بازگشت

لندرس تاريخننا بأدواتنا و لغتنا حذار من الآراء الغريبة


ان المسألة التي ينبغي أن نلتفت اليها هي ملاحظة أن نقوم نحن المسلمين بالتحري عن سلامة و صحة وقائع تاريخنا الاسلامي، و عرض مفرداته و وقائعه و حتي حوادثه الصغيرة، علي أجيالنا بشكل منصف متزن، و لا نترك للغرباء من المستشرقين الذين لا يمتون الي الاسلام بصلة بل هم من أعدائه، و تلامذتهم و اتباعهم المبهورين بهم و المتأثرين بعلميتهم و موضوعيتهم و واقعيتهم! أن يخوضوا كيفما شاءوا في أمورنا و في تاريخنا و حتي في خصوصياتنا، ليتلقي منهم أبناؤنا بدل أن يتلقوا منا و نلتفت الي نقطة أخري مهمة و هي اذا كان هؤلاء الغرباء أو بعضهم قد انحاز الي جهة معينة، ربما نكون قد انحزنا لها نحن أيضا، فان ذلك ينبغي أن لا يشعرنا بالسعادة، اذ أن انحيازهم لجهة مسلمة علي حساب جهة مسلمة أخري لا يمكن أن يستهدف مصلحة الاسلام علي الاطلاق؛ و لابد أنه - علي العكس من ذلك - يستهدف توسيع شقة الخلاف بين الفئات و المذاهب الاسلامية المختلفة، التي تمتلك من الأسباب و الروابط التي تجمع بينها أكثر من تلك التي كانت سببا لفرقتها و اختلافها، و ربما كانت مسائل (الخلاف) ليست من المسائل المهمة التي تستدعي القطيعة و البغضاء، و ما عمل أولئك (الباحثين) من المستشرقين و تلامذتهم و اتباعهم المغرر بهم أو السائرين وراءهم عن عمد الا لتأكيد تلك المسائل، و تغذية نار العداوة و البغضاء من خلال عرضها بشكل مشوش مرتبك يثير كوامن الغيض و عوامل الكره.

اننا ينبغي أن لا نعتقد أن أولئك الأغراب، و جلهم من المعادين لمسيرة الاسلام يريدون (بموضوعيتهم و علميتهم و حيادهم و واقعيتهم)! تقويم مسيرة تاريخنا الاسلامي تقويما صحيحا، لغرض كشف حقائقه و وقائعه هكذا فقط لوجه الله و حبا في الحقيقة و العلم، فلابد أن وراءهم أهدافا غير معلنة، و ربما معلنة أحيانا، و هي نفس أهداف أسلافهم الصليبيين، و ان اختلفت الأساليب و الوسائل و الصيغ، فبينما كان هجوم أولئك الأسلاف، يتم بصورة مباشرة، حربا دموية مدمرة، علي المسلمين، و حملات مضللة مسعورة لتشويه تاريخهم و شخصياتهم و في المقدمة شخصية الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم بشكل فج مفضوح، يتم هذا الجهوم الآن بشكل مبطن ماكر خبيث، لا


تعلن فيه النوايا و الأهداف صراحة، و يبتعد عن الأساليب المباشرة القديمة التي فات وقتها الآن، و التي لم تعد تنقع أمام وعي الناس و يقظتهم.

ان شحذ القلم هنا، ليقوم بمهمة السيف و القلم علي السواء، هو الذي يحسب أعداء الاسلام أنه يسهل مهمة شن الحرب علي الاسلام و تخريبه، بعد تخريب نفوس أبنائه، و هي مهمة لن يظن ذو عقل أنهم سيتخلون عنها في يوم من الأيام، خصوصا بعد اتساع مصالحهم و مطامعهم لتمتد حتي الي الكنوز التي لم تستمثر أو تكتشف بعد في أعماق أرضنا، و التي لا نستأهلها في نظرهم حقا! و لابد لهم من الحصول عليها، و ترك فضلات صغيرة لنا منها، اضافة الي مئات الأغراض الجانبية التي لم يعلنوا عنها صراحة، و تكتمها أروقة أجهزتهم السرية و دوائرهم الخاصة، و لا يعتقد أن أحدا أن هؤلاء الأعداء يتخذون أسلوبا واحدا في حربهم معنا؛ فأساليبهم أكثر من أن تعد أو تحصي.

و صحيح أنهم، عندما يستعرضون تاريخنا بأساليبهم الماكرة المضللة، المقصودة و كلماتهم و تلويحاتهم المنتقاة بعناية فائقة، فانهم يحاولون، - و كأن الأمر يأتي عرضا - تنفير قارئيهم المسلمين و ابعادهم عن أسلافهم (صناع هذا التاريخ و شخصياته). و هذا يرتب علينا مسؤولية القيام بتمحيص هذا التاريخ بأنفسنا غير معتمدين علي آراء الغرباء و أدواتهم بشكل تام - و حتي بشكل جزئي في بعض الأحيان. و أن نشخص العلل و الأمراض و الأسقام، و كل مواطن الخلل و الضعف التي تلوح في ثنايا هذا التاريخ، و كل مواطن القوة و السمو و الارتفاع أيضا لنصل الي فهم واقعي استخلصناه نحن بأنفسنا و لم نتلقه عن غيرنا، لنكون قد أنصفنا من عاش قبلنا من الأسلاف، و أصبح (رمزا) و علما مؤثرا في حياتنا و مسيرتنا، سلبا أو ايجابا.