بازگشت

نظر اتباع أهل البيت الي الخلافة


أما كيف ينظر المسلمون الي المسألة، و خصوصا (الشيعة الجعفرية الامامية)، - و هم غير العديد من (الفرق) التي نسبت اليهم خطأ - و كيف فهموها، و هل نظروا


اليها نفس النظرة المبدئية التي نظر بها الامام عليه السلام، و هل وعوها كما وعاها، متأثرين به علي الأقل؟ لا بدافع (التقية) التي يصمهم بها البعض علي أنها ستار لاخفاء النوايا و المشاعر الحقيقية، و انها نوع من النفاق الناتج عن مخاوف أو أطماع أو محاذير معينة...! كيف نظروا الي تاريخ هذه المسألة الحساسة من قضايا التاريخ الاسلامي، و كيف تناولوها؟ هل راحوا يتباكون علي (الكرسي) الذي اغتصب؟ و هل راحوا يلعنون و يسبون من فعل ذلك كما يدعي عليهم..!؟ و هل صمتوا و نسوا هذا الحق في غمرة تسامحهم في هذا الأمر؟ كيف لا مري ء أن يعرف حقيقة مواقفهم فلا يشك فيها و في صدقها؟.

و هنا آثرت نقل ثلاثة نصوص كاملة لثلاثة مراجع من مراجع الشيعة و زعماء مرموقين مسموعي الكلمة، مطاعين بل و (مقلدين) من قبل جماهير واسعة منهم، لمعرفة رأيهم الواضح فيها.

و أول هؤلاء فهو الامام عبدالحسين شرف الدين الموسوي، كتب رأيه عام 1330 ه أي قبل أكثر من ثمانين عاما في مراجعاته مع سماحة المرحوم الشيخ سليم البشري - شيخ الجامع الأزهر، في وقت لم يكن فيه الوعي الاسلامي لدي فئات كبيرة من المسلمين قد بلغ ما بلغه اليوم من عمق و شمول، و كانت المواجهة مع القوي المعادية للاسلام لا تتسم بما تتسم به اليوم من وضوح و تجسد، بل كانت (خصومات) المسلمين تنصب فيما بينهم علي هذه القضية بالذات، و علي بعض الأمور الجانبية و الفرعية الأخري، و التي جعلوا من الخلاف فيها سببا لتناحر الشديد فيما بينهم و النيل من بعضهم.

و ثاني هؤلاء هو الامام المرحوم الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، فقد جاء رأيه قبل أكثر من ستين عاما 1350 ه في كتابه (أصل الشيعة و أصولها) المطبوع في النجف الأشرف).

أما ثالثهم فهو الامام الشهيد محمد باقر الصدر، الذي أوضح رأيه بخصوص هذه المسألة في آخر محاضرة له قبيل استشهاده علي يد جلاد العراق عام 1399 ه، و أمام مجموعة من كبار العلماء في الحوزة العلمية في النجف الأشرف نفسها.

و من الطبيعي أن هؤلاء المراجع الذين عبروا بوضوح عن رأي اخوانهم العلماء الآخرين لم يكونوا في وضع يخشون معه التعبير عن آرائهم بصراحة تامة، و ما قالوه لم يكن الا رأي الشيعة بأجمعهم، و هو نفس رأي الامام علي عليه السلام.


و تبني موقف الامام عليه السلام و رأيه، لابد أنه يمثل الطريق الأسلم و الأصح، لحل الاشكالات و الخلافات الخاصة بهذه القضية التي يقف فيها الكثيرون مواقف متجنية علي الامام نفسه و علي الآخرين بنفس الوقت، و هو أمر له جذوره و أسبابه المتحدرة من الموقف الأموي المصطنع، و المتشنج و المعادي للامام، و الذي يعلن الميل الظاهري لمن سبقه من الخلفاء - لا حبا بهم - بل من باب الكره للامام. كما أنها ناتجة عن التصديق بالدور الماكر الذي لعبه معاوية في هذه النقطة الحساسة و الوقوع في الفخ الذي نصبه و استدرج الجميع اليه ليسبب العداوة بين الجميع، حتي تنسي قضيته، و لا تعود الا كاحدي القضايا الكثيرة المطروحة علي الساحة، و كأنما كان (نزاعه) مع علي مجرد واحد من النزاعات الأخري المتكررة التي أثيرت معه عليه السلام.

