بازگشت

سلوك المعصوم الاستقامة التامة


ان فهم شخصية الامام علي عليه السلام، و قبل ذلك شخصية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه و شخصيات الأئمة عليهم السلام. يحتاج الي عقلية تمتلك تصورا اسلاميا واضحا، غير مشوش و لا مضطرب. و كما سبق أن قلت في الفصل الأول من هذا الكتاب، اننا ينبغي أن لا ننظر الي هذه الشخصية الفريدة، من خلال نظراتنا الي الشخصيات البشرية العادية غير الكاملة، و التي نشكل نحن جزءا منها، و التي قد تتعايش و تنسجم مع النظرات الأرضية البحتة و ربما المتدنية، اذا ما رأت أن مصالحها تكمن في ذلك، و قد تبرر بعض سلوكها و فعالياتها علي أساس الخروج الموقف عن المبادي ء لاقتضاء المصلحة و السياسة!.

اننا قد نساوم، و قد نهادن و قد ننحرف أو ننجرف بمختلف الحجج أو الذرائع، لأننا - كبشر - معرضون للضعف و عدم القدرة الدائمية علي الصمود أمام كل المغريات و المباهج و المواجهات الحياتية المختلفة، غير أن المعصوم الذي لا يري


شيئا الا و يري الله معه و قبله و بعده و فيه - كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام واصفا نفسه - لا يري أي مجال لمساومة أو تنازل أو خروج و لو بسيط عن أي مبدأ أساسي من مبادي الاسلام أو حتي عن أي شكل مظهري من أشكال ممارساته.

ان الأساليب و (الحيل) البشرية و الممارسات التي قد نلجأ اليها أحيانا بحجة الوصول الي غاية سامية شريفة...! أو للتخلص من شر أو خطر محتمل، لا تخطر ببال المعصوم، و لا حتي من يجعل من الاسلام هدفه الأخير و يحكمه في كل جوانب حياته، ان هدف المعصوم هو تكريس المبادي ء الاسلامية في النفوس، و تكريس التعامل علي أساس هذه الأهداف فقط، فكيف يخرج هو عنها بحجة الدعوة اليها، و كيف يتمكن من دعوتنا الي عدم الخروج عنها أيضا تحت أي ظرف اذا ما فعل هو ذلك؟

و هكذا وجد من دعا أميرالمؤمنين عليه السلام الي اقرار معاوية واليا علي الشام من قبله و اقرار بعض الولاة الآخرين الذين عينهم عثمان، الي أن تستتب له الأمور و يتغلب علي الصعوبات التي وضعها أعداء الاسلام في وجهه... وجد في رفض الامام القاطع لهذا الأمر شيئا محيرا... فقد (قال المغيرة بن شعبة لعلي عليه السلام: أقرر معاوية و ابن عامر و عمال عثمان علي أعمالهم حتي تأتيك بيعتهم و يسكن الناس، ثم اعزل من شئت، فأجابه علي عليه السلام و قال: لا أداهن في ديني و لا أعطي في الدنية أمري) [1] .

(و قال المغيرة لعلي عليه السلام: فان كنت أبيت علي فانزع من شئت و اترك معاوية فانه في معاوية جرأة، و هو في أهل الشام يستمع منه و لك حجة في اثباته؛ كان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام... فقال له: لا و الله، لا أستعمل معاوية يومين) [2] .

و قال ابن عباس للامام عليه السلام في تحليل قول المغيرة و ترجيحه اقرار معاوية علي الولاية من قبل الامام عليه السلام لمدة من الزمن، يعزله بعدها متي استتبت له الأمور (لأن معاوية و أصحابه أهل دنيا، فمتي ثبتهم، لا يبالون من ولي هذا الأمر، و متي تعزلهم، يقولون: أخذ هذا الأمر بغير شوري، و هو قتل صاحبنا، و يؤلبون عليك، فتنقض عليك الشام و أهل العراق، مع أني لا آمن طلحة و الزبير أن يكرا عليك، و أنا


أشير عليك أن تثبت معاوية، فان بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله. و قال علي عليه السلام و الله لا أعطيه الا السيف.) [3] فقال له ابن عباس، يستحثه علي اقرار معاوية و من كانوا ولاة لعثمان (... أنت رجل شجاع، لست صاحب رأي في الحرب، أما سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: الحرب خدعة؟ فقال: بلي، فقلت (و القول لابن عباس): أما و الله لئن أطعتني لأصدرنهم بعد ورد و لأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك، و لا اثم لك. فقال: يابن عباس لست من هناتك و لا من هنات معاوية في شي ء...) [4] ان له تفكيرا خاصا، يختلف عن تفكير غيره، تفكيرا، لا يسع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه - لو كان حيا - الا الأخذ به، لأنه يمثل استقامة الاسلام... انه لا يأخذ الأمور و كأنها نزاع بحت علي كرسي السلطة، و لا تهم الأساليب المتبعة مهما كانت... الأسلوب لا ينفصل عن الغاية عند الامام، و لا يبرر نبل الغاية و ضاعة الأساليب و انحطاطها. لقد قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم له في مناسبة سابقة: (يا علي ما عرف الله الا أنا و أنت، و ما عرفني الا الله و أنت، و ما عرفك الا الله و أنا..)... انهما ينسجمان و يتقاربان في مسيرتهما الموحدة علي الدرب الالهية الواضحة المستقيمة، و من هنا كان عدم تناقضهما و فهمهما المشترك الموحد للحقيقة الالهية و للرسالة السامية. لذلك فان الامام يجسم الأمر، و يواجه ابن عباس كما واجه المغيرة وغيره ممن دعوه الي المساومة بقوله (تشير علي و أري، فاذا عصيتك فأطعني) [5] و لم ييأس ابن عباس فعاد يشير علي الامام عليه السلام: (... اكتب الي معاوية فمنه وعده، فقال: لا و الله لا كان هذا أبدا..) [6] فلم يكن الامام يعوزه القول الفصل أو الرأي المصيب (كان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة و لا أبوحسن لها) [7] .


پاورقي

[1] ابن الأثير - الکامل في التاريخ م 3 ص 87 - 86.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق ص 87.

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] البداية و النهاية ج 7 ص 373.