بازگشت

مصلحة الأمة بين طبيعة الملك و طبيعة الاستخلاف الالهي


و اذ أنهم قد نجحوا بابعاد (دينهم) المحرف أصلا، عن مسائل الحياة و الدولة، و أرادوا ابعاد ديننا الحق - بنفس الحجج و الأساليب التي تذرعوا بها و لجأوا اليها لابعاد دينهم - الذي جرد من كل محتوي عملي و أصبح لا يصلح لقيادة الحياة فعلا. فان علي أبسطنا و أقلنا معرفة أن ينتبه لذلك، و يعرف أننا اذا ما أقدمنا علي محاولة وضع ديننا علي الرفوف ليكون مجرد طقوس و شعائر، و ابعدناه عن حياتنا و واقعنا، فنكون قد خرجنا عن هذا الدين أصلا. ان (السياسة) ينبغي أن لا تفهم من قبلنا، كما فهمها غيرنا، بأنها من الحيلة و الخداع و الغدر و المماطلة، قد تكون السياسة فن استشراف المستقبل و قراءته، علي


ضوء الأحداث الراهنة و الخبرات السابقة، و قد تكون حسن النظر و التدبر بأمور الناس من قبل ولاتهم و حكامهم. أما أن تعني الحيلة و الخداع و الغدر و الكذب، فهذه أمور تؤهلها المسميات أخري. و من التجني علي ديننا أن ننسب اليه مثل هذه الأمور أو نلصق به بعضها بحجة الضرورات السياسية، فهو دين مستقيم قوي ليس بحاجة الي أي لون من المناورات الباطلة أو الكذب أو الغش و المكر.

كيف يمكن أن نفسر عدم قبولنا انحرافا بسيطا من انسان عادي بسيط ينتسب للاسلام، مع أنه قد لا يتحمل أية مسؤولية (سياسية) أو قيادية في الدولة أو المجتمع، و لا نسكت عنه و ننبهه - الي حد التقريع - ان أخطأ أو انحرف، و نسكت عن (خليفة المسلمين) و (أميرالمؤمنين) و نقول عنه: ان كل خطئه أنه انحرف في المجال السياسي وحده لا غير، و كان غرضه من ذلك تثبيت عرشه، و ربما كان لا يريد الا تحقيق مصالح المسلمين! أما في بقية الأمور، فهو مثل الآخرين، و مثلنا نحن الآن، الذين تشابكت علينا المفاهيم و تشابهت و لم نعد نري الاسلام في أذهاننا و قلوبنا الا من خلال نظرات حكامنا، و الا من خلال الغبش و الضباب و الغبار المتصاعد و المثار من قبل أولئك (المشوشين) الذين يحاولون دائما أن يفلسفوا و يبرروا سلوك من بدأوا الانحراف عن الاسلام، و في مقدمتهم السلالة الأموية علي امتداد تاريخها، و من تبعها و تشبه بها، و رأي في سلوكها (السياسي) و غيره، الخط (الشرعي) الصحيح، الذي ينبغي عليهم السير وفقه، طالما أن جمهرة كبيرة من علماء المسلمين و كتابهم و مفكريهم قد ارتضته و قبلت به و بررته بمختلف الذرائع و الحجج المفتعلة. [1] .

و لا يزال بيننا لحد الآن من يري أن الدولة النموذجية المثالية هي التي أقامها آل أمية في الشام و منذ بداية عهد معاوية، و لا يزال يوجد من يحاول أن يتشبه بهم و يسير علي نفس خطاهم، معتمدا نفس الأسس و المبررات التي أقيمت عليها تلك الدولة


و نفس السياسات و الأساليب المتعسفة التي لجأ اليها معاوية و يزيد و عبدالملك و الرشيد و غيرهم لتثبيت الملك. (اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد و استئثار الواحد به و لم يكن لمعاوية أن يدفع عن نفسه و قومه فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها و استشعرته بنوأمية) [2] و لا شك أنهم لا يزالون يجدون بيننا من يضفون شرعية تاريخية و دينية علي تصرفاتهم و يسكتون عن بعض انحرافاتهم السياسية! كما زعموها، كما سكتوا عن بعض الانحرافات السياسية لأولئك الذين سبقوا، معللين بأن الغرض من ذلك هو المحافظة علي وحدة المسلمين و منع المرج، الي غير ذلك من المبررات.

و لا شك أن هؤلاء الحكام يجدون في هؤلاء المنظرين المتساهلين الهينين اللينين علي مر العصور، سندا و صوتا اعلاميا مؤثرا، يسكت كل صوت آخر يدعو الي كلمة الحق و اتباعها. فلا عجب أن نري تلك الازدواجية الكبيرة التي تطبع تصرفات و أقوال بعض الكتاب الاسلاميين (و العجيب في الأمر أنهم واعون بشكل مدهش)، أمثال كاتبنا الكبير (محمد قطب)، الذين يدعون الي تحكيم الدين في الحياة، و هو ما تكشف عنه مؤلفاتهم، ثم هم يسكتون سكوتا مقصودا فاضحا عن أهم الانحرافات التي حدثت و تحدث مثيلاتها الآن عبر مسيرة التاريخ الاسلامي، مبررين سكوتهم و تسامحهم بأن الانحراف لم يحدث الا في الجانب السياسي لا غير، و كأن هذا الجانب هو الوحيد الذي يستطاع الخروج فيه عن أحكام الاسلام و قيمه و مناهجه.


پاورقي

[1] فهذا ابن خلدون يحذر من الظن بمعاوية أنه عرف من أمر يزيد ما عرف ثم ولاه (... فاياک أن تظن بمعاوية رضي الله عنه أنه علم ذلک من يزيد، فانه أعدل من ذلک و أفضل، بل کان يعذله أيام حياته في سماع الغناء و ينهاه عنه...) مع أن ابن خلدون يعترف... (.. و أما أن يکون القصد بالعهد حفظ التراث علي الأبناء فليس من المقاصد الدينية اذ هو أمر من الله يخص به من يشاء من عباده ينبغي أن تحسن فيه النية ما أمکن خوفا من العبث بالمناصب الدينية و الملک لله يؤتيه من يشاء). مقدمة ابن خلدون ص 234.

[2] المصدر السابق ص 227.