بازگشت

مع الكاتب الاسلامي محمد قطب تبرير الانحراف


لقد حسم القرآن الكريم، مسألة الايمان بالله، و التصور الاسلامي الصحيح بخصوص التعامل مع هذه المسألة، لا علي أساس يهتم بالممارسات الطقوسية فقط، و انما علي أساس أداء سلوكي حياتي عبادي متكامل و بعبارة أدق منهج كامل للحياة، تترابط كل مفرداته و مواده مع بعضها ترابطا حيا، متنافسا، منسجما متوازنا لا يطغي فيه جانب علي آخر، (و أنه ليوحد بين شتي ألوان النشاط البشري، فلا يفرقها نشاطات مختلفة، منفلتة، كل واحدة في طريق، فالنشاط السياسي قائم بذاته! و النشاط الاقتصادي قائم بذاته، و النشاط الاجتماعي قائم بذاته، و النشاط الفكري و الروحي قائم بذاته، و النشاط الفني قائم بذاته، كأنما يمكن أن يقوم في الحياة البشرية شي ء منفصل عن شي ء، و كأنما هي خزافات متفرقة، كل واحد منها لها مفتاحها الخاص...) [1] .

لقد أوردنا هنا هذا النص من محاضرة الأستاذ محمد قطب، حيث أن لنا أحاديث معه بخصوص أقواله نفسها عند ما تكلم عن المبررات التي ساقها معاوية، أو التي ساقها هو لمعاوية، و عند ما أكد كاتبنا الكبير أنه انحرف في (المجال السياسي)


فقط، و أن هذا الانحراف في هذا المجال الوحيد فقط، ينبغي أن لا يعطي صورة غير دقيقة لذلك التاريخ، صورة مشوهة ممسوخة [2] .

اذ كيف كان يمكن أن يقع الانحراف في المجال السياسي فقط، لو لم تقع من نفس مستعدة للانحراف لا في هذا المجال فقط، و انما في كل المجالات، و طبيعي أن ذلك الانحراف (و ليس مجرد خطأ واحد بسيط)، عند ما يقع من قبلها، فان ذلك يعني أنها لم تستجب لطبيعة الاسلام الموحدة لشتي ألوان النشاط البشري، فلماذا التكلم اذا عن فصل النشاط السياسي عن بقية النشاطات، عند ما نبحث انحراف معاوية و غيره الواضح في هذا الجانب و عدم ربطه بجوانب الانحراف الأخري، و اهمال تلك الانحرافات و عدم التحدث عنها، و اتهام من يتناولها، بأنه يقوم بذلك بدوافع الميول الشيعية، هذه الاتهامات التي يلجأ اليها كل من يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة، و لا يجد ما يبرر به سلوك من يميل اليه، و ان ادعي الموضوعية و الحياد. و لنا عودة ان شاء الله - الي هذا الموضوع، عند ما نتطرق الي الحديث عما نال الاسلام من شرخ كبير نتيجة انحراف معاوية الفاضح و البين عن خط الاسلام الواضح، مما ظلت تعاني منه هذه الأمة الاسلامية المنكوبة ليومنا هذا.

و الطامة الكبري أن بعض كبار مفكرينا الاسلاميين، عندما يعيدون الحديث عن وقائع ذلك الانحراف و مبرراته، و يتكلمون عنه و كأنه كان نتيجة النزاع أو الخلاف الشخصي بين علي و معاوية، بين شخصين تحفل نفساهما بنفس القدر من عوامل الخير و الشر، و انهما متكافآن من حيث امكانية الوقوع في الخطأ أو تنكب طريق الصواب، و هذا أمر لنا عودة له بعون الله. غير أننا عند ما نستمع الي أقوال مثل هذه (ان قوما من الناس، تهولهم الزوبعة التي غشيت المجتمع المسلم بالنزاع بين علي و معاوية) [3] فان قوله هذا يهولنا حقا، و هو الباحث الرصين، عندما يدعو الي التروي و الدقة و الموضوعية و الحياد، عند كتابة التاريخ، ثم يقوم بتصوير الأمر و كأنه مجرد زوبعة تثار نتيجة صراع بين علي و معاوية. هكذا فقط، و ينبغي أن لا ننزعج منها، و نعتمد علي قوة هذا الدين، التي ستخلصه من النتائج السيئة لهذه الزوبعة الناشئة من الصراع بين هذه الشخصين.


لقد سار الأمر كما أراد معاوية بالضبط، عند ما صور مسألة سعيه لاغتصاب الخلافة من أصحابها الشرعيين، و كأنه خلاف بين شخصين متكافئين قريبين من بعضهما بالنسب و الجاه..! و ان المعركة كانت خاصة بينهما، و لا علاقة للاسلام، و لا حتي للمسلمين بها...! لقد بلغ من (دهاء) معاوية أن كتابا اسلاميين عديدين، مثل كاتبنا الأستاذ محمد قطب، مشهود لهم بالمواقف الجيدة و النظرات الصائبة عند تناول العديد من القضايا الاسلامية المتنوعة، ينخدعون به، فكيف لا ينخدع به السذج و البسطاء الذين لا ينظرون الي الأمور بنفس الدرجة من الدقة و الوعي و العمق.

هذه مسألة رأيت أن أشير اليها هنا اشارة عابرة، عند التحدث عن مسألة الخلافة، و سأتحدث عنها باسهاب، لا يضاح الطريقة الماكرة التي استدرج بها معاوية اعدادهم لتقبل فكرة وجوده خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كأمر طبيعي، و أبعد من ذلك اعدادهم لتقبل فكرة جلوس يزيد علي مقعد الخلافة، و حتي من يأتي بعد يزيد، و هو بحث دقيق سنتطرق اليه في حينه - بعون الله -.


پاورقي

[1] الصراع بين الفکر الغربي و الفکر الاسلامي - محمد قطب - دار الفاروق، الطائف، ص 6.

[2] کيف نکتب التاريخ الاسلامي - محمد قطب - دار الوطن للنشر - الرياض 1412 ه ص 33.

[3] المصدر السابق. ص: 68.