بازگشت

الامامة امتداد للنبوة


ان أمام الرسل دائما - و علي امتداد التاريخ - معارك حقيقية. اذ أن من احتكروا السلطة و النفوذ و الثروات، و نصبوا أنفسهم مثلا عليا و آلهة و طواغيت، لم يكونوا ليتركوا الساحة، و يدعوا الأمور هكذا ببساطة، أمام من جاءوا يساوون بين الناس، علي أساس العدل (الالهي) و السلطة الالهية وحدها... و وحدها فقط. و لم يكونوا ليتركوا قيمومتهم و زعامتهم علي الناس، لمجرد الاستجابة لرسالات لم يكونوا هم - دون غيرهم علي الخصوص يدركون محتواها الحقيقي - في غمرة تمتعهم بالامتيازات و حياة الرفاه و البذخ و التسلط. فكان لابد من المعارك! لابد من قيامهم بتكريس كل قواهم و استنفاد كل طاقاتهم للتصدي لأي عملية تغيير تعمل علي (تعكير) صفو حياتهم التي نظموها، علي أساس ضمان هذه المصالح، و استمرار و تكرار نموذج الحالة التي عاشوها و عاشها آباؤهم من قبل.

و المعركة لابد أن تواجه باستعداد مماثل لها من قبل هؤلاء الرسل. بل ان هذه المعركة لابد أن تكون أول ما يضعه هؤلاء الرسل نصب أعينهم، و عليهم أن يعدوا أنفسهم و من آمنوا برسالاتهم لخوضها ضد هذه الطواغيت و الآلهة المصطنعة... (و المثل المنخفضة التي تنصب من نفسها قيما علي البشر، و حاجزا، و قاطع طريق بالنسبة للمسيرة التاريخية. لابد من معركة ضد هذه الآلة و لابد من قيادة تتبني هذه المعركة. و هذه القيادة هي الامامة، هي دور الامام. الامام هو القائد الذي يتولي المعركة. و دور الامامة يندمج مع دور النبوة في مرحلة من النبوة يتحدث عنها القرآن... و دور الامامة يندمج مع دور النبوة، و لكنه يمتد حتي بعد النبي، اذا ترك النبي الساحة، و بعد لا تزال المعركة قائمة، و لا تزال الرسالة بحاجة الي مواصلة هذه المعركة من أنجل القضاء علي تلك الآلهة، حينئذ يمتد دور الامامة حتي بعد انتهاء النبي) [1] .

و من هنا قام القرآن الكريم باعداد المسلم لفهم دوره الايماني الذي يعني ببساطة


التمسك بالاسلام كله، و العمل بكل تعاليمه و أحكامه... و يعني أيضا رفض كل ما عداه (ان الدين عند الله الاسلم..) [2] .

(أفغير دين الله يبغون) [3] .

(فأقم وجهك للدين القيم...) [4] .

(و من يبتغ غير الاسلم دينا فلن يقبل منه...) [5] .

(ان الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن الا و أنتم مسلمون) [6] .

(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلم) [7] .

(اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن الا و أنتم مسلمون) [8] .

(و من أحسن قولا ممن دعا الي الله و عمل صلحا و قال انني من المسلمين) [9] .

لقد أعده لمهمات صعبة، لمعارك يخوضها في سبيل الله، يثبت فيها صدق ايمانه و صدق توجهه و صدق تمسكه بالاسلام، الدين الذي شرح الله له صدره و هداه به و أراده أن لا يموت الا و هو متمسك به، و قد أراده أن لا يعلن عن صدقه و عدم ارتيابه بالله و رسوله بمجرد بالقول، و انما بالفعل المصمم الهادف الذي يجسداصراره و عزمه علي التغيير و دعوة الناس الي دين الحق هذا أيضا و الدفاع عنه، مهما كانت الصعوبات و المتاعب التي سيلقاها.

و مهمة القرآن في ذلك، كانت مهمة متواصلة طويلة، استمرت طيلة العهدين اللذين نزل بهما في مكة و المدينة، كما أنها تستمر الي ما شاء الله، مع كل الذين يتوجهون الي هذا الكتاب الكريم، فيطالعون فيه قول الله الحق النافذ المبين، غير المحرف و لا المزور، الكلام السهل الممتنع المعجز، ان توجيهه لنا - في مجال الاستعداد الدائم للجهاد مع النفس و مع أعداء الاسلام الناصبين له العداوة علي الدوام، يوضح لنا بعبارة موجزة الدور الذي ينبغي أن نقوم به كمسلمين، مؤمنين،


صادقين، غير مرتابين و لا متشككين و لا مترددين طوال حياتنا لا في مرحلة معينة و حسب... (انما المؤمنون الذين ءامنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله...) [10] فهم يجسدون ايمانهم يقينا و عملا، لا يحسبون حسابا الا لله وحده، لا خوف الا منه و لا حب الا له، و لا نهج الا نهجه، و لا قول الا قوله، و لا توكل الا عليه. و منهجهم في العبادة لا يمتثل بمجرد الاعراب عن ذلك الحب، و سماع قوله و قراءة كتابه، و انما يتمثل في أداء سلوكي متكامل منسجم مع انحيازهم التام الي صفه جملة و تفصيلا و رفض كل ما عداه... (انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله و جلت قلوبهم و اذا تليت عليهم ءايته زادتهم ايمانا و علي ربهم يتوكلون) [11] .


پاورقي

[1] المصدر السابق ص 196.

[2] آل عمران: 19.

[3] آل عمران: 82.

[4] الروم: 43.

[5] آل عمران: 85.

[6] البقرة: 132.

[7] الأنعام: 125.

[8] آل عمران: 102.

[9] فصلت: 33.

[10] الحجرات: 15.

[11] الأنفال: 2.