بازگشت

الخلافة: امتداد لدور النبوة


لقد توصلنا في الفصل السابق الي أن منصب (الامامة) أو (الخلافة)، هو منصب الهي، و هو امتداد لدور النبوة، و مندمج معه، خلافة الانسان علي الأرض اقتضت أن تكون هذه الخلافة كما يريد هو - سبحانه - لا كما تزين للانسان نظرته الخاصة و طموحاته و تصوراته الأرضية البحتة. لذلك أرسل الي الأنبياء يبشرهم برسالاته، التي هي رسالة واحدة ممتدة في واقع الأمر، و ان لم تكن بالصورة الكاملة التي ظهرت بها في الاسلام، خاتم الديانات و المنهج الكامل للحياة علي امتداد الأزمان و الأمكنة.

ان الشعور بالمسؤولية لدي الرسل، و الذي عمقه علمهم التام بحقيقة الربوبية لابد أن يحمله من يحمل رسالتهم بعد اختفائهم من الساحة و موتهم، لابد أن ينتقل ذلك الأدراك العميق و العلم الأكيد الي صفوة يختارها هؤلاء الرسل، بعد أن يتوسموا فيها المؤهلات لقيادة الأمة و تسنم دور الامامة أو الخلافة بعدهم. وهكذا كان لكل نبي حواريون و صحابة يتلقون عنه، و يتمتعون بقدر عال من المسؤولية يحتمه عليهم ما يتمتعون به من ادراك عميق ولده الاتصال الحميم بحامل الرسالة و الفهم الواعي للرسالة.

ثم ان في المسألة تسديدا ربانيا يجعل من الوصي و الخليفة يقف عند حدود مسؤولياته تجاه خالقه علي وجه الخصومة، و يتحمل دوره بشكل دقيق لا يدعه يخرج خروجا و لو بسيطا عن الرسالة التي آمن بها و حملها، و الا فاذا كان معرضا للأخطاء و السقطات مثل غيره، و هو في هذا المنصب، فان احتمال تعريض الأمة الي أخطار بالغة، أمر وارد. فالامامة مكملة لدور النبوة المنقطع و المندمج بها، الا أن الامام ليس بنبي مع أن النبي امام بنفس الوقت.

و لم يكن اختيار الامام الوصي نابعا عن هوي شخصي أو ميل خاص لدي النبي صلي الله عليه و آله و سلم خص به ابن عمه عليه السلام دون سبب وجيه و دون تسديد الهي، و الا كان هذا النبي صلي الله عليه و آله و سلم - و حاشاه - مثل غيره من البشر غير معصوم عن فلتات الهوي و اللسان، و لما قرأنا الشهادة الالهية المبنية بحقه بأنه منزه و مسدد و لا ينطق الا عن وحي و مشيئة ربانية.

لقد أكدت لنا كتب الحديث و السيرة، كما أكدت لنا الوقائع كلها، ان الامامة كانت بوصية و عهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قبلها كانت بعهد عهده الله الي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.


و لو تتبعنا صحاح الأخبار و الأحاديث لوجدنا أن هذه حقيقة أكيدة، غير أن وصية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد أهملت - كما ذكرنا - و كما توصل الي ذلك كبار علماء المسلمين و مؤرخيهم و باحثيهم، و قبلها - حسم الامام عليه السلام نفسه تلك القضية بموقفه الواضح المتسامح الحريص علي الاسلام. و اذا فهل علينا أن نثور نحن اذ سكت الامام و نطالب بحق سكت هو عنه و نثير الضغائن و الأحقاد عن طريق المطالبة الآن بحقوقه المغتصبة، و نترك مشاكلنا الحالية، و ما نواجهه من أخطار خارجية حادة، قد تؤثر علي مصائرنا جميعا و تهدد وجودنا و كياننا الاسلامي الواحد؟ فهل يوجد من يدعي الحرص علي الاسلام و يثير الضغائن و الأحقاد و حزازات النفوس و الخلافات بخصوص أمور قد انتهت منذ عهد بعيد، و أعطي فيها القول الفصل و انتهي أمر النقاش فيها، و يقيم جدله علي غير الأسس الطبيعية الصحيحة عند تناول قضايانا التاريخية المهمة، بل كل قضية تهم هذه الأمة المسلمة؟ و اذا ما أثار المسألة من يعتقد بمظلومية الامام - الذي سكت هو عن حقه مع أنه أوضحه - لهان الخطب - فكيف اذا كان من يثيرها لا ينتسب الي الاسلام مكية، و يدعي الانتصار لأحد الفريقين بحجة تثبيت الحق لأهله، مع أن هؤلاء قد حكموا و انتهوا و ماتوا و وفدوا علي رب كريم عادل بيده الأمر و الحساب و كل شي ء. ان من يثير خلاف علي من سبقوه من الخلفاء ينبغي أن لا يكون بدافع اثارة خلاف جديد و ينبغي أن يتم بأسلوب علمي هادي ء لا يستند الا الي الوقائع و الحقائق، و يتم في معرض استعراض قضية اسلامية عامة، لابد من الرجوع فيها الي مسألة الخلافة لعرضها بأسلوب هادف مفيد.