بازگشت

مع الوهابيين بمناسبة الحديث عن مرقد العقيلة


بهذه المناسبة وقبل الخوض في تفاصيل ما قيل حول مرقدها ونظرا لان الوهابيين يرون تشييد قبور الاولياء وزيارتها من انواع الشرك ولا يزالون يواصلون حملاتهم المسعورة علي الشيعة رأيت نفسي مدفوعا الي هذه الوقفة القصيرة معهم لأعود بعدها الي مواصلة الحديث عن مرقدها الذي تضاربت الآراء حوله، لان السكوت الذي التزمناه عن اولئك المسعورين حرصا منا علي وحدة الصف لم يضع حدا لعدوانهم بل زادهم امعانا في البغي والعدوان والتعامل مع الشيعة بأسوأ من معاملتهم لغير المسلمين كما سنقدم بعض الارقام علي ذلك.

ان حماة الحرمين يحافظون علي معابد السنة ومقابرهم ويبذلون لتشييدها وترميمها الملايين من الدولارات ونحن نبارك عملهم هذا لو كانوا لا يميزون بين مسجد ومسجد ولا بين مقبرة ومقبرة ولكنهم ومع الأسف الشديد لا يبذلون قرشاً واحداً علي مساجد الشيعة ومعابدهم ويتتبعون قبور صلحائهم وأوليائهم بالهدم والتخريب ويدعون بأن تشييد قبور الانبياء والائمة من ذرية الرسول كفر وشرك بالله مع العلم بأن الشيعة انما يحترمون قبور الانبياء والائمة باعتبارها رمزا لمن حل بها من اولئك الذين ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل الله والإسلام والمستضعفين في الأرض وكانوا ثورة علي الشرك والظلم والعدوان ومن اجل الانسان وكرامة الانسان.

ولم يكتف الوهابيون بذلك بل يعاملون الشيعة بأسوأ مما يعاملون به الكفار والمشركين بالله كما ذكرنا فلا يقبلون شهادة الشيعي علي غيره مهما بلغ من الدين والتقوي ويقبلون شهادة السني والبدوي عليه ولو خرجا من نوادي القمار وموائد الخمور ومن بين أحضان البغايا والمومسات في حين ان الشيعة يقبلون شهادة البدوي والقروي والنجدي علي الشيعي وغيره اذا كان الشاهد عادلا ملتزما بفعل ما أمر الله به وترك ما نهي عنه، هذا مع العلم بأن الحنابلة الذين يعمل الوهابيون بفقههم لا يقبلون شهادة البدوي علي القروي ويقبلها الوهابيون اذا كان البدوي نجديا والقروي من خارج نجد [1] .

ان الوهابيين يفرقون بين الشيعي وغيره في اكثر الاحكام الشرعية ويحاربون جميع الآثار الشيعية ويبذلون ملايين الدولارات للدس والكذب علي الشيعة وأئمة الشيعة الذين بذلوا حياتهم وجميع ما يملكون في سبيل الإسلام والمسلمين ولم يفرقوا بين فئة وفئة ولا فريق وفريق ما دام الجميع يشهدون لله بالوحدانية ولمحد بالنبوة والرسالة.

انهم يتعاملون مع الشيعة بنفس الروح التي كان يتعامل بها معهم الامويون والعباسيون ويراقبون جميع تحركاتهم وتصرفاتهم حتي وكأنهم من ألد اعداء العرب والإسلام ولم يأخذوا بأي أثر من آثار اهل البيت التي تجسد اسلام محمد بن عبدالله ويمنعون جميع الكتب الشيعية القديم منها والحديث من الدخول للبلاد التي يحكمونها في شبه الجزيرة العربية ويحظرون علي بائعي الكتب استيراد جميع المؤلفات الشيعية التي تتحدث عن الدين والاخلاق الاسلامية والادب والفلسفة والتاريخ وما الي ذلك من المواضيع الاسلامية مع العلم بأن اصحاب تلك المؤلفات يحملون روحا اسلامية صادقة تدافع وتناضل عن كل من ينتسب الي الإسلام حتي ولو لم يكن شيعيا، ولا يتعرضون في مؤلفاتهم للعائلة الحاكمة ولا لسياستهم وسيرتهم واسرافهم في اللهو والمنكرات كما تتحدث عنهم الصحف ووكالات الانباء العالمية والاجنبية ولا ذنب للشيعة الا انهم يوالون اهل بيت نبيهم محمد بن عبدالله (ص) الذين أمر الله بمودتهم كما جاء في الآية لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي وأكدته عشرات النصوص التي روتها مجاميع الحديث السنية وصحاحهم.

