بازگشت

ستون شهيدا


لقد جاء في كتاب عيون اخبار الرضا ص 109 ان حميد بن قحطبة الطائي الطوسي قال: طلبني الرشيد في بعض الليالي وقال لي فيما قال: خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به الخادم فجاء بي الخادم الي دار مغلقة ففتحها واذ فيها ثلاثة بيوت وبئر ففتح البيت الأول وأخرج منه عشرين نفسا عليهم الشعور والذوائب وفيهم الشيوخ والكهول والشبان وهم في السلاسل والاغلال وقال لي: يقول لك امير المؤمنين اقتل هؤلاء وكلهم من ولد علي وفاطمة بنت محمد (ص) فقتلتهم الواحد بعد الواحد والخادم يرمي رؤوسهم وأجسامهم في البئر، ثم فتح البيت الثاني واذا فيه ايضا عشرون من نسل علي وفاطمة وكان مصيرهم كمصير من تقدمهم، ثم فتح البيت الثالث واذا فيه عشرون من ابناء علي وفاطمة فألحقتهم بمن سبقهم وبقي منهم شيخ فقال: تباً لك يا ميشوم أي عذر لك يوم القيامة عند جدنا رسول الله، فارتعشت يدي وارتعدت مفاصلي فنظر الي الخادم مغضباً وهددني فقتلت الشيخ ورمي به في البئر كما فعل بأصحابه.

وجاء في مقاتل الطالبيين عن ابراهيم بن رياح ان الرشيد حين ظفر بيحيي بن عبدالله بن الحسن بني عليه أسطوانة وهو حي كما كان يفعل جده المنصور معهم، وأضاف الي ذلك مؤلف أخبار عيون الرضا: ان المنصور لما بني الابنية ببغداد جعل يطلب العلويين طلباً شديدا ويضع من ظفر به منهم في الاسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه اسود الشعر من ولد الحسن بن علي (ع) فسلمه الي الباني وأمره ان يجعله في جوف اسطوانة ويبني عليه ووكل من يراقبه في ذلك وحين اراد الباني ان يدخله حيا الي الاسطوانة اخذته الرقة والشفقة فأدخله الاسطوانة وترك فيها فرجة صغيرة يدخل منها الهواء وقال للغلام لا بأس عليك فاجر فاني سأخرجك في جوف الليل، وفي الليل جاءه وأخرجه وقال له اتقي الله في دمي وغيب وجهك فاني قد اخرجتك خوفا من ان يكون جدك خصمي يوم القيامة، فقال له الغلام: سأفعل ولكن أريد منك ان تذهب الي امي وتخبرها بأني قد نجوت، فذهب الباني الي الموضع الذي وضع له فسمع فيه البكاء والنحيب فدخله وأخبرها بنجاة ابنها.

وطلب الرشيد يحيي بن عبدالله بن الحسن وكان قد فر منه الي الديلم واجتمع عليه الناس وأخيرا استسلم الي الرشيد بعد ان اعطاه الامان والعهود بأن لا يمسه بسوء ولكنه لم يف بعهوده ولا بمواثيقه وقتله بفتوي بعض الشيوخ الذين أفتوه بأن عهوده لا يجب الوفاء بها وحبس محمد بن يحيي بن عبدالله وقتله في حبسه كما ضرب الحسين ابن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر ضربا مبرحا حتي مات ودخل عليه احد العلويين من نسل الحسين (ع) فقذف هارون امه فرد عليه العلوي بالمثل فأمر جلاديه بقتله فضربوه بعمود من حديد فمات لأول ضربة وأخيرا لم يستطع ان يري الإمام موسي بن جعفر طليقا يتابع رسالته والشيعة يزدحمون علي بابه فأرسل جلاوزته اليه وهو الي جانب قبر جده رسول الله فأخرجوه ووضعوا سلاسل الحديد في يديه ورجليه وأرسله الي البصرة وكان عليها عيسي بن جعفر بن المنصور فوضعه في سجنه سنة كاملة فانصرف الي العبادة فكتب عيسي بن جعفر الي الرشيد: اني قد اجتهدت ان آخذ عليه حجة فما قدرت علي ذلك وما وجدته خلال هذه المدة الا صائماً مصليا فان لم تستلمه خليت سبيله، فاستدعاه الرشيد ووضعه في سجون بغداد وأخيرا دس اليه السم القاتل بواسطة السندي ابن شاهك، الي غير ذلك من الجرائم التي ارتكبها مع العلويين هو وغيره ممن حكم بعده من العباسيين وقد عرضت بعض الجوانب من سيرتهم مع العلويين أحياء وأمواتا بنحو لم يسبقهم اليه الامويون من قبل خلال حديثنا عن المآتم الحسينية في الفصل السابق ويجد المتتبع لتاريخ الحاكمين في تلك العصور عشرات الشواهد علي ان العباسيين كانوا أشد علي ابناء عمومتهم العلويين من الأمويين وغيرهم من الحاكمين لانهم لم يستطيعوا بسط هيبتهم الا بنسيان العفو واستعمال العقوبة كما قال المنصور لابن عمه عبد الصمد بن علي بن عبدالله.

