بازگشت

المرقد الزينبي في القاهرة وضاحية الشام


الظاهر ان هذين المرقدين كما لعله اقرب الاحتمالات وبخاصة بالنسبة الي المرقد المصري، ان احدهما وهو الموجود في ضاحية الشام وفي المكان الذي يعرف حاليا بقرية الست هو لزينب بنت عبدالله الاصغر بن عقيل من زوجته أم كلثوم الصغري بنت امير المؤمنين ومن غير فاطمة الزهراء (ع) [1] ، والمرقد الزينبي الموجود في محلة الفسطاط عند قناطر السباع من القاهرة الذي يقدسه المصريون ويقصدونه من سائر الجهات ويبذلون الاموال الطائلة في سبيله تقريبا الي الله تعالي هو لزينب بنت يحيي المتوح بن الحسن الانور بن زيد بن الحسن السبط (ع) ولأجل وضع هذا الظن موضع الاعتبار والعناية وحتي لا يكون كغيره من الاقوال العابرة حول هذا الموضوع، لا بد من المرور ببعض الجوانب عن حياة الحسن الانور وابنته السيدة نفسية المعروفة عند المصريين بكريمة الدارين.

لقد ذكر جماعة من المؤلفين في احوال اهل البيت ومن بينهم المؤلف المصري توفيق ابو علم رئيس ادارة مسجد السيدة نفسية ووكيل وزارة العدل الصادر بتاريخ 1970، فلقد عد في كتابه المذكور كغيره من جملة اولاد الحسن زيد بن الحسن السبط ووصفه بكرم الطبع وجلالة القدر وكثرة البر والإحسان وان الناس كانوا يقصدونه من جميع الآفاق طمعا في بره واحسانه وانه كان يتولي صدقات رسول الله (ص) وبقيت في يده الي ان جاء للحكم سليمان بن عبد الملك فعزله عنها وأرجعها اليه عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي العادل، ومضي يقول: ان محمد بن بشير الخارجي كان من جملة الشعراء الذين مدحوه وقال فيه:



اذا نــزل ابن المصطفي بطن تلعة

نفي جدبها واخضر بالنبت عودها



وزيد ربــــيع الناس في كـل شتوة

اذا اخـفقـــــت انـواؤها ورعـودها



وقد توفي زيد بن الحسن وله من العمر تسعون عاما وبكاه الناس ورثاه عدد من الشعراء، ومن اولاده الحسن الانور، وكان من علماء اهل البيت المبرزين وولاه ابو جعفر المنصور العباسي سنة 150 هجرية امارة المدينة بعد ان عزل عنها جعفر بن سليمان وبقي علي المدينة لسنة 65 فعزله عنها لوشاية عليه بأنه يساند الثوار العلويين لإعادة الخلافة اليهم ووضعه في حبسه الي ان جاء ولده المهدي الي الحكم فأخرجه من الحبس، وكان معروفا بالصلاح والتقوي والبر والاحسان ومستجاب الدعاء علي حد تعبير المؤلف.

وقد تخلف الحسن الانور كما يدعي توفيق ابو علم بتسعة ذكور وبنتين وهما نفيسة وأم كلثوم ومن اولاده الذكور يحيي المتوج، واشتهرت نفيسة من بين اولاده بالزهد والصلاح والمعرفة وكانت تلقب بنفيسة الدارين ونفيسة العلم والطاهرة والعابدة، ولما بلغت سن الزواج خطبها العلماء والاشراف من شباب العلويين وفتيانهم، فكان والدها يأبي عليهم ويردهم ردا جميلا، وحينما خطبها اسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) زوجها اياه وذلك سنة 161 وكان من المعروفين بالفضل والصلاح والخير ومن المحيطين بأحاديث ابيه وأجداده كما وصفه المقريزي في خططه وأولدها ولدين القاسم وأم كلثوم، ومن نسل القاسم السادة بنو زهرة في حلب ونواحيها [2] .

ورحلت السيدة نفيسة الدارين مع زوجها من المدينة الي القاهرة وفي طريقها الي القاهرة مرت علي دمشق الشام وزارت فيها بغوطة دمشق مقام السيدة زينب بنت ام كلثوم بنت امير المؤمنين وأم كلثوم هذه هي المعروفة بالصغري من بنات امير المؤمنين ومن غير فاطمة الزهراء وكانت زوجة لعبدالله الاصغر بن عقيل بن ابي طالب كما جاء في ص 286 من المجلد الثاني تاريخ الخميس والظاهر ان زينب التي زارت قبرها نفيسة هي ابنتها لان أم كلثوم الكبري ابنة الزهراء كانت زوجة لعمر بن الخطاب وقد اولدها ولداً سماه زيدا وبعد وفاة ابن الخطاب عنها تزوجها محمد بن عبدالله بن جعفر ولم تنجب منه كما جاء في تاريخ الخميس [3] .

