بازگشت

امام من دون مساومة ان شر الناس عند الله امام جائر


و قد نظر بعض المعاصرين للامام، نفس هذه النظرات (المعاصرة) لنا فعرضوا علي الامام أن يتنازل لمعاوية عن بعض الأمور - مثل ولاية الشام، و يستجيب لبعض طلباته، ويقره علي مكانه، ريثما تستتب له الأمور، فقد أشار عليه المغيرة بن شعبة - بقوله - بعد ما بويع له بالخلافة... (... أرسل الي عبدالله بن عامر و الي معاوية و الي عمال عثمان بعهودهم، تقرهم علي أعمالهم، و يبايعون لك الناس، فانهم يهدئون البلاد و يسكنون الناس...) [1] و قد رفض الامام ذلك بالطبع.

كما أشار عليه شبث بن ربعي التميمي، عندما أرسله الامام مع آخرين الي معاوية ليدعوه الي الله و الي الطاعة و الجماعة - علي حد تعبير الامام عليه السلام، قال شبث: (الا تطعمه في سلطان توليه اياه، و منزلة يكون له بها أثره عندك ان هو بايعك؟) [2] .

غير أن الامام لم يرد الا تثبيت دعائم الاسلام، لا دعائم عرشه هو أو خلافته! فهو لم يكن ليقبل بهذه الخلافة، الا أن يقيم حقا أو يمنع باطلا، هذه هي مهمته كما يراها، و كما أعد لها، و كما يراها الاسلام، و من أولي منه بالعمل علي هدي الاسلام، فاذا ما داور و ناور و ساوم علي حساب مبادئه، فهل كنا نتوقع من قائد آخر يأتي من بعده - مهما كانت منزلته و مكانته، أن يسير علي هدي الاسلام و مبادئه فقط؟ و هكذا رفض تلك العروض التي بدت مغرية في ظاهرها، الا أنها كانت تنطوي علي شر عظيم و مخاطر عديدة قد تلحق بالاسلام في عاجل الأمر أو في آجله.

ان الامام عليا عليه السلام، في سعيه لتوطيد دعائم الدولة الاسلامية، لم يلجأ الي ما لجأ اليه غيره من أساليب مقطوعة الجذور عن الاسلام و بعيدة عنه، و انما أراد تثبيت هذه الدولة الاسلامية بالاسلام نفسه... و كان بذلك ممثلا أمينا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه. ذلك الباني و المؤسس الأول لهذه الدولة. و قد حاول في مناسبات عديدة أن يوضح أن مهمة الامامة أو الخلافة ليست مكسبا شخصيا يمنح لفرد من هذه الأمة، بقدر ما هي مسؤولية ثقيلة تترتب عليها واجبات عديدة، يشكل الخروج عليها جورا و مخرجا عن الاسلام.


(.. ان أفضل عباد الله عند الله امام عادل، هدي و هدي، فأقام سنة معلومة و أمات بدعة مجهولة) [3] .

(.. ان شر الناس عند الله امام جائر ضل و ضل، فأمات سنة مأخوذة، و أحيا بدعة متروكة. و اني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. يقول: يؤتي يوم القيامة بالامام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر، فيلقي في نار جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحي، ثم يرتبط في قعرها...) [4] .

(ان أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، و أعلمهم بأمر الله فيه) [5] .

(... أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و امامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته و لا الجاهل فيضلهم بجهله و لا الجافي فيقطعهم بجفائه و لا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطل للسنة فيهلك الأمة) [6] .

(الذليل عندي عزيز حتي آخذ الحق له، و القوي عندي ضعيف حتي آخذ الحق منه) [7] .


پاورقي

[1] الطبري 703 - 2 و راجع ص 230 مقدمة ابن خلدون.

[2] المصدر السابق م 3 ص 77 - 76.

[3] نهج‏البلاغة 235 - 234 و العقد الفريد 55.

[4] نفس المصدر: ص 235 و العقد الفريد ص 55.

[5] نفس المصدر: 248 - 247.

[6] نفس المصدر: ص 189.

[7] نفس المصدر: ص 81 و قد روي عبدالله بن العباس قال: دخلت علي أميرالمؤمنين عليه‏السلام بذي قار و هو يخصف نعله قال: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال عليه‏السلام: و الله لهي أحب الي من امرتکم، الا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. ص 134 النهج.