ومن مجموع ذلك يتبين ان الانسان مهما بلغ من المرتبة والعظمة اذا لم يكن معصوما مسير لمصالحه وأهوائه والمصالح وحدها هي التي تكيفه وتخلق منه بعد وجودها انسانا اخر ويتحول من حقيقته قبل الحكم وغيره من المصالح الي حقيقة اخري بعد ان يصبح حاكما.

لقد انحدر الامويون والهاشميون من اب واحد وأم واحدة ولما شب وترعرع هاشم ونبغ من بين اخوته وبخاصة أمية صاحب الطموح استحكم الصراع والعداء بينه وبين هاشم علي الزعامة ومضي يتصاعد مع الزمن واتساع شهرة هاشم الي ان اصبح العداء أصيلا بين الحيين، وبعد ان ظهر محمد بن عبدالله (ص) برسالته ودعوته اتسع العداء بين الحيين واكتسب أبعاداً جديدة لان الاسلام يقضي علي جميع امتيازات الحزبين القرشي والأموي، وبلا شك لو ان قريشاً وجدت ان الإسلام لا يتعارض مع مصالحه لم تقف منه ذلك الموقف، ولو ان عليا (ع) صاحب الحق الشرعي في الخلافة وقف من المهاجرين الذين استولوا علي الخلافة بعد وفاة النبي (ص) موقفاً أشد صرامة واستمر عليه لوقفوا منه نفس الموقف الذي وقفه الحزب الاموي منه ومن ولديه الحسن والحسين وشيعتهم، ولكنه كان مسيرا لمصلحة الإسلام وقد وجد ان مصلحة الإسلام تفرض عليه ان يهادن ويسالم ويقف الي جانبهم لإرساء قواعده وانتشاره، وما كان من الامويين معه ومع ولديه وشيعتهم لم يكن من اجل العداء المستحكم بين الحيين بل من اجل الملك والحكم الذي يغير حقيقة الانسان قريباً كان او بعيداً، وبلا شك فان البيت العباسي كان علي وفاق تام مع البيت العلوي وكان يحس بأحاسيسهم ويتلوي لما اصابهم من الامويين والزبيريين، وحينما تجسدت له الآمال بالوصول الي السلطة والحكم وانهارت دولة الأمويين وتمت البيعة للسفاح تصوروا ان خطر ابناء عمومتهم علي ملكهم من أشد الاخطار ومن اجل ذلك تتبعوهم بالقتل والتشريد وقتل منهم المنصور وحده الفا ويزيدون ولو كان الحسين ابن علي موجودا في عهدهم لقتلوه وأصحابه ونساءه وأطفاله ومثلوا بهم كما كانوا يصنعون مع الأمويين ولو حكم العلويون من ابناء الحسن والحسين فلا أستبعد ان يصنعوا مع من يخافون منهم علي حكمهم ما كان يصنعه معهم ابناء عمومتهم لان لمصالح وبخاصة ما كان منها من نوع الحكم والزعامة هي التي تكيف الانسان علويا كان او أمويا وتجعل منه انسانا اخر ما لم يكن معصوما او حائزاً علي مرتبة عالية من العدالة تجعله قادراً علي التحكم بميولة وأهوائه وحتي ان الزعيم الدين لا يبقي علي ما كان عليه قبل الزعامة ويصبح وكأنه انسان اخر بالقياس الي ما كان عليه قبل زعامته ومن اجل ان الانسان حينما يصل الي الحكم والسلطة يصبح انسانا اخر مسيرا لمصالحه كانت العصمة او المرتبة العليا من العدالة من الضرورات الاولية التي لا بد منها في الحاكم.

وسلام الله علي الامام الصادق الذي قال: والله ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم باشد فتكا في تلك الزريبة من فتك الجاه والمال في دين المسلم. وصدق من قال:



والظلم من شيم النفوس فان تجد

ذا عــــفـــة فــلعــــلــــة لا يظـلــم