انهم يمنعون الكتب الشيعية ومؤلفات الشيعة القديم منها والجديد من الدخول لبلادهم ويعاقبون من يستوردها ويقتنيها ويقتنون ويستوردون كتب الفسوق والفجور والخلاعة والمستشرقين من اعداء الاسلام والكتب التي تعلم الناس الفوضي والفساد والكفر والالحاد، والتي تعود بالحياة مئات السنين والاعوام الي الوراء، ويحاربون الكتب التي تدعو الي الاسلام وتدافع عنه وتحث علي العمل بكتاب الله وسنة نبيه رسول الرحمة والحرية والكرامة.

ان شيوخ الوهابية في اواخر القرن العشرين يحكمون بعدم صحة زواج السنية من الشيعي الموالي لعلي وآل بيت نبيهم محمد بن عبدالله رسول الرحمة والعدالة والمحبة كما يحكمون بعدم صحة زواجها من المشركين.

فقد جاء في جريدة الجزيرة السعودية عدد 3105 تاريخ 14 شباط سنة 1981 ـ 10 ربيع الثاني 1401 جاء فيها سؤال موجه الي احد شيوخ الوهابية من شخص يدعي حسين حاجي في الرياض يسأل فيه ما حكم زواج السنية من الشيعي. ويقول الشيخ الوهابي في جوابه كما جاء في الجريدة المذكورة: لا يجوز زواج السنية من الشيعي ولا يقبل هذا الزواج ويفسخ اذا حصل ويعاقب من يفعل ذلك لان اهل السنة والجماعة طريقهم معروف في القول والعمل والاعتقاد والشيعة طريقهم معروف ولا مقاربة بينهما لا في الاصول ولا في الفروع.

بهذه الصلافة والوقاحة والجرأة علي الله ورسوله يتكلم احد شيوخ الوهابية ويحكم بفساد عقد النكاح اذا وقع بين سنية مسلمة وشيعي ومسلم وبفسخه ومعاقبة من يفعل ذلك، وينطلق شيخ الوهابيين لجوابه هذا وهو في اواخر القرن العشرين من ان الشيعة لا يلتقون ولو من بعيد مع اهل السنة لا في أصول الاسلام ولا في فروعه.

وهذا الجواب وان كان من نوع اللغو والهذيان ولا يستحق غير السخرية، ولكني اري لزاما علي ان اقول لهذا الشيخ ولغيره من شيوخ السوء الحاقدين علي اهل البيت وشيعتهم والذين يتكلمون بلغه الامويين وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، ان أصول الاسلام عند الشيعة هي توحيد الله الواحد الاحد وعدله ونبوة محمد بن عبدالله والمعاد، وفروع الاسلام هي الصلاة والصيام والحج والزكاة وجهاد الكافرين والظالمين المستهترين بأحكام الله وحقوق الناس وكرامتهم وهذه الاصول والفروع يجب الالتزام بها علي كل بالغ عاقل قولا وعملا والشيعة يعتقدون بأنهم يلتقون مع اخوانهم اهل السنة في أصول هذه المبادئ والاعتراف بها وعلي اساس ذلك فهم يزوجون اهل السنة من بناتهم ويتزوجون بنات اهل السنة.

واذا كان المذهب الوهابي الذي قيل عنه في جميع الاوساط السنية بأنه بدعة ولا يزال هذا الوصف شائعا عنه بين أهل السنة إلي جانب قولهم بأنه لا يمت إلي الإسلام بسبب، إذا كان المذهب الوهابي لا يعترف بهذه الفروع والاصول أو ببعضها فلا مقاربة بين الشيعة والوهابية كما يدعي فضيلة الشيخ الوهابي، والشيعة بناء لذلك لا بد وأن يلتزموا بأنه لا يصح زواج الشيعية من الوهابي وإذا وقع بينهما زواج يفسخ الزواج ويعاقب من يفعل ذلك، ويجب أن يعلم فضيلة الشيخ الوهابي الذي يكفر الشيعة لأنهم يوالون اهل البيت (ع) انه لولا المليارات التي تتدفق علي البلاد الإسلامية من السعودية لكان المذهب الوهابي بدعة بنظر اكثر علماء السنة ومفكريهم، وقد سبق لعلماء السنة قبل ان يظهر البترول في تلك البلاد وفي عهد ابراهيم باشا بالذات الذي ملك بلادهم ودخل عاصمتهم الدرعية ان حكموا علي المذهب الوهابي بذلك وعلي اساسه قتل ابراهيم باشا نحوا من خمسمائة من علمائهم وفقهائهم.