ثم زارت قبر عمتها فاطمة بنت الحسن بن علي (ع) وقبر فضة جارية الزهراء (ع) وقد استقبلها جمهور كبير من اهالي دمشق وعلمائها مرحبين بقدومها، وبعد دخولها دمشق بأيام قليلة رحلت منها الي القاهرة ودخلتها في شهر رمضان سنة 193 قبل ان يدخلها الشافعي بخمس سنين فاستقبلها المصريون رجالا ونساء احسن استقبال ونزلت دارا لاحد التجار الكبار وأخيرا استقرت في البيت الذي أعد لها مع زوجها وراح الناس بمختلف فئاتهم يترددون عليها وعلي زوجها يأخذون عنهما العلم والحديث واستفادوا من علمهما واستمر الناس يتدفقون عليهما وأصبحت رمزا للطهر والقداسة في تلك الديار.

ولم يكن لاخيها يحيي المتوج سوي بنت واحدة تدعي زينب وكانت قد رحلت مع ابيها الي مصر وحينما دخلتها عمتها وغمرتها بعطفها وحنانها وعلقت بها وأبت ان تتزوج من احد بالرغم من توافد الخطاب علي ابيها ولازمت عمتهاولاقت من عطف عمتها عليها والاحسان اليها ما جعلها تتفاني في خدمتها وتسهر علي حوائجها لمدة طويلة من الزمن وبخاصة بعد ان بلغت من العمر سنا أقعدها عن القيام بأكثر حوائجها.

وروي عنها ابو علم انها كانت تقول: لقد خدمت عمتي نفيسة اربعين سنة فما رأيتها تامت بليل ولا أفطرت في نهار الا في العيدين وأيام التشريق.

ومضت تقول كما جاء في ص 540 من كتاب ابو علم وكيل وزارة العدل المصرية: كانت عمتي نفيسة تحفظ القرآن وتفسيره وتقرأه وتبكي وكنت اجد عندها ما لا يخطر بخاطري ولا اعلم من يأتيها به فكنت أتعجب من ذلك فتقولي لي: يا ابنة اخي من استقام مع الله كان الكون بيده وفي استطاعته.

ويدعي توفيق ابو علم في كتابه اهل البيت بأن للسيدة نفيسة عشرات الكرامات التي لا تجوز علي غير الانبياء والصديقين ومن عباده الصالحين وهي جائزة عقلا ومن جملة الممكنات التي لا تستحيل علي القدرة الالهية وقد غمر الله سبحانه آل بنت نبيه بفضله وشملهم بفيوضاته حتي ظهرت علي ايديهم الكرامات وتتابعت علي الناس منهم البركات والنفحات من اجابة الدعوات وكشف الكربات وقضاء الحاجات، وأضاف الي ذلك ان علماء اهل السنة قد اتفقوا علي جوازها واختص بها الله من أحب من عباده وأوليائه وأصفيائه آل بيت نبيه الطاهرين.

وبقيت السيدة نفيسة في القاهرة نحوا من عشرين سنة ولما جاء أجلها علي اثر مرض ألمّ بها احتضنتها ابنة اخيها زينب بنت يحيي وتوفيت في حضنها سنة 208 وكانت قد أعدت لنفسها قبراً فدفنت فيه وراح الناس بعد ذلك يعدون قبورهم حولهاتبركا بمرقدها وفي سنة 544 أمر الحافظ لدين الله ببناء قبة علي قبرها ولا تزال من اعظم المزارات عند المصريين، وكان اخوها يحيي قد توفي قبلها في مصر وقبره لا يزال من المقدسات عند المصريين يتبركون به ويتوسلون الي الله في قضاء حوائجهم، وبعدهما توفيت زينب بنت يحيي ودفنت بجوار قبر عمرو ابن العاص، ومضي ابو علم يقول: وكان اهل مصر يأتون لزيارة قبرها من كل فج، وحتي ان الظاهر الخليفة الفاطمي كان يأتي لزيارتها ماشيا علي قدميه ومعه جمهور من الناس، وأضاف الي ذلك ان النيل توقف في بعض السنين عن الجريان فتوسل المصريون بقبرها الي الله فجري النيل علي عادته، الي غير ذلك مما جاء في كتابه عن نفيسة الدارين وابنة اخيها زينب.

