فلنستمع الي هذه (الأحاديث) المضحكة التي وضعت علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بخصوص معاوية، روي أكثرها ابن عساكر - غفر الله له - و ذكرها أبو الفداء الحافظ ابن كثير في كتابه - البداية و النهاية - مستغربا كيف صدرت عن ابن عساكر و لم يترو فيها عندما تحمل مسؤولية روايتها مع أن الكذب فيها واضح... (أتي جبريل الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا محمد أقري ء معاوية السلام و استوص به خيرا فانه أمين الله علي كتابه و وحيه و نعم الأمين) [1] .

(ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم استشار جبريل في استكتابه معاوية فقال: استكتبه فانه أمين) [2] .

(... لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلي الله عليه و آله و سلم دق الباب داق فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: انظروا من هذا، قالوا: معاوية. قال: ائذنوا له، فدخل و علي اذنه قلم يخط به، فقال: ما هذا القلم علي اذنك يا معاوية؟ قال: قلم أعددته لله و لرسوله. فقال له: جزاك الله عن نبيك خيرا. و الله ما استكتبتك الا بوحي من الله. و ما أفعل من صغيرة أو كبيرة الا بوحي من الله. كيف بك لو قمصك الله قميصا؟ - يعني الخلافة - فقامت أم حبيبة


فجلست بين يديه و قالت: يا رسول الله و ان الله مقمصه قميصا؟ قال: نعم، و لكن فيه هنات و هنات (أشياء) فقالت: يا رسول الله فادع له.. فقال: اللهم اهده بالهدي و جنبه الردي و اغفر له في الآخرة و الأولي...) [3] .

قال ابن كثير: (... و قد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة، و العجب أنه مع حفظه و اطلاعه كيف لا ينبه عليها و علي نكارتها و ضعف رجالها)

[4] .

كما تروي أحاديث مثل هذه عنه صلي الله عليه و آله و سلم بشأن معاوية:

(الأمناء ثلاثة. جبريل و أنا و معاوية) [5] .

(الأمناء سبعة: القلم و اللوح و اسرافيل و ميكائيل و جبرائيل و أنا و معاوية) [6] .

(اللهم علم معاوية الكتاب و الحساب وقه العذاب) [7] .

(اللهم اجعله هاديا مهديا و اهده و اهد به.) [8] .

(اللهم علمه العلم و اجعله هاديا مهديا و اهده و اهد به) [9] .

(اللهم علمه الكتاب و مكنه في البلاد وقه العذاب) [10] .

(اللهم اجعله هاديا مهديا و اهده) [11] .

حتي أن هذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة استفزت ابن كثير، و هو لم يكن ممن يعادون معاوية - حتي بدت المرارة و السخرية واضحة في كلامه حين قال متهكما (.. و قد عني ابن عساكر بهذا الحديث و أطنب و أطيب و أطرب و أجاد و أفاد و أحسن الانتقاد فرحمه الله كم له من موطن قد تبرز فيه علي غيره من الحفاظ...) [12] فكأنه بذلك يبكي ابن عساكر و صدق ابن عساكر و رواية ابن عساكر، و يترحم عليها و عليه، و يترحم علي الزمان الذي مات فيه الصدق و أصبح الناس لا يستحيون فيه من الكذب و الافتراء.

و لنستمع الي المزيد من الأحاديث و الروايات و القصص الملفقة علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و بعض بالصحابة و غيرهم أيضا.


(عن عمر بن الخطاب: لا تذكروا معاوية الا بخير، فاني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «اللهم اهد به») [13] .

(و عنه صلي الله عليه و آله و سلم: أحضروه أمركم و اشهدوه أمركم فانه قوي أمين. و زاد بعضهم: و حملوه أمركم) [14] .

(و قيل لابن عباس: هل لك في أميرالمؤمنين معاوية؟ ما أوتر الا بواحدة. قال: أصاب انه فقيه) [15] .

(قال له صلي الله عليه و آله و سلم: يا معاوية، ان وليت أمرا فاتق الله و اعدل. قال معاوية: فما زلت أظن أني سأبتلي العمل لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم حتي ابتليت.) [16] .

(و عن معاوية قال: صببت يوما علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وضوءه، فرفع رأسه الي فقال: أما أنك ستلي أمر أمتي بعدي، فاذا كان كذلك فاقبل من محسنهم و تجاوز عن مسيئهم. و قال: فما زلت أرجو حتي قمت مقامي هذا..) [17] .

(و قال معاوية: و الله ما حملني علي الخلافة الا قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان ملكت فأحسن) [18] .

و روي ابن عساكر عن عوف بن مالك الأشجعي قال: (بينما أنا راقد في كنيسة يوحنا، و هي يومئذ مسجد يصلي فيها، اذ انتبهت من نومي، فاذا أنا بأسد يمشي بين يدي، فوثبت الي سلاحي، فقال الأسد: مه، انما أرسلت اليك برسالة لتبلغها. قلت و من أرسلك؟ قال: الله أرسلني اليك لتبلغ معاوية السلام و تعلمه أنه من أهل الجنة. فقلت له: و من معاوية؟ قال: معاوية بن أبي سفيان..) [19] .

و قال معاوية - الذي أسلم عام الفتح مع الطلقاء (و لو لا هواي في يزيد لأبصرت رشدي) [20] .

و رووا عن ابن عباس أنه قال: (كنت ألعب مع الغلمان، فاذا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد جاء. فقلت ما جاء الا الي، فاختبأت علي باب، فجاءني فخطاني خطاة أو خطاتين، ثم قال: اذهب فادع لي معاوية. و كان يكتب الوحي، قال فذهبت اليه فدعوته له، فقيل: انه يأكل. فأتيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقلت: انه يأكل. فقال: اذهب فأدعه، فأتيته الثانية، فقيل: انه يأكل فأخبرته. فقال في الثالثة: لا أشبع الله بطنه. قال: فما شبع بعدها. و قد انتفع معاوية بهذه الدعوة، دنياه و آخرته، أما في دنياه، فانه لما صار الي


الشام أميرا، كان يأكل في اليوم سبع مرات. يجاء بقصعة فيها لحم كثير و بصل فيأكل منها، و يأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، و من الحلوي و الفاكهة شيئا كثيرا و يقول: و الله ما أشبع و انما أعيا. و هذه نعمة و معدة يرغب فيها كل الملوك، و أما في الآخرة فقد اتبع مسلم هذا الحديث، بالحديث الذي رواه البخاري و غيره من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «اللهم انما أنا بشر، فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه و ليس لذلك أهلا، فاجعل ذلك كفارة و قربة تقربه بها عندك يوم القيامة»...! فركب مسلم من الحديث الأول و هذا الحديث فضيلة لمعاوية و لم يورد له غير ذلك..) [21] .