فقد جاء في كتاب ابراهيم باشا للمستشرق (بيير كربيس) ص 40 طبعة سنة 1937 جاء فيه انه لما تغلب ابراهيم باشا علي السعوديين وملك بلادهم ودخل عاصمتهم الدرعية وخضع له جميع أمراء البيت السعودي استدعي رجال الدين والفقهاء السعوديين وكان عددهم خمسمائة وقال لهم ك لقد احضرت معي من القاهرة جماعة من اكابر العلماء السنيين أريد أن تجتمعوا بهم وتبحثوا اسباب الخلاف المستحكم بين عقائدكم وعقائد اهل السنة من المسلمين، فاجتمع الفريقان نزولا عند امره وظل خطباؤهم ثلاثة ايام كاملة يتناقشون في الفروق الدقيقة بين المذهبين وابراهيم باشا معهم يستمع لأقوال الفريقين ولما لم يتوصلوا الي نتيجة حاسمة أقفل باب الجدل وتوجه بالسؤال الي كبير مشايخ الوهابيين وقال له:

هل تؤمن بأن الله واحد وان الدين الصحيح هو دينكم وحده فقال له الشيخ: اني أؤمن بذلك، فقال له ابراهيم باشا: ما رأيك في الجنة ايها الخنزير وما عرضها علي حد تعبير المؤلف، فقال له الشيخ: عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين، وهنا قال له الباشا: اذا كان عرضها كعرض السموات والارض وأنت وأصحابك تظللكم شجرة واحدة من شجراتها فلمن تكون المساحة الباقية ولماذا جعلها الله بتلك السعة اذا كنتم وحدكم من اهلها كما تدعون، فأفحم الشيخ وبان عليه الفشل والانكسار فأمر ابراهيم باشا جنوده بقتلهم عن آخرهم فلم تمض سوي دقائق معدودة حتي كان مسجد الدرعية مقبرة لجميع اولئك الفقهاء [2] .

ان ما فعله ابراهيم باشا بفتوي فقهاء السنة لا يقره المذهب الشيعي ولا يكفر فقهاء الشيعة احدا من اهل القبلة سواء في ذلك الوهابيين وغيرهم ما لم ينكروا اصلا من أصول الإسلام وفرعا من فروعه او يعلن ارتداده عن الإسلام وان كان الشيخ الوهابي وغيره من شيوخ السوء يعتبرون الشيعة كغيرهم من المشركين والكافرين كما يقتضيه حكمهم بعدم جواز تزويجهم من السنيات.

ويجب ان يعلم شيوخ الوهابية بأن الشيعة يؤمنون بالله الواحد الاحد الذي لا شبيه له ولا ولد وبنبوة محمد بن عبدالله وبكل ما جاء به من عند الله ويعتبرون الصلاة والصيام والزكاة وجهاد الكافرين والمفسدين في الارض والظالمين من أركان الإسلام ومن أنكر شيئاً من ذلك فهو بحكم الكافرين والمشركين عندهم ويفرضون علي الرجال والنساء ان يتعلموا أصول دينهم وفروعه كما يكفرون القائلين بالتجسيم والتشبيه والحلول والاتحاد من فرق المسلمين كما يجب ان يعلم شيوخ الوهابية ان الخلافات الواقعة بين السنة والشيعة في الأصول والفروع ليست بأكثر ولا اسوأ من الخلافات الواقعة بين الفرق السنية العقائدية والمذهبية وان الخلاف بين السنة والوهابيين قد بلغ اقصي حدوده ومن اجل ذلك فقد عدهم اهل السنة من اصحاب البدع وأباد فقهائهم ابراهيم باشا بفتوي علماء السنة كما ذكرنا ولكن ذلك قد كان قبل ظهور البترول في بلادهم.

