بازگشت

لماذا ترك علي حقه


و يطرح سؤال: اذا كان الأمر كذلك، و قد رأي عليه السلام، أنه قد أبعد عن المهمة التي أعد لها، و هو يعلم بحقه فيها، فلماذا سكت و لم يتقدم للجلوس علي كرسي الخلافة و لو بالقوة؟ و هو سؤال مهم، و الاجابة عنه سهلة لمن درس شخصية الامام عليه السلام دراسة واعية متعمقة، و تفاعل مع بعض جوانب نفسه الكبيرة، و نظر الي الأمور من الزاوية التي شملتها عقليته الاسلامية الواسعة، و تصوره الاسلامي الصحيح. و لابد لنا من استطاع رأيه - هو أولا - حول هذه المسألة، لنجد أنه لم


يصرخ أو يشير - و لو اشارة عابرة - بعدم وجود حق له في هذا الأمر، بل علي العكس، فهو يؤكد هذا الحق دائما، حتي و هو لا يعمد الي المطالبة به و ارجاعه.

ان المبررات التي طرحها عليه السلام و التي أوضح فيها سبب سكوته، مبررات مقنعة جديرة بأن تجعلنا جميعا ندرك دوافع هذا السكوت، اذا ما فهمنا طبيعة نظرته للأمور و اذا ما فهمنا طبيعة المرحلة الدقيقة التي كان يمر بها الاسلام و هو يواجه معركته الكبري الحاسمة بمواجهة الشرك و الجاهلية، فليس من المعقول أن يشغل الامام المسلمين بمعركة جانبية أخري بينهم، قد تكون سببا لخسارة المعركة الكبري مع أعدائه الرئيسيين، و هي معركته هو أيضا علي أي حال.

انه يتقبل الأمر الواقع علي أمل نجاح تلك المعركة الكبري في النهاية، و يتناسي حقه و يهمله في غمرة الشعور الكبير بالمسؤولية الملقاة علي عائقه، مع أنه لم يرد من وراء اعلان هذا الحق في الخلافة - كلما أتيحت له الفرصة (و الجميع يعلمون بذلك و قد علموه أكثر فيما بعد و بينته لهم الوقائع)، الحصول علي مكاسب أو امتيازات شخصية ليقول عنه من قد يقول: انه كان متهالكا علي كرسي الخلافة، و انه كان يبث ظلامته ممن غصبه حقه كلما أتيحت له الفرصة.

نعم. كان يعلن حقه و يبث ظلامته كلما وجد ذلك مناسبا، لكنه لم يكن يتظلم لنفسه، و لم يكن (يبكي) علي (مغانم) أخذت منه و علي ملك عريض ضاع في أيدي الآخرين، و لكنه كان يتظلم للاسلام الذي أعيقت مسيرته بغياب قائدة الحقيقي، و لم ينتشر انتشاره الطبيعي كما لو كان ذلك القائد يتقدم المسيرة، و لوصل الي أبعد مدي كان يمكن أن يصله في تلك الحقبة من الزمن التي بدت و كأنها زمنا مقطوعا عن زمن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ليست امتدادا طبيعيا صحيحا له.