بازگشت

النبوة ظاهرة ربانية كذلك الامامة


غير أن (النبوة ظاهرة ربانية في حياة الانسان، هي القانون الذي وضع صيغة الحل بتحويل مصالح الجماعة و كل المصالح الكبري الي مصالح الفرد عن طريق اشعاره بالامتداد بعد الموت و الانتقال الي ساحة العدل و الجزاء) [1] .

و عند ما يعمل دين التوحيد علي تقليص أو استئصال امتيازات الأقلية المستغلة، فان مهمته في ذلك ليست منبثقة عن ذات الرسول أو النبي نفسه لاصلاح الحالات الشاذة و اعادة الأمور الي نصابها بما يحقق العدالة للجميع، اذ أنه لو فعل ذلك علي هذا الأساس، لكان عمله و تطلعه بشريا بحتا قابلا للخطأ و الصواب، لكنه يعمل ذلك بوحي من رسالة حمل بها و أرسل بها من قبل الله - سبحانه - رسالة واضحة المعالم في ذهنه، تحمل القدرة علي ارساء حياة متوازنة متوافقة في المجتمع الذي أرسل اليه - و هو المجتمع الانساني كله بالنسبة الي الاسلام - و من هنا كانت مهمة هذه الرسالة الأخيرة الخاتمة، مهمة توحيد العالم كله علي أساسها و هي مهمة هائلة نحتاج الي قيادة عظيمة - تقتدي بقيادة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و تجعل منها أساسا لعملها و توجهاتها.

ف (النبوة هي التي توفر الصلة الموضوعية بين الانسان و ما بين المثل الأعلي الحق المنفصل عنها الذي هو ليس من افرازها و من انتاجها المنخفض. هذه الصلة الموضوعية يجسدها النبي علي مر التاريخ. الأنبياء صلوات الله عليهم هم الذين يجسدون هذه الصلة الموضوعية) [2] .


(قل يأيها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات و الأرض لا اله الا هو يحيي و يميت فامنوا بالله و رسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله و كلمته و اتبعوه لعلكم تهتدون) [3] .

(انا أوحينا اليك كما أوحينا الي نوح و النبين من بعهده و أوحينا الي ابراهيم و اسمعيل و اسحق و يعقوب و الأسباط و عيسي و أيوب و يونس و هرون و سليمن و ءاتينا داود زبورا و رسلا قد قصصنهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك و كلم الله موسي تكليما رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسول و كان الله عزيزا حكيما) [4] و من هنا نري دقة انتقاء الرسل من بين ملايين البشر، لحمل هذه المهمة الضخمة التي يتعرضون فيها لمختلف المخاطر و ضروب المحن و الشدائد، فلا يتنازلون و لا يتوانون عن تبليغ ما حملوا الي الناس، و لا ترهبهم تلك القوي المتسلطة، مهما بالغت في استعراض سلطانها و بطشها و جبروتها.

ان الرسول ينطلق في عمله الرسالي عن يقين من وعي و علم و شاهد و سمع الرسالة، و هي تصل اليه واضحة غير مبهمة، لكي يتولي مهمة ايصالها الي البشر الآخرين، فهو ينطلق في مهمته دون تحفظ، متيقن من وجود القدرة الالهية الفاعلة الخالفة المدبرة القديرة التي تتضاءل أمامها كل القدرات البشرية العادية، مهما أحاطت نفسها بمظاهر القوة و التسلط... و اذ كان هؤلاء الرسل معدين مسبقا و منتقين و معروفين من قبل مجتمعاتهم قبل نزول الرسالة عليهم، فان مهمتهم تبدو سهلة في هذه المجتمعات - و خصوصا بين الطبقاته المغلوبة و المقهورة - و لا تكاد تلقي أية صعوبات، لو لا التحدي الشرس لآلهة المصالح و الشرك، التي تحجرت علي قيمها و مثلها و أوضاعها، و التي حققت في سالف عهدها أكبر قدر من النجاح و الفوز في هذه الدنيا، و وظفت كل مخلوقات الله لتثبيت هذه الأوضاع. و لابد أنها ستقف بقوة أمام أية جهة تنشد التغيير، حتي لو كانت بوحي من الله نفسه.

و اذا فان المسألة، ليست مسألة رغبة في التغيير، تساور نفس الرسول و حسب،


و الا لما كان رسولا، و انما كان مجرد مصلح أو ثائر، يريد تغيير نمط واحد من أنماط الحياة.. أحس أنه يلحق غبنا أو حيفا بالمجموع، فأراد تغييره، و كان علي هذا الأساس وحده، سيخضع - كغيره - لكل المشاعر البشرية المتضاربة، و ما كان سيتمتع بأية قدرة استثنائية، تجعله مؤهلا لقيادة الناس و استقطابهم حوله، و كان سيتوقف، يهرب، أو يساوم أو يتعثر عند أول معركة، و كانت الهزيمة لابد لا حقة به، و ربما هزم أمام نفسه و بنظر أصحابه أنفسهم اذا تراجع و لم يمض حتي النهاية.


پاورقي

[1] الفتاوي الواضحة - السيد محمد باقر الصدر - المقدمة.

[2] المدرسة القرآنية 198.

[3] الأعراف 158.

[4] النساء 165 - 163.