بازگشت

لن يتم التقارب الا علي أساس الحقائق


ان وصف كل دعوة للتقارب و توضيح الأمور علي أساس من الحقيقة و معرفة الأسباب و الظروف القائمة وراء الأحداث بأنها اما من بنات أفكار المستشرقين أو الشيعة الحاقدين و لا شك أمر يدعو للعجب حقا، فمن هم هؤلاء الشيعة الذين لا يريدون التقارب أساسا و الذين يحقدون علي بقية المسلمين، و من أي مذهب؟ هذا أمر لم يتضح الي الآن و يحتاج الي مزيد من البيان.

و لماذا نجعل الأمر أمر خلاف أبدي بين فريقين من المسلمين، أهل الشيعة و أهل السنة فقط، و هل أهل الشيعة (و من ضم اليهم) أهل مذهب واحد؟ و هل أهل السنة أهل مذهب واحد أيضا؟ ألا يحتمل أن يندس بين هؤلاء و هؤلاء أناس غرباء عن الطرفين و عن الاسلام كله؟ و عندما تم هذا التصنيف الي من أضفنا معاوية؟ هل الي أهل السنة! هكذا، لأنه لم يكن من أهل الشيعة؟ أم أن له يا تري شأنا آخر؟ هل معاوية كأبي بكر أو عمر؟ هل يستطيع أحد أن يقول أنه كان معهم علي خط واحد؟

ان مسألة الشيعة هذه ينبغي النظر اليها مجددا، و تشخيص من هم الشيعة أولا، أي الذين يشكلون ثقلا كبيرا و نسبة كبيرة من هذه الفئة الاسلامية، هل هم كل الذين ادعوا الولاء لهذا أو لذاك من سلالة آل البيت عليهم السلام، أم هم من تبنوا الموقف الامامي الجعفري الاثني عشري، أم هم من ألصقوا ظلما و زورا و ألحقوا بالشيعة أو ألحقوا الشيعة بهم كعبد الله ابن سبأ، تلك الشخصية الخيالية الخرافية مثلا؟ (و التاريخ أمانة، و شهادة تؤدي الله، لا يؤثر علي أدائها حب أو كره (يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجر منكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي و اتقوا الله ان الله خبير بما تعملون) [1] و لنفترض جدلا أن ما نسب الي المنحرفين في المجال السياسي صحيح... و لم تدخل فيه المبالغات الناشئة عن


الصدامات الحزبية و المذهبية التي يشنع فيها كل فريق علي خصمه بما يشاء، و لا المبالغات الروائية التي جعلت من هارون الرشيد، الذي كان يحج عاما و يغزو عاما - بطلا من أبطال ألف ليلة و ليلة... فخلاصة الأمر أن نسلم جدلا أن التاريخ السياسي للمسلمين كان خطأ أسود! و ليكن كذلك، و لكنه خط أسود في صفحة يغلب عليها البياض! فاذا أنت غطيت علي بياض الصفحة كله، و أبرزت الخط الأسود وحده، أتكون قد قلت الحقيقة؟ أتكون قد أعطيت صورة صحيحة لهذا التاريخ؟) [2] .

انه لأمر يثير الدهشة أن يصدر هذا الرأي عن كاتب اسلامي قدير، يري و يدعو دائما لتحكيم الاسلام في كل أمور الحياة، و يري أن قيادته لها تمتلك كل مقومات التكامل و القوة. و ان علينا أن لا نهمل أي جانب من رسالة الاسلام مهما بدا للبعض بسيطا أو قليل الأهمية، عجيب أن يصدر هذا الرأي المخالف عن كاتب يتبني أمور الاسلام و يتحمس لها و يدعو للأخذ بها - في كل كتبه و محاضراته - و هو رأي غريب مخالف للاسلام و نظريته في الحكم و الحياة يحمل نفس التصور و العقلية التي يحملها الكتاب الغريبون عن الاسلام، بل الرافضون له، و الذين يرون في فصل الدين عن السياسة و عن أمور الدولة كلها، هو الاجراء الأصوب و الصحيح للحفاظ علي الدين و الدولة كليهما! و هذا ما تتبناه كل المناهج الغريبة المسيحية (و كاتبنا هو من أهم الذين لفتوا نظرنا الي هذه الحقائق).


پاورقي

[1] المائدة: 8.

[2] کيف نکتب التاريخ ص 14.