ومع ان الشيعة لم يقفوا في يوم من الأيام من الوهابيين موقف اهل السنة منهم فالشيعة قد كانوا ولا يزالون مستهدفين لحملاتهم المسعورة وتدرس حكومة الوهابيين في مدارسها الرسمية كتب المستأجرين الذين يزوّرون التاريخ ويفترون علي اهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس كما نصت علي ذلك الآية الكريمة والذين جعلهم النبي كسفينة نوح لا ينجو الا من تمسك بهم كما روت ذلك اكثر مجاميع الحديث السنية وفي السنة الماضية اصدرت وزارة الاوقاف كتابا للجبهان اسماه تبديد الظلام وتنبيه النيام ووزعته مجانا في البلاد الإسلامية مشحونا بالكذب والافتراء علي الشيعة وأئمة الشيعة والسباب والشتائم لعلمائهم ومؤلفيهم وبلغت به الوقاحة والصلف ان تناول فيه امام المسلمين والاستاذ الاكبر لقادة فقهاء المذاهب الاسلامية الارعبة كما يعترف بذلك اهل السنة في مؤلفاتهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ووصفه بالماصونية وانه هو الذي وضع أصولها، وقد أهدي الي الكتاب فرفضت قبوله وأفتيت بحرمة اقتنائه وقراءته لانه من كتب الضلال التي يجب اتلافها ووضعها في بيوت الخلاء ومع النفايات.

ويجب ان يعلم الوهابيون وأسيادهم ان الطاقات العلمية والفكرية والادبية الموجودة عند الشيعة وعلمائهم ومفكريهم ليست موفورة لدي احد من علماء الوهابيين وغيرهم وباستطاعة الشيعة ان يردوا الصاع اكثر من صاعين والليل اكثر من مثليه وأن يثبتوا للجبهان وغيره من شيوخ الوهابية المبتدعة المسعورين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ان الشيعة هم المسلمون الذين كانوا ولا يزالون متمسكين وعاملين باسلام محمد بن عبدالله (ص) كما انزل عليه من خالق الأرض والسماء وغيرهم شذ عن الإسلام وانحرف عنه قولاً وعملا وفكرا ولكنهم لا ينزلون الي مستوي الجبهان وأمثاله من حلفاء الشيطان الحاقدين علي اهل البيت وشيعتهم لان ذلك لا يخدم مصلحة الإسلام ولا يستفيد منه سوي اعداؤه وستبقي مصلحة الإسلام العليا هدفهم الاول والاخير كما عودهم علي ذلك أئمتهم (ع) وسلام الله وتحياته علي سيد المسلمين وامامهم امير المؤمنين الذي كان يتجاهل كل حقوقه ويتنكر لجميع مصالحه عندما يري لاخطر محدقا بالإسلام ويقول: والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا علي خاصة.

وانا نناشد المسؤولين في المملكة السعودية ان يراقبوا تصرفات شيوخهم وأحكامهم الجائرة ودائرة الاوقاف التي تبذل الملايين علي طباعة كتب المسعورين والحاقدين علي الإسلام وحماته وعلمائه كالجبهان وأمثاله الذين يسيئون في كتبهم وأحكامهم وأجوبتهم علي ما يوجه اليهم من الاسئلة الي أئمة المسلمين وعلماء المسلمين ويعملون علي تمزيق شمل الامة وتبديد وحدتها وقوتها وطاقاتها التي تجب ان تستغل لصد هجمات الاعداء في الشرق والغرب وتحرير القدس أولي القبلتين من أيدي الغزاة الغاصبين، والمسلمون في أيامهم هذه في أمس الحاجة الي المخلصين العالمين لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات الطائفية والمذهبية التي لا تخدم غير اسرائيل وأعوانها من اعداء العرب والاسلام.

كما تتمني علي علماء المسلمين في مصر وغيرها من الاقطار الإسلامية ان لا يقفوا موقف المتفرج من تلك التحديات والاستفزازات التي تصدر من شيوخ الوهابيين بين الحين والآخر لأخوان لهم في الدين لا لشيء الا لأنهم يدينون بالولاء والمحبة لأهل بيت رسول الرحمة والمحبة والكرامة وأن ينصحوا اولئك الشيوخ وحكامهم عن التحرش والتحديات السافرة المتواصلة للطائفة الشيعية التي تشكل اكبر مجموعة في العالم الإسلامي، وأن يصرفوا طاقاتهم المادية والعلمية لرد هجمات العدو المشترك في الشرق والغرب وصنيعته الجاثم علي حدودهم والطامع الأول بخيرات بلادهم وحسب تقديري ان نداء واحدا يوجهه شيخ الازهر لحكام السعودية بهذا الخصوص سيكون أجدي وأنفع م كتاب يصدره احد الشيعة لرد تلك الهجمات المسعورة.

