بازگشت

المؤرخون بين السيرة الوضاءة لرسول الله والانحراف المعلن لمغتصبي السلطة


في غمرة (الاستسلام) لوقائع التاريخ، و تقبلها كأمر واقع، و التطبع معها، - كما هو الحال عند الاستسلام لبعض أشكال الواقع المعاش و تقبلها و التطبع معها أيضا كأمور واقعة و (حقيقية) معاشة، يبرر العديد من (المفكرين) و محترفي التاريخ! لكثير من الوقائع، و ينسون في غمرة التحيز و تبني الأفكار و (النظريات) المسبقة، العديد من الأمور المهمة التي أثرت في مجري التاريخ الاسلامي، و عملت علي هدم الاسلام و تقويضه و جلعه مجرد شعارات و لا فتات تجمل و تزين بها بعض واجهات العروش التي تحكم باسمه لكي ترضي جماهير الأمة الاسلامية التي قدر لها أن تظل مغلوبة و مخدوعة في أغلب الأحيان.

و أول ما ينساه هؤلاء المؤرخون هو السلوك المشين لبعض (الخلفاء) (و أمراء المؤمنين) و الملوك و الولاة، و الذي يتناقض تناقضا بينا مع أبسط المقومات و المعايير السلوكية الاسلامية المطلوبة من المسلم العادي المجرد من المسؤوليات الرسمية العليا، ناهيك من امري ء يتولي أمر المسلمين و يشخص أمامهم كقدوة أو مثل أعلي.

و الأمر الآخر الذي ينساه هؤلاء المؤرخون، و ربما يتناسونه عن عمد، هو: ان علي مدعي الخلافة و امرة المؤمنين و من يحكمون باسم الاسلام، مسؤوليات اضافية كبيرة، تتجاوز مسؤوليات الفرد العادي أيضا، يترتب عليها أنماط من التصرفات النموذجية، تأخذ عن الاسلام، و تعتمد القرآن و السنة و كل (أخلاقيات الاسلام) و مناهجه و ممارساته التعبدية العملية التي لا تكتفي بالطابع الكلامي المجرد و اداء بعض الشعائر و الطقوس، و انما تكيف الحياة بأكملها للتعامل وفق منهج الاسلام بأجمعه، و عدم نبذ أو ترك أي جانب منه تحت أية ذريعة أو حجة أو سبب يتأثر بهم


الآخرون من أبناء الأمة المسلمة و يتخذون منهم نموذجا واقعا ملاحظا للسلوك الاسلامي المطلوب، يسيرون عليه و هم يرونه أمامهم شاخصا علي ساحة الحياة.

و يتناسي العديدون منهم، في غمرة الأعجاب بالانجازات (الحضارية) لهؤلاء الخلفاء مظاهر سلوكهم الشخصية، التي ينبغي أن تكون مثالا للاسلام نفسه، ما داموا يحكمون باسمه و يدعون تمثيله و يحتجبون به لا ثبات شرعية حكمهم، كما يتناسون المظاهر العامة لسلوك الدولة ككل، و يتغاضون عن كل خرق كبير من هؤلاء و عن كل تجاوز فاضح معلن أمام الجميع، حتي أن عددا كبيرا من هؤلاء (الخلفاء) لم يكلفوا أنفسهم عناء (التستر) و اخفاء السلوك الفاضح الذي يصدر منهم أو من حاشيتهم، غير حاسبين أي حساب للاسلام أو المسلمين علي حد سواء. ان بعضهم، و قد ورث (الخلافة) عن أبيه و أجداده، و رآها حقا له و لورثته - فيما بعد - تناسي نهائيا في غمرة الزمن الطويل، الذي وجد أهله و نفسه فيه خلفاء مطاعين! ان هناك دينا يرتب عليه العديد من الالتزامات الحياتية، و أنه، أي (الخليفة)، مطالب أن لايبتعد عن مظاهر السلوك المنكرة و البعيدة عن منهج الاسلام و حسب، بل و أن يكون نموذجا جيدا للآخرين من (رعيته) و (محكوميه...)!

و في معرض الحديث عن تاريخ العديد من (الخلفاء)، يلتقط بعض المؤرخين أنفاسهم، مبهورين معجبين، من (لقطة) يظهر فيها أحد الخلفاء و هو يبكي بين يدي أحد الوعاظ، أو يوصي ابنه بايقاع حد الجلد علي نفسه، لأنه نظر الي جارية مغنية من جواري أبيه و غمز لها بعينيه فأخجلها، أو أنه خطب فحمد الله، أو صلي فأطال في صلاته، و كأن هذه (الغرائب) من السلوك، لم يتمتع بها الا هؤلاء الخلفاء الذين كلفوا أنفسهم هذه المشاق، فبكوا بين يدي وعاظ ذكروهم الموت، ثم نسوا المواعظ بين أحضان الجواري و كؤوس الخمر! أليس من حقهم أن ينسوا الدنيا و هموم الحياة و أن يتمتعوا كغيرهم! و كأن ما أباحوه لغيرهم مثل ما أباحوه لأنفسهم.

كما أن بعض المؤرخين، يلتقطون بعض (الومضات و اللفتات) الذهنية لبعض هؤلاء الخلفاء! و (حسن) تصرفهم في بعض المواقف و سرعة بديهتهم و خواطرهم و مظاهر نجابتهم و ذكائهم التي كانت غالبا ما تلوح منذ الصغر الي غير ذلك من الأمور، فيروحون يروجون المقولات و النظريات و يؤلفون الكتب المطولة، حول صلاحيتهم و مؤهلاتهم (هم فقط) للمناصب العليا، التي تقلدوها فعلا فيما بعد، و لم


يكن يصلح لها الا هم، و قد من الله علي الأمة و استجاب لها دعاءها - الذي دعت به حتما - و جعل منهم (خلفاء) له عليها.

و قبل أن ننقاش وقائع التاريخ الذي نحن بصدده، و قبل أن نطلب من (المفكرين) و المؤرخين الذين يتعاملون مع التاريخ الاسلامي و معطياته و أحداثه أن يعطونا مبررا لسكوتهم عن الخرق الفاضح لقواعد الاسلام و قيمه و مبادئه من قبل هؤلاء.