بازگشت

عصمة الرسول ضمانة لوصول الرسالة كاملة


ليس الحديث عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالأمر الهين اليسير، الذي يقدر عليه شخص واحد، و لن يتاح لدراس يدرس جوانب شخصية، أن يفهمه بمعزل عن الاسلام، فما لم يمتلك الدراس فهما صحيحا للاسلام و ما لم يحمل تصورا اسلاميا واضحا، و ما لم يتخل عن أية نظرة مسبقة متحيزة، فلن يتاح له أن يفهم هذه الشخصية الكبيرة، مثلما أنه لا يتاح تناول شخصية الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم نفسه بمعزل عن هذا التصور.

فالرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، عرض الاسلام عرضا عمليا سلوكيا، بأقواله و فعله و اقراراته، و وضعه علي ساحة الحياة بشكل يتيح لكل امري ء الأخذ عند و الاقتداء به، و لا يختلف اثنان علي سلامة مواقف الرسول و عصمته صلي الله عليه و آله و سلم و حصانته من التصرفات البشرية الأرضية المتدنية. اذ أن أي شك بذلك يعني أن الشاك اما أنه لم يقرأ كتاب الله العزيز و شهادته الحاسمة الواضحة بخصوص رسوله الكريم و عصمته من كل نوازع الهوي و التصرفات البشرية القابلة للانحراف و الخطأ، و ما أخبر به هو نفسه عن الله سبحانه و تعالي بهذا الخصوص و ما دل عليه سلوكه و سيرته طيلة عمره الشريف صلي الله عليه و آله و سلم، و اما أن هذا الشاك يكابر بخصوص هذا الأمر، و لا يعترف بعصمة أي امري ء، حتي و لو كان هو الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و لو كان المخبر هو الله صلي الله عليه و آله و سلم، لا لشي ء الا أنه يري أن بقية البشر لا يتمتعون بهذه العصمة التي يتحدث عنها الله سبحانه و تعالي و خص بها رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و أولياءه عليهم السلام، و في هذا الخروج سافر عن الاسلام نفسه، لأن من شأن الناس أن لا تطمئن علي سلامة الرسالة و وصولها كاملة، ما لم تطمئن لأمانة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و قدراته الخاصة غير العادية التي حفظته من كل ما يمكن أن يهبط بالانسان العادي الذي يتعرض للسهو و النسيان و الخطأ و الطمع و الغضب و كافة الأهواء و النزعات الأرضية المتدنية، اذ كيف يمكن من الناحية العلمية أن نقبل دون


تحفظ كل ما ينقله صلي الله عليه و آله و سلم الينا عن الله، و كيف نضمن عدم اندفاعه وراء ميل أو هوي أو سورة من غضب أو حماس، و نتلقي منه المنهج الالهي الكامل الذي ينظم حياة مئات الملايين من البشر علي مر السنين، ما لم نكن واثقين - و بأدلة مدعمة من العليم الخبير، بعصمة هذا الرسول الذي حمل أكمل الرسالات السماوية و خاتمتها؟ و رغم أن بعض المنافقين و أعداء الرسالة الاسلامية، حاولوا منذ البداية الطعن في هذه الشخصية الكريمة التي تحمل و تشارك القرآن في عرض هذا الدين عرضا واقعيا جميلا، فقد خرست أصوات هؤلاء عندما جاء التأكيد الالهي الجازم البين علي عصمته، و لم تعد ترتفع الا أصوات المنافقين و المعاندين الجدد، أما من أسلم، و تيقن بصدق الرسالة و صحة نبوة الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، فليس يداخل نفسه أي شك بهذه العصمة التي استلزمها طبيعة هذه الرسالة الالهية التي حملها، و حملها رسل من التامة بالله و شعورهم العالي بالمسؤولية تجاهه، كاف لجعلهم من أصلب الثوار علي الساحة التاريخية، يقفون في وجه كل الفراعنة و الطواغيت علي مر التاريخ، دون تردد أو وجل، بينما انهزم ثوار الساحات الأرضية في مراحل كثيرة من مراحل الصراع التي شهدتها هذه الأرض. اذ أن الشعور بالمسؤولية، مسؤولية حمل الرسالة و نقلها و تطبيقها، و الذي يتجسد في كيانهم و عواطفهم و مشاعرهم و أفكارهم، بحيث لا يرون أمامهم الا من أرسلهم بهذه الرسالة، و وحده فقط، و يرون كل الطواغيت تتضاءل أمام هذا الخالق الجبار، الذي لا يرون سواه في كل لحظة من لحظات حياتهم، و يجعلهم معصومين عن أي انحراف أو زلل... [1] .


پاورقي

[1] راجع بالتفصيل المدرسة القرآنية ص 187 و ما بعدها.