ومهما كان الحال فلقد جرني الحديث عن موقف الوهابيين من قبور الائمة والاولياء الي هذه الصورة الموجزة عن حملات الوهابيين علي الشيعة والتي ما زالت تتصاعد بين الحين والآخر مكتفياً بهذا المقدار اليسير من الهوار الهاديء من الوهابيين لأعود الي الحديث عن مرقد العقيلة وموقف الشيعة من زيارة القبور ولأقول لهؤلاء ان الصخور والاحجار ليست الهدف والغاية، ولو كانت هي المقصودة لذاتها لكان في الجبال الشامخات والصخور العاليات غني عن مشقة السفر والترحال الي مراقد الائمة والاولياء ان المقصود بالذات من الزيارة تخليد ما قدمه صاحب القبر من المثل العليا والتضحيات الجسام في سبيل الحق والواجب والعقيدة والمستضعفين في الارض من بني الانسان.

اما الاحجار فليس لها الا شرف الانتساب لصاحب القبر كالاحجار التي بني منها البيت الحرام ومسجد الرسول وسائر المعابد وكجلد القرآن الكريم [3] .

وقد جرت عادة الأمم والدول في زماننا هذا علي الحتفاظ ببيوت عظمائها وقبورها واحاطتها بهالة من التقديس والتعظيم حتي ولو عرض للبيع اي شيء ينتسب للعظماء لبذل اتباعه في سبيله اغلي الاثمان، وما ذاك الا لشرف الانتساب اليه.

وحدث المؤرخون انه حين أدخل رأس الحسين (ع) علي يزيد بن معاوية كان في مجالس الشراب فوضعوا الرأس بين يديه، فدخل عليه رسول ملك الروم في ذلك الوقت فأنكر عليه أشد الانكار حينما علم ان الرأس للحسين ابن بنت نبيهم، وقال ليزيد: هل سمعت يا يزيد بكنية الحافر؟ قال: وما هي؟ قال: عندنا مكان يقال بأن الحمار الذي كان يركبه عيسي بن مريم مر به فبنينا كنيسة في ذلك المكان سميناها كنيسة الحافر نسبة إلي حافر حمار عيسي، ونحن نحج الي المكان في كل عام ومن كل قطر وناحية وننذر له النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم ومقدساتكم وأنتم تقتلون ابن نبيكم وتطوفون برأسه في البلدان، فأشار عليه جلازوته بقتله لئلا يفضحه بعد رجوعه لبلاده فقتله وصلبه علي باب قصره بعد ان قام النصراني الي الرأس فقبله وتشهد الشاهدين.

وهذا شيء مألوف لدي جميع الأمم علي اختلاف اديانهم ومعتقداتهم والكل حينما يعظمون مرقدا او اثرا من آثار عظمائهم انما يعظمونه باعتباره رمزا لما كان يتمتع به من صفات ومواهب وما قدمه لأمته ووطنه من خدمات وتضحيات واصلاحات.

وقال العقاد في كتابه (ابو الشهداء): ان حرم الحسين (ع) في كربلاء يزوره المسلمون للعبرة والذكري، ويزوره غيرهم للنظر والمشاهدة، ولكن كربلاء لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها ان تصبح مزارا لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظا من الفضيلة، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الارض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب اسمي وألزم لنوع الانسان من تلك التي اقترنت باسم الحسين (ع) بعد مصرعه فيها ولولا الحسين وشقيقته زينب شريكته في الجهاد والتضحيات وبقية الائمة لم تكن تلك القباب الشامخة التي اصبحت رمزا للحق والعدالة والفضيلة ومقصدا لمئات الالوف من المسلمين في كل عام شيئاً مذكوراً.