فلنستمع الي رأي الامام المغفور له السيد عبدالحسين شرف الدين في المراجعة 52 في 15 محرم سنة 1330 ه (نحن نؤمن بفضائل أهل السوابق من المهاجرين و الأنصار كافة رضي الله عنهم و رضوا عنه، و فضائلهم لا تحصي و لا تستقصي، و حسبهم ما جاء في ذلك من آيات الكتاب و صحاح السنة، و قد تدبرناه فما وجدناه - كما يعلم الله عزوجل - معارضا لنصوص علي، و لا صالحا لمعارضة شي ء من سائر خصائصه. نعم، ينفرد خصومنا برواية أحاديث في الفضائل لم تثبت عندنا، فمعارضتهم ايانا بها مصادره لا تنتظر من غير مكابر متحكم، اذ لا يسعنا اعتبارها بوجه من الوجوه، مهما كانت معتبرة عند الخصم. ألا تري أنا لا نعارض خصومنا بما انفردنا بروايته، و لا يحتج عليهم الا بما جاء من طريقهم، كحديث الغدير و نحوه، علي أنا تتبعنا منا انفرد به القوم من أحاديث الفضائل فما وجدنا فيه شيئا من المعارضة، و لا فيه أي دلالة علي الخلافة، و لذلك لم يستند اليه - في خلافة الخلفاء الثلاثة - أحد) [1] .

و لنطالع هذه الفقرات للمرجع كاشف الغطاء عليه رحمة الله (ثم لما ارتحل الرسول من هذه الدار الي دار القرار، و رأي جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي عليه السلام، اما لصغر سنه، أو لأن قريشا كرهت أن تجتمع النبوة و الخلافة لبني هاشم، زعما منهم أن النبوة و الخلافة اليهم، يضعونها حيث شاءوا، أو لأمور أخري


لسنا بصدد البحث عنها، و لكنه باتفاق الفريقين امتنع أولا عن البيعة - بل في صحيح البخاري في باب غزوة خيبر - أنه لم يبايع الا بعد ستة أشهر و تبعه علي ذلك جماعة من عيون أصحابه كالزبير و عمار و المقداد و آخرين.

ثم لما رأي أن تخلفه يوجب فتقا في الاسلام لا يرتق و كسرا لا يجبر، و كل أحد يعلم أن عليا ما كان يطلب الخلافة رغبة في الأمر و لا حرصا علي الملك و الغلبة و الاثرة، و حديثه مع ابن عباس في ذي قار مشهور، و انما يريد تقوية الاسلام و توسيع نطاقه و مد رواقه و اقامة الحق و اماتة الباطل، و حين رأي أن المتخلفين، أعني الخليفة الأول و الثاني بذلا أقصي الجهد في نشر كلمة التوحيد، و تجهيز الجنود و توسيع الفتوح، و لم يستأثروا و لم يستبدوا، بل بايع و سالم و أغضي عما يراه حقا له، محافظا علي الاسلام أن تصدع وحدته، و تتفرق كلمته، و يعود الناس الي جاهليتهم، و بقي شيعته منضوين تحت جناحه و مستنيرين بمصباحه و لم يكن للشيعة و التشيع يومئذ مجال للظهور، لأن الاسلام كان يجري علي مناهجه القويمة...

ثم لا يذهبن عنك أنه ليس معني هذا أنا نريد أن ننكر ما لأولئك الخلفاء من الحسنات و بعض الخدمات للاسلام، التي لا يمجدها الأكابر، و لسنا بحمد الله من المكابرين و لا سبابين و لا شتامين بل ممن يشكر الحسنة و يغض عن السيئة و نقول (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم) [2] و حسابهم علي الله، فان عفا فبفضله، و ان عاقب فبعد له...

