بازگشت

علي معد للخلافة


انتقل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي الرفيق الأعلي، بعد أن أدي رسالته الي الناس كافة، غير أن هذه الرسالة كانت تحتاج لمن يحملها كما حملها الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، تحتاج لمن يستمر في توضيحها و نشرها، و يقف علي رأس الدولة الاسلامية الوليدة و الناشئة في خضم الجاهليات العديدة، ليخرج بها من معارك متوفعة - بل واقعة فعلا - منتصرة علي كل تلك الجاهليات، فهي رسالة الي الناس كافة، في مشارق الأرض و مغاربها، تحكم الناس في هذه المشارق و المغارب، و توجه حياتهم، بل و تقودها، و تكون المصدر الوحيد لكل توجهاتها و تطلعاتها، و أصل كل قيمها و حضاراتها و مناهج حياتها، لا لأمد محدود، و انما الي الأبد، الي أن يرث الله الأرض و من عليها.

و هي مهمة ضخمة جدا و حساسة جدا، ينبغي أن يتصدي لها قائد كالرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، أو رجل تلقي عنه - مباشرة - رسالته، و يؤديها أداء واعيا كأدائه، رجل يفهم هذه الرسالة حق الفهم، و يؤمن بها كل الايمان، و قد خلا من كل نزعة أو سابقة أو نظرة جاهلية قديمة، رجل لم يعش حياة الجاهلية لضمان سلامته من أمراضها الظاهرة و الكامنة.

يفهم رسالة الاسلام حق الفهم، و يعي كل مهماتها و أسرارها، و يكون بسلوكه الحياتي اليومي وجها من وجوهها و رمزا من رموزها. لابد لمن يعد لمثل هذه المهمة الالهية الدقيقة أن يكون علي أعلي قدر من الوعي بالمهمات المرتقبة، و لابد أن يكون متمتعا بأعلي القدرات التي تؤهله للنجاح في هذه المهمات الصعبة و الدقيقة (بعد


غياب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و معدا بشكل خاص علي يدي الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم نفسه، يتلقي عنه بشكل مباشر، و ينشأ و يتربي علي يديه الكريمتين. اضافة الي سابقة في الدخول الي هذا الدين، و أصل طاهر منزه شريف لا يقل عن أصل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الطاهر المنزه الشريف نفسه.

و حتي المراحل العمرية - منذ بدايتها - و التي أمضيت مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أريد لبقيتها أن تكون امتدادا لعمره الشريف نفسه صلي الله عليه و آله و سلم، كانت تبدو و كأنها أمر مقصود و مدبر من قبل العناية الالهية، لكي يعيش الناس في ظل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حتي بعد وفاته. [1] .

و قد يقول قائل: أهي مواصفات (يضعها) من يضعها... لتبرير الانحياز لعلي عليه السلام، لكي يشغل هذه المهمة؟ و هي متوفرة فيه فعلا.

و لماذا التشدد بهذه الشروط؟ لماذا يكون علي رأس الدولة الاسلامية الوليدة أن يكون متمتعا بهذه الشروط؟ و الجواب: لأنه رأس الدولة الاسلامية، التي ينبغي أن تري فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه ذلك الرجل الذي اقتنع به الجميع و آمن به الجميع و لم يختلف عليه اثنان.

فهو ليس رأس الدولة الرومانية أو الفارسية أو غيرهما، انه رمز للاسلام نفسه.


و قد يقول قائل: و من أراده لهذه المهمة؟ و من أعد لها؟ و نجيب أيضا: الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم أراده لها. و ربما يتساءل: هل نص علي ذلك و أراده كرغبة الهية موحي بها أم كرغبة و هوي شخصي.

و هنا قد نلمح أول شرح في جدار الالفة و الوحدة و الاخوة الاسلامية، فهل نبيح لأنفسنا أن نعتقد أن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ينطق عن الهوي، و أن رغباته الشخصية و عواطفه نحو ابن عمه الأثير، بل أخيه و زوج ابنته و ربيبه، تغلب علي رغباته في رفع الاسلام و نشره و اعلاء شأنه؟ و هل تتقاطع تلك مع هذه؟ ألم يكن الاسلام يستحوذ علي كل مشاعره و رغباته بل و وجوده؟ فهل كان سيميل بدافع العاطفة المجردة بحق هذه الأخ الأصغر العزيز الذي محضه حبه، و ينسي مهمته الكبري التي كرس لها كل لحظة من حياته الشريفة، و لم ينسها أبدا؟