ومهما كان الحال فمرقد العقيلة زينب بنت علي وفاطمة مردد بنظر العلماء والباحثين بين المدينة المنورة والشام ومصر، وكما ذكرنا ان مرقدها في المدينة لم يعد له وجود كغيره من مراقد الائمة وأعلام الصحابة والتابعين، لان بناء المراقد وتعظيم من حل فيها علي حد الشرك بالله بنظر حماة الحرمين، اما المرقدين المنسوبين اليها في الشام ومصر فلا يزالان كعبة الوفاد في كل عام علي مرور الشهور والأيام تقصدهما مئات الألوف للزيارة والتوسل بها وبأبيها وجدها لقضاء حوائجهم، ولا أحسب ان الذين يتوافدون علي زيارة ابيها وأخيها في كربلاء والنجف اكثر ممن يتوافدون علي المرقدين المنسوبين اليها في الشام والقاهرة، وجاء في جريدة الاهرام تاريخ 23 ـ 6 ـ 1972 مقال للإستاذ فتحي رضوان وزير الثقافة يومذاك يصف فيه الوافدين علي حي السيدة زينب جاء فيه:

ان مسجد السيدة زينب تشد إليه الرحال وكأنه الكعبة اكثر مما تشد الرحال الي المسجد الحسيني، فالألوف الذين يقصدون هذا المسجد من فقراء الريف والحضر من النساء والرجال والمرضي وأصحاب الحاجات من المغلوب علي امرهم والذين سدت في وجوههم الأبواب وتحطمت الآمال كانوا قد اطلقوا علي صاحبة الضريح اسماء تدخل إلي قلوبهم العزاء وتبعث فيهم الرجاء وكانوا يهتفون حول قبرها: يا أم العواجز ويا أم هاشم ويا ابنة محمد والزهراء، ومضي يقول: ولكم رأيت رجالا ونساء في مقتبل العمر وفي خريف الحياة قد وضعوا ايديهم علي شباك ضريح السيدة زينب ورائحة البخور تملأ المسجد كله وراحوا يهمسون في ذهن أم العواجز وقد تمثلت لهم بشرا يسمع ويتنفس ويمد راحتيه ويضعهما بين أيد الزائرين والقاصدين واصوات الزائرين تتعالي يا أم العواجز ويا أم هاشم يا اخت الامام ويا بنت الإمام نظرة بحق جدك النبي.

والآن ونحن بصدد الحديث عن مرقدها الشريف الذي تدعيه الاقطار الثلاثة ويتوافد عليه المسلمون من جميع الاقطار لا لشيء إلا لأنها وقفت إلي جانب اخيها من الطغاة والظالمين دفاعا عن الحق والعقيدة وكرامة الإنسان وبقيت في سجل الخالدين والخالدات لتكون القدرة الصالحة الغنية بالمثل والقيم للرجال والنساء في جميع نواحي الحياة.

لا بد لنا ونحن بصدد البحث عن مرقدها ان نقف ولو قليلاً مع أدلة الأقوال الثلاثة في محاولة كشف ما أحيط بمرقدها من غموض لا يزال محل اخذ ورد بين الباحثين.

لم يختلف احد من المؤرخين والمحدثين بأن السيدة زينب بنت علي وفاطمة تركت بيتها وزوجها ورافقت اخاها الحسين (ع) في رحلته إلي الشهادة التي لم يجد وسيلة غيرها لانقاذ شريعة جده مما كان يخططه لها الحزب الأموي الحاكم من تحريف وتشويه وأدت دورها خلال مواقفها في كربلاء والكوفة ومجلس بن ميسون في قصر الخضراء، تلك المواقف التي جعلتها في طليعة الخالدين والخالدات من ابناء آدم وحواء، كما لم يختلفوا في انها رجعت من الشام علي رأس تلك القافلة من السبايا والاسري الي مدينة جدها عاصمة الإسلام الاولي في الحجاز، وان مسؤوليتها التاريخية كانت هي اثارة الرأي العام الإسلامي علي حكومة يزيد وجلاديه واستطاعت خلال اشهر معدودات ان تلهب المشاعر وتقلب الدنيا علي رؤوس الحاكمي حتي اصبحت المدينة التي كان الحاكمون يحسبون لها الف حساب وحساب بكل فئاتها الموالية لاهل البيت وغيرها تكيل اللعنات لأمية وأحفادها وتري ان من أقدس واجباتها مناهضة الحكم الأموي وأعلان موقفها المعادي منه مهما كلفها ذلك من تضحيات، كل ذلك لم يخالف فيه احد من الباحثين والمؤرخين اما خروجها من المدينة بعد ان دخلت اليها حاملة لرسالة اخيها الي الشام مع زوجها بسبب المجاعة التي اجتاحت المدينة سنة 67 للهجرة او 74 كما جاء في رواية ثانية إلي قرية كان يملكها في الغوطة من ضواحي الشام وعند وصولها الي مشارف الشام عاودتها تلك اذكريات الاليمة المريرة وخيم عليها جو من الحزن والألم تسبب لها بمرض كانت به نهاية حياتها ودفنت في تلك الضيعة حيث مرقدها الان، كما يدعي القائلون بأن المرقد الحالي لقد ضم رفاتها وهو لها لا لغيرها من الزينبيات العلويات اللواتي يحملن هذا الإسم فليس في التاريخ ما يبعث علي الاطمئنان بصحته.

