بازگشت

خلط الأوراق


ان مسائل حساسة، لابد أن تبرز و تناقش، عند تناول ثورة الحسين عليه السلام، و ينبغي الانتباه الي أمور عديدة، و أهمها الخطة الماكرة الخبيثة التي لا تزال تنطلي لحد الآن في أذهان الكثيرين و تجد لها قبولا واسعا، اذ أنها بلغت من البراعة و القوة في


الحبك و العرض الي درجة أن دوائر ثقافية و دينية واسعة قد انزلقت اليها و اقتنعت بفحواها، و في مقدمة هذه الأمور، أمر (خلط الأوراق) المحكمة الدقيقة، اضافة لما ذكرناه قبل هذا، فقد صور معاوية وضعه، و هو يخرج علي أميرالمؤمنين عليه السلام و يرفض مبايعته، بأن (النزاع) و (الاختلاف) بشأن الخلافة و الحكم، كان السبب فيه هو علي عليه السلام و أنه خلاف بين (جبهتين). جبهة علي و من والاه و شايعه، و جبهة الخلفاء الثلاثة الذين تولوا الحكم بعد رسول الله، و رابعهم معاوية و من يأتي بعده بلا شك، و استند معاوية في حيثياته عند عرض قضيته - بأن الامام عليا عليه السلام لم يكن له أي حق خاص في الخلافة، و لم يوص به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، طالما أن آخرين قد نافسوه منذ البداية، و أنه كان يحسدهم و يبغي عليهم، و أنه - أي معاوية - لم يفعل الا ما فعله السابقون من الخلفاء. و أنه لا يقل قدرة و كفاءة عنهم، و أنه مظلوم مثلهم، اذ ينافسه علي عليه السلام، الذي كان من شأنه دائما أن ينافس الآخرين (المؤهلين) لمثل هذا (المنصب)، و قد راح يتهم الامام علنا بذلك، و قد أجابه الامام عليه السلام بقوله: (.. و زعمت أني لكل الخلفاء حسدت، و علي كلهم بغيت. فان لم يكن ذلك كذلك، فليس الجناية عليك، فيكون العذر اليك، و تلك مشكاة ظاهر عنك عارها...) [1] .

و سنعرض بعض النصوص، التي تؤكد سعي معاوية لتأكيد هذا الايحاء لدي الناس. لقد أراد أن يضم نفسه الي جبهة عريضة مقبولة لدي فئات كبيرة من المسلمين، فراح يدعم موقف من سبقوه و يؤكد أفضليتهم علي علي عليه السلام حتي يدعم موقفه هو، ليكون مدعما و مبرورا و مشروعا، و موقف علي عليه السلام هو الموقف الخاطي ء، و قد أنف أميرالمؤمنين من الرد عليه بهذا الخصوص - كما رأينا - و رأي أنه ليس معنيا بالأمر حتي يروح يعتذر اليه و يبرر تصرفاته أمامه، و قد أجابه برسالة أخري مستهينا به و بتصديه لأمور الأمة، قائلا (... و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس؟ و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز بين المهاجرين الأولين و ترتيب درجاتهم و تعريف طبقاتهم، هيهات لقد حن قدح ليس منها، و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها. ألا تركع أيها الانسان علي ظلعك و تعرف قصور ذراعك) [2] .



پاورقي

[1] نهج‏البلاغة / الامام علي بن أبي‏طالب / شرح الشيخ محمد عبده / دارالبلاغة / بيروت ط 1985 - 2 صد 549.

[2] نفس المصدر 546.