اذا ما اعتقد أحد بذلك، و مال الي الظن به، و تشكك برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمانته و حرصه علي تبليغ الرسالة بشكل تام، فانه يشكك بحقيقة التنزيل نفسه و بصحة الرسالة نفسها، و كيف يؤمن انسان بأمر تراوده حوله الشكوك؟

رغبة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لم تكن رغبة شخصية بحتة؛ فهو بعد أن أعد أخاه و ربيبه لهذه المهمة الدقيقة طوال حياته الشريفة، ليكمل مشواره الطويل، بما امتلك من مؤهلات نادرة غير متاحة لبشر عادي (كالقوة الخارقة في الجسم و العقل)، لم ينس، قبل أن يعرب عن ذلك صراحة في حجة الوداع عند (غديرخم) [2] أن يشير اشارات


موحية واضحة الي موقع علي من الاسلام و منه صلي الله عليه و آله و سلم خاصة، و أن يقول للناس، من


هو علي، و ان يدلهم عليه، مع أنهم يعرفونه جيدا كقائد موعود مرتقب للأمة الاسلامية.

و في خضم الخلاف و الصراع - الذي نشأ فيما بعد - راح كثيرون يدعون أن تصريحات الرسول و اشاراته الي علي عليه السلام لم تكن خاصة به، و أنه صلي الله عليه و آله و سلم أشار اشارات أخري مشابهة الي غيره من الصحابة، ألمح فيها الي أهميتهم و صلاحيتهم للصعب من الأمور! و لكننا نسأل هؤلاء: هل ان اشارات الرسول الي علي عليه السلام كانت مجرد اشارات عابرة، أم أنها كانت تريد اعداد هذه الأمة للالتفات حول هذا القائد المرتقب و المعد و المربي من قبل الرسول نفسه صلي الله عليه و آله و سلم، و كذلك من يأتي بعده من سلالته الشريفة؟

و هل كانت الآيات القرآنية الكريمة النازلة بحق علي [3] تعبر عن الاشارة المجردة من قبل الذات الالهية بهذا الرجل، لا لشي ء أو لهدف معين خاص، رغم كثرتها و وضوحها؟ و هل كانت الأحاديث الشريفة [4] تعبر عن مجرد الايضاح عن


الصلات و العلاقات الحميمة بين الرجلين، تنتهي و ينتهي مفعولها و أهميتها بمجرد الاعراب عنها؟ هذا اذا كلف بعضنا أنفسهم بالاطلاع علي هذه الآيات و الأحاديث و وقف النبي صلي الله عليه و آله و سلم الواضح منه عليه السلام، و عرفوا سبب نزول هذه الآيات في حقه و هي واضحة لا لبس فيها و لا خلاف؟.


پاورقي

[1] و يمکن أن نفهم - علي هذا الأساس - لماذا کان الامام علي عليه‏السلام يشير دائما الي قربه من النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الي علاقتهما الحميمية منذ بداية حياته عليه‏السلام و حتي وفاته صلي الله عليه و آله و سلم، فلم تکن تلک الفترة الطويلة لتمر بينهما دون أن يقطع بطبعه و يکون مثله و يفهم الاسلام کما فهمه - و يمکن مراجعة الاشارات العديدة التي أشار بها الامام عليه‏السلام الي ذلک و منها هذه الاشارة الواضحة (و قد علمتم موضعي من رسول‏الله صلي الله عليه و آله و سلم بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة. وضعني في حجره و أنا ولد، يضمني الي صدره، و يکنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و کان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمنيه، و ما وجد لي کذبة في قول، و لا خطلة في فعل... و لقد کنت أتبعه اتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في کل يوم من أخلاقه علما، و يأمرني بالاقتداء به، و لقد کان يجاورني کل سنة بحراء فأراه و لا يراه غيري. و لم يجمع بين واحد يومئذ في الاسلام غير رسول‏الله صلي الله عليه و آله و سلم و خديجة و أنا ثالثهما. أري نور الوحي و الرسالة، و اشم ريح النبوة، و لقد سمعت رنة الشيطان حتي نزل الوحي عليه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلنا يا رسول‏الله ما هذه الرنة، قال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته. انک تسمع ما أسمع، و تري ما أري الا أنک لست بنبي، و لکنک لوزير و أنک لعلي خير») نهج‏البلاغة - تحقيق و ضبط د. صبحي الصالح - دار الکتاب اللبناني - بيروت ط 1982 2 م ص 301 - 300.