بعد هذه اللمحات عن حياة السيدة نفيسة حفيدة الحسن السبط (ع) يمكن القول بأن المرقد المنسوب لزينب العقيلة في مصر والذي لا يزال المصريون يقدسونه ويعظمونه هو لزينب بنت يحيي المتوج وبتعاقب العصور والاجيال اصبح ينسب لزينب العقيلة لانها اشتهرت من نساء العلويين الأوائل وأصبح اسمها مقرونا باسم اخيها الحسين (ع) بعد معركة الطف وتحدث الكتاب والمؤلفون عن مواقفها الخالدة من تلك المجزرة وما رافقها والالفاظ المشتركة تنصرف في الغالب الي أكمل الافراد وأكثرها شيوعا، وبلا شك فان أكمل الزينبيات وأعلاهن شأنا هي زينب العقيلة، كما يحتمل ان يكون للفاطميين ضلع في نسبة ذلك المرقد لها ونسبة المرقد الثاني لرأس اخيها الحسين وهم الذين اشاعوا بأن الرأس كان مدفونا في عسقلان ونقلوه الي القاهرة وراحوا يعظمون المرقدين لاسباب سياسية أو لغيرها.

امام المرقد الموجود في ضاحية الشام وفي بلدة الست بالذات الذي زارته السيدة نفيسة في طريقها الي مصر فليس لزينب الكبري عقيلة الطالبيين وبطلة كربلاء كما هو الراجح، ومن الجائز ان يكون لزينب بنت عبدالله الاصغر بن عقيل من زوجته أم كلثوم الصغري ابنة امير المؤمنين (ع) من غير الزهراء وهي ليست بأم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب وأولدها ولده زيدا، وهذه قد تزوجت بعد ابن الخطاب من محمد بن جعفر ولم تنجب منه وهي شقيقة الحسين لأمه وأبيه.

ومهما كان الحال فلا يمكن الجزم بشيء حول واقع تلك المراقد، وأعود لأكرر ما ذكرته سابقا من ان المراقد التي يقدسها الشيعة وبقية المسلمين المعتدلين لا يقدسونها الا بصفتها رمزا لمن تنتسب اليه وتقديرا لما كان يتمتع به من القيم والمثل العليا والجهاد والتضحيات في سبيل المبدأ والعقيدة، لا للبناء والأحجار المزخرفة والنفائس التي فيها، وسواء كانت رفات ذلك الشخص صاحب تلك الفضائل في داخل ذلك المرقد او لم تكن في واقع الامر، فمادام يرمز اليه فان زيارته والتوسل به الي الله سبحانه من الأمور الراجحة وتعظيما للدين وللقيم التي كان ذلك الشخص يجسدها ويستهين بحياته من اجلها.

ان الزائر حينما يتجه الي المسجد الذي فيه مقام رأس الحسين في القاهرة ومقام السيدة زينب في ضاحية الشام وفي محلة الفسطاط من القاهرة انما يتجه بقلبه وأحاسيسه لمن ترمز اليه تلك القباب الشامخة اي لرأس الحسين وللسيدة زينب وان لم تكن في واقع الأمر قد ضمنت رفاتهما، وليس بغريب علي الله سبحانه اذا سبحانه اذا استجاب للموالين لأهل البيت علي والزهراء ومن تناسل منهما من الائمة الاطهار والصلحاء الابرار الذين عناهم النبي (ص) بقوله، كما جاء في رواية ابي بكر بن ابي قحافة انه قال: رأيت رسول الله (ص) قد خيم خيمة وهو متكيء علي قوس له عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين وهو يقول: معاشر المسلمين انا سلم لمن سالم اهل هذه الخيمة وحرب لمن حاربهم وولي لمن والاهم لا يحبهم الا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم الا شقي الجد رديء الولادة [4] .

ليس بغريب اذا اجار الله من استجار بمراقدهم واستجاب لمن توسل اليه بهم في قضاء حوائجه لانهم قد بذلوا انفسهم وكل ما يملكون في سبيل وتركوا الدنيا ومتعها ونعيمها بعد ان اصبحت تحت أقدامهم من اجل اعلاء كلمة الله وخير الناس أجمعين، ورحم الله القائل في وصفهم:



هم القوم من أصفاهم الود مخلصا

تمسك فــــي اخراه بالسبب الاقوي



هـم القــــوم فاقوا العالمين منـاقباً

محـاسنهم تحــــكي وآياتهم تـــروي



موالاتهم فــــرض وحبــــهـم هــدي

وطـاعــــتهـم ود وودهـم تــــقـــوي




پاورقي

[1] لقد نص في تاريخ الخميس ص 286 من المجلد الثاني ان عبدالله الاصغر کان متزوجا من أم کلثوم الصغري بنت امير المؤمنين، وجاء في اهل البيت لابي علم ان زينب الشام هي ابنة أم کلثوم کما سنتعرض لذلک خلال هذا الفضل وهي غير أم کلثوم التي تزوجها ابن الخطاب ومات عنها.

[2] انظر ص 283 و284 و538 لتوفيق ابو علم.

[3] انظر ص 285 و286.

[4] اهل البيت لابو علم ص 8.