وممن ذهب الي ذلك من الذين كتبوا علي مرقدها المازندارني في الجزء الثاني من معالي السبطين والسيد حسن الصدر وصاحب الخيرات الحسان والسيد هبة الدين الشهرستاني عن ناسخ التواريخ لمؤلفه لسان الملك، كما جاء في كتاب المرقد الزينبي للشيخ عمران القطيفي.

والظاهر اتفاق جميع القائلين بأن الرقد الموجود في ضواحي الشام هو مرقدها علي ان رجوعها إلي الشام كان بسبب المجاعة التي اصابت اهل المدينة وان زوجها عبدالله بن جعفر انتقل بها سنة 65 او 74 الي ضيعته بغوطة دمشق وتوفيت بها في النصف من رجب ذلك العام.

لقد اختلف القائلون بأنها توفيت في ضواحي الشام وفي صاحيتها حيث المرقد الموجود الآن دفنت في تاريخ وفاتها بين 65 و74 واتفقوا علي ان المجاعة التي اصابت اهل المدينة هي التي فرضت علي زوجها الرحيل بها الي ذلك المكان، في حين ان المجاعة التي تفرض علي شخص كعبدالله بن جعفر كان واسع الثراء وكثير العطاء ويعرف ببحر الجود وتضطره علي ان يرحل بزوجته وأولاده الي غوطة دمشق لا بد وأن يكون لها اثرها البالغ بالنسبة لعامة الناس وأن تفتك بالطبقات الكادحة الفقيرة، وحدث من هذا النوع يصيب مدينة الرسول في تلك الفترة من التاريخ لا يتجاهله التاريخ ولا الذين كانوا يسجلون أحداث العالم الإسلامي صغيرها وكبيرها، مع العلم ان المؤرخين لإحداث 65 و74 لم يتعرض احد منهم لحدث من هذا النوع وعلي تقدير صحة ذلك فلا بد وأن تكون المجاعة التي شردت بحر الجود وعقيلته الحوراء ابنة علي وفاطمة قد اصابت بقية العلويين والعلويات وتلك القافلة من النساء والاطفال التي كانت ترعاها وتحرسها عقيلة آل ابي طالب، فالي اين ذهب العلويون بنسائهم وأطفالهم وعلي رأسهم الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) الذي لم يفارق المدينة وبها كانت وفاته.

ان التاريخ لم يتعرض لشيء من هذا النوع، وهل يجوز علي بحر الجود وعقيلته ان يتركا العلويين والطالبيين وأبناء الحسن والحسين يتجرعون مرارة الجوع ويفرا منها الي عاصمة الجلادين دمشق التي سيقت اليها بالامس القريب ابنة علي والزهراء علي رأس تلك القافلة من الاسري والرؤوس التي كانت يتقدمها رأس الحسين (ع) وكانت تتمني الموت في كل مرحلة كان الحداة يسيرون بها وتفضله علي ان تتعرض لاولئك الشامتين من اعداء جدها وأبيها، فهل يجوز عليها مع ذلك كله وعلي ابن عمها بحر الجود ان يتركوا العلويين ونساءهم وأطفالهم يقاسون آلام الجوع ومرارته ويذهبا الي عاصمة معاوية لينعما بطيبات العيش ومتع الحياة، لو جاز ذلك علي اب المساكين كما كان يسميه اهل المدينة لا يجوز علي من وهبت حياتها لخدمة اخيها وعائلته ورعايتها بعد مصرعه كما اوصاها بذلك.