[2] أخرج الطبراني و غيره بسند مجمع علي صحته (صرح بصحته غير واحد من الأعلام) عن زيد بن أرقم قال: خطب رسول‏الله صلي الله عليه و آله و سلم، بغدير خم تحت شجرات، فقال: أيها الناس، يوشک أن ادعي فأجب، و اني مسؤول، و أنکم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنک قد بلغت و جاهدت و نصحت، فجزاک الله خيرا، فقال: أليس تشهدون أن لا اله الا الله، و ان محمدا عبده و رسوله، و ان جنته حق، و أن ناره حق، و ان الموت حق، و ان البعث بعد الموت حق، و ان الساعة آتية لا ريب فيها، و ان الله يبعث من في القبور؟؟ قالوا: بلي نشهد بذلک، قال: اللهم اشهد. ثم قال: يا أيها الناس، ان الله مولاي، و أنا مولي المؤمنين، و أنا أولي بهم من أنفسهم، فمن کنت مولاه، فهذا علي مولاه، يعني عليا، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس اني فرطکم، و انکم واردون علي الحوض، حوض أعرض مما بين بصري الي صنعاء، فيه عدد النجوم قد حان من فضه، و اني سائلکم حين تردون علي عن الثقلين، کيف تخلفوني فيهما، الثقل الأکبر، کتاب الله عزوجل، سبب طرفة بيد الله تعالي، و طرفه بأيديکم، فاستمسکوا به، لا تضلوا و لا تبدلوا، و عترتي أهل بيتي، فانه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا، حتي يردا علي الحوض. اه (هذا لفظ الحديث عند الطبراني و ابن جرير، و الحکيم الترمذي عن زيد بن أرقم، و قد نقله ابن حجر عن الطبراني و غيره باللفظ الذي سمعته، و أرسل صحته ارسال المسلمات فراجع ص 25 من الصواعق) - المراجعات - الامام عبدالحسين شرف‏الدين الموسوي / دار التعارف للمطبوعات / بيروت / لبنان / ط 1398 18 ه / 1978 م ص 216 - 215 و قد علق الامام عبدالحسين شرف‏الدين تعليقات لطيفة علي فحوي خطاب الغدير فقال (انما نعي اليهم نفسه الزکية تنبيها الي أن الوقت قد استوجب تبليغ عهده و اقتضي الاذن بتعيين خليفة من بعده أو أنه لا يسعه تأخير ذلک مخافة أن يدعي فيجيب قبل احکام هذه المهمة التي لابد له من احکامها، و لا غني لأمته عن اتمامها) ص 215 و قال (لما کان عهده الي أخيه ثقيلا علي أهل التنافس و الحسد و الشحناء و النفاق، أراد صلي الله عليه و آله و سلم - قبل أن ينادي بذلک - أن يتقدم في الاعتذار اليهم تأليفا لقلوبهم و اشفاقا من معرة أقوالهم و أفعالهم، فقال: و اني مسؤول، ليعلموا أنه مأمور بذلک و مسؤول عنه، فلا سبيل له الي ترکه. و قد أخرج الامام الواحدي في کتابه أسباب النزول بالاسناد الي أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية (يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليک من ربک) المائدة 67، يوم غديرخم في علي بن أبي‏طالب) ص 216 و قال (لعله أشار بقوله (ص): و أنکم مسؤولون، الي ما أخرجه الديلمي و غيره، کما في الصواعق و غيرها - عن ابن سعيد، أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال (وقفوهم انهم مسؤولون) الصافات: 24 عن ولاية علي. و قال الامام الواحدي: انهم مسؤولون عن ولاية علي و أهل البيت، فيکون الغرض من قوله: و انکم مسؤولون، تهديد أهل الخلاف لوصيه و وليه.) ص 216 و قال (تدبر هذه الخطبة من تدبرها، و أعطي التأمل فيها حقه، فعلم أنها ترمي الي أن ولاية علي من أصول الدين کما عليه الامامية حيث سألها أولا، فقال: أليس تشهدون أن لا اله الا الله و أن محمدا عبده و رسوله؟ الي أن قال: و ان الساعة آتية لا ريب فيها، و ان الله يبعث من في القبور، ثم عقب ذلک بذکر الولاية ليعلم أنها علي حد تلک الأمور التي سألهم عنها فأقروا بها، و هذا ظاهر لکل من عرف أساليب الکلام و مغازيه من أولي الأفهام) ص 216 و قال (قوله: و أنا المولي، قرنية لفظية، علي أن المراد من المولي انما هو الأولي فيکون بالمعني: ان الله أولي بي من نفسي، و أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و من کنت أولي به من نفسه، فعلي أولي به من نفسه) ص 216 و قد أخرج هذا الحديث بصيغ و ألفاظ أخري مشابهة النسائي عن زيد بن أرقم ص 21 من الخصائص العلوية، و أخرجه الامام أحمد من حديث البراء بن عازب من طريقين... و أخرجه النسائي عن عائشة بنت سعد، و أخرجه مسلم من باب فضائل علي من صحيحه (ص 325 ج 2 (. و السنن في هذا کثيرة لا تحاط و لا تضبط و هي نصوص صريحة بأنه ولي عهده، و صاحب الأمر من بعده.).

