بازگشت

لماذا رفضوا أميرالمؤمنين


هل كان سيقبل هؤلاء، و هم أهل دنيا و مصالح و امتيازات و ثروات أسطورية هائلة، بالتخلي عن كل ما حصلوا عليه و غنموه، في سبيل مبادي ء و قيم، لم يتبنوها في الظاهر الا لأنها جلبت لهم هذا النعيم و هذا الخير..!؟.

هل كان مروان، الحاكم و المتنفذ الفعلي في زمن عثمان، و الذي أقطع فدك، و وهب خمس في ء أفريقيا يرضي بذلك و يسلم للامام ليأخذ منه كل شي ء؟.

و هل كان طلحة، و قد وجدوا في تركته ثلثمائة بهار من ذهب و فضة (و البهار مزود من جلد عجل [1] ، أو الزبير الذي بلغت تركته عندما أحصيت فيما بعد مائة ألف ألف و سبعمائة ألف ألف [2] و معاوية الذي ملك الشام، و عمرو بن العاص الذي خلف من العين ثلثمائة ألف دينار و خمسة و عشرين ألف دينار، و من الورق ألف ألف درهم و غلة مائتي ألف دينار بمصر و ضيعته المعروفة بمصر بالوهط قيمتها عشرة آلاف


ألف درهم [3] [4] .

و غيرهم كثيرون، هل كانوا سيقبلون التسليم لهذا الامام الذي جاء يقلب الموازين التي ألفوها، و يقوم الانحراف الذي درجوا عليه و عاشوا في ظله، و يعيدهم الي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عطاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي يتساوون فيه مع غيرهم...؟ هذا الرسول الذي كان (يأكل علي الأرض و يقعد القرفصاء، و يتوسد يده، و يلعق أصابعه، و يقضي من نفسه، و لا يأكل متكئا) [5] ...؟!.

هل كانوا سيستسلمون لهذا الامام شبيه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذي كان (يقيم ببيت المال في كل جمعة حتي لا يبقي منه شيئا ثم يفرش له و يقيل فيه) [6] و الذي صمد أمام كل الاغراءات التي يمكن أن يتعرض لها بشر، فلم يضعف أمامها و لم ينهزم و لم يبال، حتي أنه كان يتوسد التراب أحيانا عند منامه غير مبال بشي ء، حتي سماه أخوه و ابن عمه الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم و هو يمسح التراب عن وجهه عندما وجده نائما في أحد المساجد: أباتراب؟

و من الطريف أن معاوية و بني أمية من بعده أرادوا جعل هذا الاسم سبة و عارا علي الامام و أخذوا يلعنون صاحبه أميرالمؤمنين عليه السلام من علي منابر المسلمين طيلة


حكمهم الجائر المنحرف... فقد (لعن معاوية عليا علي المنابر، و كتب الي عماله أن يلعنوه علي المنابر ففعلوا، فكتبت أم سلمة، زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي معاوية: انكم تلعنون الله و رسوله علي منابركم، و ذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب و من أحبه. و أنا أشهد أن الله أحبه و رسوله. فلم يلتفت الي كلامها) [7] .

هل يستسلمون لهذا الرجل القوي الزاهد في كل عرض الدنيا و الذي كان (اذا دخل بيت المال و نظر الي ما فيه من الذهب و الفضة، قال: ابيضي و اصفري و غري غيري. اني من الله بكل خير) [8] و الذي (لم يبن آجرة علي آجرة و لا لبنة علي لبنة، و لا قصبة علي قصبة، و ان كان ليؤتي بحوب من المدينة في جراب، و قبل أنه أخرج سيفا له الي السوق، فباعه، و قال: لو كان عندي أربعة دراهم ثمن ازار لم أبعه، و كان يختم علي الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يأكل منه و يقول: لا أحب أن يدخل بطني الا ما أعلم) [9] .


پاورقي

[1] العقد الفريد ص 69 - 67.

[2] المصدر السابق.

[3] مروج الذهب ص 29.

[4] و قد نقل ابن خلدون عن المسعودي قوله: (في أيام عثمان اقتني الصحابة الضياع و المال فکان له يوم قتل عند خازنه خمسون و مائة ألف دينار و ألف ألف درهم و قيمة ضياعه بوادي القري و حنين و غيرهما مائتا ألف دينار و خلف ابلا و خيلا کثيرة. و بلغ الثمن الواحد من متروک الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار و خلف ألف فرس و ألف أمة، و کانت غلة من العراق ألف دينار کل يوم، و من ناحية السراة أکثر من ذلک و کان علي مربط عبدالرحمن بن عوف ألف فرس و له ألف بعير و عشرة آلاف من الغنم و بلغ الربع من متروکه بعد وفاته أربعة و ثمانين ألفا و خلف زيد بن ثابت من الفضة و الذهب ما کان يکسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال و الضياع بمائة ألف دينار و بني الزبير داره بالبصرة و کذلک بني بمصر و الکوفة و الاسکندرية و کذلک بني طلحة داره بالکوفة و شيد داره بالمدينة و بناها بالجص و الآجر و الساج و بني سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق و رفع سمکها و أوسع فضاءها و جعل علي أعلاها شرفات و بني المقداد داره بالمدينة و جعلها مجصصة الظاهر و الباطن. و خلف علي بن منبه خمسين ألف دينار و عقارا و غير ذلک ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم. مقدمة ابن خلدون 266.

[5] العقد الفريد ج 5 - ص 3.

[6] نفس المصدر ص 59.

[7] نفس المصدر ص 108.

[8] نفس المصدر ص 59.

[9] الکامل في التاريخ - 266.