ان الذين رووا أسطورة خروج عبدالله من المدينة الي قريته بضواحيها مع زوجته عقيلة الطالبيين كلهم من متأخري المؤلفين ومن غير المعروفين ببعد النظر وتحري الحقائق، ولم يسندوها الي احد المؤرخين القدامي ولا الي احد الرواة الذين كانوا يتتبعون أحداث تلك الفترة من تاريخ المسلمين.

هذا بالإضافة الي ان سنة خمس وستين كانت سنة صراع علي الخلافة بين الامويين انفسهم في بلاد الشام وكان قد تغلب علي دمشق الشام الضحاك بن قيس بعد ان اتفق الأمويون علي خلافة مروان وخالد بن يزيد من بعده ومن بعدهما عمرو بن سعيد بن العاص وبعد ان اتفق رأي الأمويين علي التوجه إلي دمشق وكان الضحاك قد تغلب عليها ووقعت بينهم معارك طاحنة في مرج راهط وكان مع الضحاك جماعة من اهالي دمشق وفتيانهم الاشداء وأمده النعمان بن بشير عامل حمس بشر حبيل ابن ذي الكلاع في اهل حمص وزفر بن الحارث الكلابي بقيس بن طريف ابن حسان الهلالي وانتهت المعركة لصالح مروان بن الحكم والأمويين [4] ، ومن المستبعد والبلاد الإسلامية تموج بالفتن بسبب الصراع علي الحكم والمعارك بين مروان بن الحكم ومعارضيه في ضواحي دمشق وعلي ابوابها ان يرحل بزوجته وأولاده الي قريته الواقعة في ضواح دمشق كما يدعي القائلون بذلك.

اما القول بأنها هاجرت مع زوجها الي غوطة دمشق هربا من المجاعة سنة 74 هجرية فهو ابعد عن الواقع من القول الاول ذلك لان المسعودي في المجلد الثاني من مروجه يقول ان عبدالله بن جعفر توفي وله من العمر سبع وستون سنة، ويدعي عبد العزيز سيد الأهل ان عبدالله بن جعفر كان له من العمر عشر سنوات عند وفاة النبي (ص) عن الجزء الثاني من معالي السبطي ولازم ذلك ان ولادته كانت في الحبشة كما هو مؤكد اما في السنة التي هاجر فيها النبي (ص) الي المدينة او قبلها وهو اكبر اولاد جعفر الطيار ويروي الرواة عنه انه قال: لقد دخل علينا رسول الله (ص) بعد موت ابي وقال: لا تبكوا علي اخي بعد اليوم ودعا بالحلاق فحلق رؤوسنا ولابد وان يكون في السادسة او السابعة يومذاك علي ابعد التقادير فلم يعد مجال للقول بأنه هاجر إلي ضيعته في ضواحي الشام سنة 74 لان وفاته تكون قبل هذا التاريخ بسبع سنوات تقريباً اذا لم يكن قد عاش اكثر من سبع وستين عاماً كما يدعي ذلك المسعودي وغيره.

ومهما كان الحال فالقول بأن المرقد الزينبي الموجود في ضاحية دمش الذي يقصده مئات الألوف من المسلمين في كل عام للزيارة والتبرك ويبذلون في سبيله الملايين من النقود هو لزينب الكبري عقيلة الهاشميين لا يعتمد علي دليل مقبول ولا يؤيده المنطق ولا الدراسة بحال من الأحوال بل هو لاحدي العلويات بلا شك في ذلك وسيبقي تعيينها غامضاً لعدم توفر الادلة علي هذا الأمر، ولا يمنع ذلك من زيارة العقيلة في ذلك المكان ما دام يرمز الزائر يقصدها بالذات. وما دامت الأعمال مرهونة بالنوايا.


پاورقي

[1] ميزان الشعراني في باب الشهادات.

[2] انظر ص 194 و195 من الشيعة والحاکمون للشيخ محمد جواد مغنية عن کتاب ابراهيم باشا.

[3] لقد حکم فقهاء المسلمين بتحريم تنجيس المساجد ارضها وحيطانها وما فيها من الفرش واوجبوا ازالة النجاسة عنها وقالوا بتحريم مس کتابة القرآن الکريم لغير المتوضأ، وقال الشافعية: لا يجوز مس جلده حتي ولو انفصل عنه ولامس الخيوط المعلق بها القرآن.

[4] انظر تاريخ اليعقوبي الجزء الثالث ص 3 طبع النجف.