بين ثقافة الاسلام و ثقافة السب الأموية
لقد كرست حملة شرسة، بعد مضي سنين علي نزول القرآن و وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، لتحريف بعض الأحاديث النبوية، و وضع غيرها، و نسبتها اليه صلي الله عليه و آله و سلم، و تأويل النصوص القرآنية، و شرحها بما يلائم أغراض تلك الحملة المشؤومة [1] التي
لا نزال نعيش آثارها حتي اليوم، بعد أن نجحت بتنفيذ العديد من خططها و أهدافها، و التي استهدفت في البداية توطيد الحكم الأموي الذي لم يدم طويلا رغم أن نمطه و أسلوبه و فلسفته قد دامت طويلا، و قد وجدت النماذج المشابهة له علي مر التاريخ الاسلامي.
و مع ذلك، فلا خلاف في أن الكثير مما قيل في شأن علي و آل البيت عليهم السلام قد سلم من تلك التشويهات و التحريفات، فقد كانوا أقوي من أن تمحوهم أو تشوه صورهم الدعايات الأموية المضللة، الا أن الموقف منهم ظل من قبل العديدين موقفا سلبيا و باردا، و لا عجب، فقدرات الدولة الأموية التي عاشت قرابة ألف شهر، كانت كلها مكرسة لطمس فضائل علي و آل البيت، و اذ لم نتجح في ذلك في بعض الأحيان، فانها وقفت موقفا صارما حيال من كان يميل اليهم أو يتولاهم أو يري رأيهم. و قد لجأت الي أساليب الشتم و القذف و الافتراء بحقهم، و خصوصا علي عليه السلام، كما لجأت الي أقسي الأساليب لصد الناس عنهم و منعهم من موالاتهم. فقد روي الجاحظ (ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة. «اللهم ان أباتراب ألحد في دينك، و صد عن سبيلك، فالعنه لعنا و بيلا، و عذبه عذابا أليما».. و كتب بذلك الا الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها علي المنابر، الي خلافة عمر بن عبدالعزيز) و قال الجاحظ (ان قوما من بني أمية).
قالوا لمعاوية: انك قد بلغت أملك، فلو كففت عن لعن هذا الرجل، فقال: لا و الله حتي يربو عليه الصغير و يهرم عليه الكبير و لا يذكر له فضلا). و كتب معاوية الي جميع عماله في جميع الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة.
و كتب زياد بن أبيه اليه في حق الحضرميين أنهم علي دين علي و علي رأيه، فكتب اليه معاوية، اقتل كان من كان علي دين علي و علي رأيه. فقتلهم و مثل بهم.
و كتب معاوية الي جميع البلدان: أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فأمحوه من الديوان.
كان الرجل يرمي بالزندقة و الكفر، كان يكرم و يعظم و لا يتعرض له بمكروه، و الرجل من الشيعة لا يأمن علي نفسه في بلد من البلدان، لا سيما البصرة و الكوفة...) [2] .
لقد حاول أبناء أولئك الذين أرادوا صد الاسلام عن الانتشار أول أمره، تشويه صورة الذين نشروا و وقفوا حياتهم في سبيل ذلك، بعد أن احتلوا هم مواقعهم و جعلوا من أنفسهم (حماة) للاسلام و حكاما باسمه.
هذه احدي الفجوات الكبيرة، التي ضاع في غمرتها، ما أراد الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم ايصاله الينا، بخصوص هذه الشخصية العظيمة التي أرادها أن تكمل مسيرته بنفس الوعي و العزيمة و الصدق الذي حمله صلي الله عليه و آله و سلم، و مع ذلك فان ما وصل الينا و سلم من الافتراء و الطمس، يكفينا لكي نفهم أن عليا كان الشخص الوحيد الذي يحمل المؤهلات الكافية لقيادة الأمة الاسلامية علي خطي الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم.
و لن يسع المجال لكي نتحدث عن الامام علي عليه السلام هنا، فنلم بشخصيته الماما كافيا، غير أننا يمكن أن نلقي الضوء علي بعض جوانبها بالشكل الذي يتاح لنا، و لن يكون ذلك في مجال المقارنة بينه و بين معاوية، عند التطرق الي الخلاف بينهما علي العديد من الأمور، و خصوصا (الخلافة) التي ادعاها معاوية لنفسه و سبب ذلك صدعا في الاسلام، و ثملة كبيرة في بنيانه العظيم، و سيبدو لنا البون شاسعا بين الشخصيتين، حيث سنري ضآلة شخصية (العاهل الأموي) أمام الشخصية الشبيهة بشخصيته الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و ربما اذا ما فعلنا ذلك وفق المقايسس البشرية، فان الأمر ربما يكون غير جائز لنا وفق المقاييس الالهية، اذ هل يجوز أن نقارن معاوية برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه؟ و اذا: كيف يجوز أن نقارنه بعلي و هو أخ الرسول و وصيه و زوج ابنته البتول؟ انه هو نفسه، غير أنه ليس بنبي، و لم ينزل عليه وحي.
پاورقي
[1] عن الجاحظ (أن معاوية ما اکتفي بسب علي حتي وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه و البراءة منه و جعل لهم جعلا يرغب في مثله فاختلفوا ما أرضاه...) (و قد بذل معاوية لسمرة بن جندب أربعمائة ألف حتي يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبيطالب (و من الناس من يعجبک قوله في الحيوة الدنيا و يشهد الله علي ما في قلبه و هو ألد الخصام و اذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها و يهلک الحرث و النسل...) البقرة: 205 - 204 و ان الآية التالية نزلت في ابن ملجم و هي: (و من الناس من يشري نفسه ابتغآء مرضات الله و الله رءوف بالعباد) البقرة - 207 (و ظهرت أحاديثهم الکاذبة، و نشأ عليها الصبيان يتعلمون ذلک. و کان أشد الناس في ذلک الشعراء المراؤون و المتصنعون الذين يظهرون الخشوع و الورع، فکذبوا و انتحلوا الأديث و ولدوها، فيحظون بذلک عند الولادة و القضاة و يدنون مجالسهم و يصيبون بذلک الأموال و القطايع و المنازل، حتي صارت أحاديثهم و رواياتهم عندهم حقا و صدقا. فرووها و قبلوها و تعلموها و علموها و أحبوا عليها و أبغضوا من ردها و شک فيها، فاجتمعت علي ذلک جماعتهم و صارت في يد المنتسکين و المتدينين... فقبلوها و هم يرون أنها حق، و لو علموا بطلانها و تيقنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها، و لم يدينوا بها، و لم يرفضوا من خالفها، فصار الحق في ذلک الزمان عندهم باطلا و الباطل حقا و الکذب صدقا و الصدق کذبا) شجرة طوبي - محمد مهدي المازندراني الحائري / المطبعة العلمية / النجف 1369 ه ص 90 - 84.
[2] شجرة طوبي 89 - 84.