... و لكن كبار المسلمين بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم تأولوا تلك النصوص (الخاصة بحق علي في الخلافة) نظرا منهم لصالح الاسلام حسب اجتهادهم، فقدموا و أخروا و قالوا: الأمر يحدث بعده الأمر، و امتنع علي و جماعة من عظماء الصحابة عن البيعة أولا، ثم رأي امتناعه عن الموافقة و المسألة ضررا كبيرا علي الاسلام، بل ربما ينهار من أساسه و هو بعد في أول نشوئه و ترعوعه. و أنت تعلم أن الاسلام عند أميرالمؤمنين عليه السلام من العزة و الكرامة و الحرص عليه و الغيرة بالمقام الذي يضحي له بنفسه، و أنفس ما لديه، و كم قذف بنفسه في لهوات المنايا تضحية للاسلام. وزد علي ذلك أنه رأي الرجل الذي تخلف علي المسلمين قد نصح للاسلام و صار يبذل جهوده في قوته و اعزازه و بسط رايته علي البسيطة. و هذا أقصي ما يتوخاه أميرالمؤمنين من


الخلافة و الأمرة، فمن ذلك كله تابع و بايع حيث رأي أن بذلك مصلحة الاسلام و هو علي منصبه الالهي من الامامة و ان سلم لغيره التصرف و الرئاسة العامة فان ذلك المقام مما يمتنع التنازل عنه بحال من الأحوال) [3] .

و لنقرأ - أيضا - هذه الفقرات المطولة للشهيد الصدر رضوان الله عليه:

(.. حب الله هو الذي جعل عليا عليه الصلاة و السلام دائما يقف مواقف الشجاعة، مواقف البطولة، هذه الشجاعة، شجاعة علي عليه السلام ليست شجاعة السباع، ليست شجاعة الأسود و انما هي شجاعة الايمان و حب الله، لماذا؟ لأن هذه الشجاعة لم تكن فقط شجاعة البراز في ميدان الحرب، بل كانت أحيانا شجاعة الرفض، أحيانا شجاعة الصبر. علي بن أبي طالب ضرب المثل الأعلي في شجاعة المبارزة في ميدان الحرب، شد حزامه و هو ناهز الستين من عمره الشريف و هجم علي الخوارج وحده فقاتل أربعة آلاف انسان. هذه قمة الشجاعة في ميدان المبارزة، لأن حب الله أسكره، فلم يجعله يلتفت أن هؤلاء أربعة آلاف و هو واحد. و ضرب قمة الشجاعة في الصبر، في السكوت عن الحق حينما فرض عليه الاسلام أن يصبر عن حقه و هو في قمة شبابه، لم يكن في شيخوخته، و كان في قمة شبابه، كانت حرارة الشباب مل ء وجدانه و لكن الاسلام قال له اسكت، اصبر عن حقك حفاظا علي بيضة الدين، ما دام هؤلاء يتحملون حفظ الشعائر الظاهرية للاسلام و الدين... سكت ما دام هؤلاء كانوا يتحفظون علي الظواهر و الشعائر الظاهرية للاسلام و الدين، و كان هذا قمة الشجاعة في الصبر أيضا هذه ليست شجاعة الأسود، هذه شجاعة المؤمن الذي أسكره حب الله، و كان قمة الشجاعة في الرفض و في الاباء حينما طرح عليه ذلك الرجل أن يبايعه علي شروط تخالف كتاب الله و سنة رسوله بعد مقتل الخليفة الثاني، ماذا صنع هذا الرجل العظيم؟ هذا الرجل العظيم الذي كان يحترق لأن الخلافة ذهبت من يده، يحترق من أجل الله، لا من أجل نفسه، يقول «و لقد تقصمها ابن أبي قحافة و هو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي» هذا الرجل الذي كان يحترق لأن الخلافة خرجت من يده. لو أن انسانا يقرأ هذه العبارة وحدها لقال: ما أكثر شهوة هذا الرجل الي السلطان و الي الخلافة، لكن هذا الرجل نفسه، هذا الرجل بذاته عرضت عليه الخلافة عرضت عليه رئاسة الدنيا فرفضها لا لشي ء الا لأنها شرطت بشرط


يخالف كتاب الله و سنة رسوله من هنا نعرف أن ذلك الاحتراق لم يكن من أجل ذاته، و انما كان من أجل الله سبحانه و تعالي. اذا هذه الشجاعة، شجاعة البراز في يوم البراز و شجاعة الصبر في يوم الصبر، و شجاعة الرفض في يوم الرفض، هذه الشجاعة خلقها في قلب علي حبه لله لاعتقاده بوجود الله...) [4] .

