بازگشت

خلافة الانسان تكريس العبودية لله


ان خلافة الانسان علي هذه الأرض كانت مهمة صعبة و أمانة ثقيلة، تصدي الانسان وحده للنهوض بمهامها، بعد أن رفضتها السماوات و الأرض و الجبال و أشفقن منها (انا عرضنا الأمانة علي السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوما جهولا) [1] .

و علي طريق النهوض بأعباء هذه الخلافة، و لتمكين الانسان من أداء مهامها بالشكل الذي يرضيه، فانه (سبحانه)، أوضح هذه المهام و وضع له مناهج متكاملة، تمثلت بالأديان المختلفة التي ترافقت مع مسية البشرية، و التي لم تكن تختلف عن بعضها من حيث الجوهر، و كلها تنصب علي عبادته و الاخلاص له و التمكين لكلمته لتكون هي العليا. و هذه المناهج لم تكن مجرد أداء لبعض الشعائر أو الطقوس التعبدية و حسب، و انما كانت مناهج و تشريعات متكاملة للحياة تتدخل بكل أمورها و خصوصياتها، و توجهها التوجيه الصائب الذي من شأنه أن يحل كل التناقضات و الاشكالات التي أو جدها الانسان نفسه علي هذه الأرض، في غمرة الصراع علي المصالح و الدفاع عن الآلهة المصطنعة و الطواغيت - و بدعم و توجيه منها في أغلب الأحيان.

(شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا و الذي أوحينا اليك و ما وصينا به ابراهيم و موسي و عيسي أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه...) [2] .


لقد حددت الأديان بشكل حاسم و واضح مهمات الانسان في خلافته علي هذه الأرض، و أؤضح الاسلام - خاتم هذه الأديان و خلاصتها و نموذجها الشامل - منهجه الواضح الصريح للانسان، بعد أن طمست معالم الديانات السابقة بفعل الطواغيت و آلهة الهوي و العصبية و المصالح، و الكهان و الأحبار الذين قاموا بتحريف و تزوير مضامين الكتب المقدسة و اخفاء بعضها و اتلافها الي الأبد.

ان منهج الاسلام، الذي تكفل باعثه بحفظه - في نهاية المطاف - عن طريق حفظ كتاب الاسلام نفسه و قانونه و دستوره الأبدي - القرآن الكريم - (انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون) [3] - و قد صدق الله وعده - أوضح بجلاء مجمل النشاطات الانسانية المطلوبة لمهمة خلافة الأرض و اعمارها، و تنظيم العلاقات البشرية بشكل ينتفي معه وجود الاستغلال و الظلم و هيمنة الطواغيت و الآلهة و الأصنام، و وجود طبقات متباينة تباينا حادا صارخا في مستوياتها المعيشية و الاجتماعية، كما كان الحال في أوروبا في ظل المسيحية الممسوخة و المزورة، و كما هو الحال بعد ذلك و قبله علي مر العصور، و كما هو الحال الآن أيضا - عندما أوجدت (عوالم ثلاث) من المجتمعات و الشعوب علي خارطة الأرض، و قد شاء و أضعوا هذه الخارطة، أن يكون عالمنا الاسلامي ضمن العالم الثالث الجائع الجاهل المريض، و حتي في عوالمهم الأولي، وجدت طبقات و عوالم.

ان مهمة الاسلام الأولي، تكريس عبودية الانسان لله وحده، و تخليصه من عبادة الطواغيت و الشهوات و الهوي، و مهمة هؤلاء الطواغيت منع هذه المهمة و ايقافها، لتكريس عبودية الانسان لهم و لمصالحهم، من خلال التلاعب بهواه و اضعافه، و تزيين كل ما ينحط بالنفس البشرية و ينزل بها الي حمأة الوحل و الأقذار.

(أرءيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) [4] .

(فان لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله..) [5] .


(بل اتبع الذين ظلموا أهوآءهم بغير علم) [6] .

(أفمن كان علي بينه من ربه كمن زين له سوء عمله و اتبعوا أهوآءهم) [7] .

و الا كيف يستميل الطغاة الناس ليكونوا عبيدا لهم؟

و اذ يقف الدين حجر عثرة في طريق أولئك الطغاة لتحقيق طموحاتهم و تطلعاتهم غير المشروعة، فانهم يحاولون (ترويضه) و (تطويعه)، بتأويل ما يرد في القرآن الكريم و تفسيره علي هواهم [8] ، و تحريف بعض الأحاديث و افتراء بعضها علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و بعض صحابته لاضفاء الشرعية علي وضعهم في مركز الخلافة، و تصرفاتهم و سلوكهم العبيد عن الاسلام و المنافي له بشكل واضح و (ترويض) من اختاروهم ليقفوا الي جانبهم، بعد أن اختاروا الوقوف الي جانب الحق و استئصالهم ان استدعي الأمر، عن طريق القتل أو النفي أو السجن.

و هذه جوانب سنتعرض لها، في معرض التطرق الي الخرق الجسيم الذي تعرض له الاسلام في بداية الحكم الأموي، بل و قبل استلامه السلطة، أو (الخلافة) بشكل رسمي، استجابت له الأمة طواعية أو جبرا، حتي أن المظهر الاحتفالي قد أضفي عليه، ليكون ذلك العام مشهودا و معروفا ب «عام الجماعة» مع أنه كان عام الافتراق العلني عن الاسلام، مع أن من أرادوا ذلك الافتراق لم تتح لهم فرصة تحقيق كل أحلامهم لابعاد الناس نهائيا عن الاسلام، اذ لم يقدروا علي ايجاد طريقة حاسمة لاستئصال شأفة هذا الدين من كل النفوس و القلوب.


پاورقي

[1] الأحزاب: 72.

[2] الشوري: 13.

[3] الحجر: 9.

[4] الفرقان: 43.

[5] القصص: 50.

[6] الروم: 29.

[7] محمد: 14.

[8] ... لذلک کتب أميرالمؤمنين الي عبدالله بن العباس (لا تخاصمهم بالقرآن فان القرآن حمال ذو وجوه تقول و يقولون و لکن حاججهم بالسنة فانهم لن يجدوا عنها محيصا) نهج‏البلاغة 651.