و تصرفاتهم تلك جر الناس الي واقعهم هم و قطعهم عن الاسلام، و هكذا (فان المسلم الذي يعيش في ظل أنظمة تتعارض مع القرآن و الاسلام، يجد نفسه في كثير من الأحيان مضطرا الي ممارسة التناقض في حياته باستمرار، اذ يرفض في المسجد و بين يدي الله ما يمارسه في المتجر أو المعهد


أو المكتب و يرفض في حياته العملية ما يقدسه في المسجد و يعاهد الله علي الوفاء به، و يظل في دوامة هذه الولاءات المتعارضة لا يجد حلا للتناقضات الا بالتنازل عن المسجد فيقاسي فراغا روحيا يهدده، و بالتالي يهدد المجتمع بالانهيار أو بالتنازل عن دوره في الحياة العامة، و بهذا يتحول الي طاقة سلبية و يفقد المجتمع بالتدريج قدرات أطهر أبنائه و أنظف أفراده) [1] .

و هكذا أصبحت مقدرات هذا الدين الذي وقف أول من وقف في طريقه أبوسفيان و آل أمية، و أعلن الحرب عليه منذ البداية و شن عليه أفظع الحملات الشرسة، ثم لم (ينضم) اليه بشكل معلن الا بعد أن لم يجد مناصا من ذلك كما أوضحنا، و بينته كل كتب التاريخ، حتي تلك المتحيزة للأمويين، في يد ابنه معاوية، الذي دخل فيه مع أبيه خوفا و نفاقا. و هكذا حسمت الجولة لصالحهما، و أوقفت المسيرة المظفرة للاسلام بفعل متعمد لا يمكن تبرير دوافعه بأي حال من الأحوال، فلم يكن الأمر أمر خطأ واحد أو عدة أخطأ ارتكبت سهوا أو في حقبة معينة من الزمن، و انما كان سلسلة من الفعل المتعمد (الخاطي ء) المستمر المخطط، و هذا ما ينبغي أن يجعل الجرم بنظرنا كبيرا، و نحن نعالج هذه القضية الكبيرة من قضايا المسلمين و التي لا يزال البعض لحد الآن يقفون منها موقفا متأرجحا غامضا رغم وضوح (صناعها و أصحابها) و توظيفهم لها لصالحهم علي حساب الأمة المسلمة علي امتداد حياتها و الي يومنا هذا.


پاورقي

[1] منابع القدرة في الدولة الاسلامية / السيد محمد باقر الصدر / ط 1 دارالتعارف بيروت ص 31 - 30.