[3] ... (قال ابن‏عباس: ما نزلت في أحد من کتاب الله ما نزل في علي (أخرجه ابن عساکر و غير واحد من أصحاب السنن)... و قال مرة أخري: (نزل في علي ثلاث مائة آية من کتاب الله عزوجل) - (من حديث أخرجه ابن عساکر أيضا) و قال مرة ثالثة (ما أنزل الله: يا أيها الذين آمنوا، الا و علي أميرها و شريفها، و لقد عاتب الله أصحاب محمد صلي الله عليه و آله و سلم في غير مکان من کتابه العزيز و ما ذکر عليا الا بخير. اه) من حديث أخرجه الطبراني و ابن أبي‏حاتم و غير واحد من أصحاب السنن و نقله ابن حجر، و نقل الأحاديث الثلاثة التي قبله في الفصل 3 من الباب 9 ص 76 من صواعقه... و قد نزلت فيه آية الولاية و هي قوله تعالي (انما وليکم الله و رسوله و الذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزکوة و هم رکعون و من يتول الله و رسوله و الذين ءامنوا فان حزب الله هم الغلبون) المائدة: 56 - 55 کما ورد عن ابن‏عباس، و راجع مسندي ابن مردوية و أبي الشيخ و کنز العمال (الحديث 6137 (ص 405 ج 6 و قد نقل اجماع المفسرين أنها في علي غير واحد من أهل السنة.. و في الباب 18 من غاية المرام 24 حديثا من طريق الجمهور في نزولها بما قلناه راجع - المراجعات ص 191 - 190 حيث نجد العديد من الأحاديث الصحيحة بهذا الصدد. و لا يسعنا في هذه العجالة ذکر کل ما نزل فيه عليه‏السلام.. فذلک أمر أفردت له مصنفات و کتب عديدة.

[4] الأحاديث الشريفة في علي فاق عددها ما قاله الرسول حول العديد من الأمور، و لعلنا سنتطرق الي ذکر بعضها عند الکلام عن بعض جوانب شخصيته عليه‏السلام، و هي أحاديث أجمعت کتب الحديث المعتبرة عند أهل السنة و غيرهم باعتبارها صحيحة عن طريق الأسانيد المعتبرة لديهم.

و لو أردنا التطرق الي هذه الأحاديث و أسانيدها لاستدعي ذلک مجلدات عديدة. و قد تصدي بعض العلماء الأفاضل لذکر بعضها مثل العلامة عبدالحسين شرف‏الدين الموسوي في و المراجعات و غيره و يهمنا أن نشير الي أننا لم نکرس هذه الدراسة للحديث عن أميرالمؤمنين (ع)، بشکل خاص، الا أن الدراسة تقتضي الاشارة لذلک اشارات سريعة لنبين الخليفة و الأسباب التي أدت الي وقوع الأحداث اللاحقة و أسباب قيام ثورة الحسين عليه‏السلام بوجه الطخمة الأموية المنحرفة... و مع ذلک سنشير - بعون الله - ما اقتضي الأمر ذلک - الي بعض الآيات القرآنية و الأحاديث التي تدل علي فضل آل البيت و حقهم في الخلافة و الولاية.