بازگشت

الانحراف في الجانب السياسي هل كان مقطوعا عن المنهج العام للانحراف


اننا ينبغي أن لا نخاف أو نخجل الي هذه الدرجة الكبيرة، و نحن نستعرض (أخطاءنا) و (هفواتنا) علي مر التاريخ، اننا اذا ما استعرضناها، و درسنا الأسباب الكامنة وراءها، أصبح بمقدورنا التوصل الي علاج الحالات الراهنة المشابهة لتلك الأولي التي أصبحت بنظر الكثيرين - لأن ذلك في صالحهم - (سنة) طبيعية (شرعية) مقبولة، طالما أنها صدرت عن (خلفاء) (شرعيين) مقبولين من جماهير المسلمين...! و قد اعتدنا ذلك و تطبعنا عليه حتي حسبناه أمرا طبيعيا، و حتي أن صورته (تحجرت) في أذهاننا و بدت أنها الصورة الطبيعية الوحيدة المقبولة.


ان أعداء الاسلام، عندما ركزوا علي (تجريد التاريخ الاسلامي من محتواه الشامل، و حصره في النزاعات السياسية) [1] وجدوا في هذه (النزاعات) مادة خصبة، اذ وجدوا أن اهتمامنا نحن بتلك النزاعات القديمة يتصاعد و ينمو، كأننا نعيش الآن في غمرة تلك النزاعات، و أننا ننحاز بشكل متعصب الي هذا الطرف أو ذاك، مع أن أولئك الأوائل، أو أن قسما منهم قد عالجوا خلافاتهم بالطرق المناسبة التي رأوها، و بقينا نحن، كأننا ورثتهم المباشرون و القيمون عليهم، نبدي حرصنا عليهم و علي الدين أكثر من (حرص) أولئك المتنافسين الأولين...!!.

لقد وجد أعداؤنا من المستشرقين و غيرهم، اهتمامنا بمواضيع الخلاف هذه كبيرا، فعلموا علي أن يكون أكبر، و وجدوا اختلافنا بمسائل الرأي و النظر كبيرا أيضا، فحاولوا أن لا يجعلوا منه مجرد اختلاف في الرأي، بل خصومة و تناحر و عداوة مستمرة.

و أحري بنا أن نتنبه - نحن - الي ذلك، و لا نترك الأمر لهؤلاء الأعداء الغرباء و تابعيهم الحائرين، لكي ينبهونا علي طريقتهم الخاصة، تلك الطريقة الماكرة الخبيثة الموظفة لتحقيق مصالحهم علي المديين القريب و البعيد علي السواء.

ان الخطر لا يمكن في تقسيم التاريخ الاسلامي بحسب الأمر الحاكمة؛ و لم يأتنا عندما قمنا بكتابة التاريخ، كما يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه القيم [2] ، بل أن سببه هم (صانعو التاريخ) أنفسهم، الذين أرادوا لأسرهم أن تظل هي الأسر الحاكمة من بعدهم، فلا ينقطع مجدهم و عزهم الذي بنوه بمجرد موتهم. و يجب أن نحدد: لماذا يتسامح معظم المؤرخين في عرض بعض الأمور، بالشكل الصحيح الذي تمليه عليهم طبيعة الوقائع و الحقائق؟ هل سبب هذه التغطية علي الانحرافات التي وقعت هو الميول المسبقة الي جانب بعض فئات هؤلاء الحكام؟ هل هو بحجة الحفاظ علي وحدة المسلمين و لعدم افساح المجال لمزيد من الخلافات بينهم؟ (و كيف بهم اذا نشبت هذه الخلافات فيما بعد لنفس الأسباب التي يسكتون عنها الآن؟) هل هو لاسترضاء فئات معينة لاتري في عمل أولئك السابقين أي خطأ أو انحراف...؟ و الذين ربما ينهجون نهجهم و يتجاوزون بانحرافهم انحراف أولئك


السابقين...؟ و الا ألم يكن الحكم في مراحل كثيرة من العصور الاسلامية، حكم بيوتات و عوائل فعلا، كرس فيه الآباء الحكم لأبنائهم من بعدهم و لأحفادهم و عوائلهم...؟ لماذا لا نتحدث بشكل واضح صريح و نخشي من كشف كل الحقائق و وضع كل النقاط علي كل الحروف؟ هل - فقط - لكي يشمت الأعداء بنا، و يسلطوا الأضواء علي أخطائنا و يجسموا و يعظموا هذه الأخطاء فيما بعد؟ لو استعرضنا نحن بأنفسنا - و دون معونة من أحد - تلك الأخطاء، ألا نكون أول المستفيدين، اذا ما شخصنا أسبابها و نتائجها و عملنا علي دراستها و تمحيصها و غربلتها بجد و عناية؟ لماذا نجعل أول شي ء نفكر فيه هو شماتة الأعداء و الحساد.. مع أن هؤلاء أخذوا يشمتون بنا منذ زمن بعيد..؟ لماذا لا نقطع ألسنتهم بتشخيص عللنا و أمراضنا و نعالجها بأنفسنا و نجد لدينا القدرة و الشجاعة ما يمكننا من مواجهتها و تحديثها و التغلب عليها؟.


پاورقي

[1] کيف نکتب التاريخ ص 15.

[2] المصدر السابق ص 16.