لقد كان الشهيد الصدر يعرب عن آرائه هذه في مجتمع من العلماء الكبار في الحوزة العلمية في النجف الأشرف كما قلنا - و كلهم من الشيعة الامامية - أي في مجتمع مقفل للشيعة، فكان يقول قوله هذا دون تحفظ و لم يرد منه أن يكون مجرد قول يسمعه الآخرون ثم لا يهتمون به، بل الاقتداء بمواقف الامام عليه السلام في هذا الجانب و في غيره من الجوانب الأخري.. (اننا ندعي أننا ورثة الأنبياء و ورثة الأئمة و الأولياء، اننا السائرون علي طريق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي و الحسن و الحسين عليهم السلام.. ألسنا نحاول أن نعيش شرف هذه النسبة، و هذه النسبة تجعل موقفنا أدق من مواقف الآخرين، لأننا نحن حملة أقوال هؤلاء و أفعال هؤلاء، أعرف الناس بأقوالهم و اعرف الناس بأفعالهم. ألم يقل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم «اننا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة امارتكم هذه أو خلافتكم لا تساوي عندي شيئا الا أن أقيم حقا أو أدحض باطلا. علي بن أبي طالب عليه السلام كان يعمل الله سبحانه و تعالي، لم يكن يعمل لدنياه لو كان علي يعمل لدنياه، لكان أشقي الناس و أتعس الناس، لأن عليا حمل دمه علي يده منذ طفولته، منذ صباه، يذب عن وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عن دين الله و عن رسالة الله لم يتردد لحظ في أن يقدم، لم يكن يحسب للموت حسابا، لم يكن يحسب للحياة حسابا، كان دمه دائما علي يده، كان أطوع الناس لرسول الله في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كان أطوع الناس لرسول الله بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كان أكثر الناس عملا في سبيل الدين و معاناة من أجل الاسلام..) [5] .

ربما توقع كثيرون أن يقال غير هذا القول، و ربما حاول آخرون أن يقال غير هذا القول. أما لماذا، و لمصلحة من؟ فهذا ما يتكشف لنا أمره الآن بشكل واضح. انه جزء من مهمات الدوائر التبشرية التي جعلت من عدائها للاسلام و تحطيمه أكبر هدف


لها، و طبيعي أن شق وحدة المسلمين و تعميق خلافاتهم و ابراز ما كان مندثرا منها، عامل أساس لانجاز هذه المهمة علي الوجه الأكمل، اضافة لما تقوم به من مهمات أخري، غرضها ابعاد المسلمين عن دينهم بعد أن لم يتسن لها كسبهم الي صفها، و بعد أن لم تنجح باقناع المسلمين لتبني قيمهم الغريبة و مثلهم العليا المشوهة.

و لكن اذا لم ير المسلم أمامه الا الله، كما رآه الامام علي عليه السلام، و لم يروا الا مصلحة هذا الدين و طريقه القويم، و اذا ما اعتمدوا نظرته و طريقه لمعالجة كل حالة حياتية معاصرة و النظر الي كل حادث من حوادث التاريخ الاسلامي و غيره، لا يجد أمامه في هذه الحالة الا أن يغلب مصلحة الاسلام علي مصالحه و نظراته الذاتية التي قد تنحدر به الي نفس الطريق التي انحدرت اليها النفوس التي لم تعرف الاسلام و لم تعيه!.

و في هذا دروس بليغة لنا، لكي ننظر بانصاف و وعي و دون تحيز الي كل أمورنا و حياتنا و تاريخنا، و نعالج كل قضايا الاسلام المعاصرة و حوادثه الماضية علي أساس مصلحة هذا الدين و هذه الأمة، و الا كنا قد انسقنا وراء ما يريده لنا أعداؤنا من فرقة و خصام، و حققنا كل أهدافه و أمانيه.



پاورقي

[1] المراجعات ص 215 - 214.

[2] البقرة: 141.

[3] أصل الشيعة و أصولها. ص 108، 100، 91، 90.

[4] المدرسة القرآنية 251 - 249.

[5] المصدر السابق ص 254 - 253.