بازگشت

لمحات عن اسلام جعفر الطيار وهجرته و وفاته


وأعود لأكرر انه قبل الحديث عن زواجهما اري من الوفاء لهذا البيت الكريم ان اشير ولو بايجاز لجعفر الطيار ثالث المسلمين ووالد عبدالله بن جعفر الذي اختار له النبي عقيلة بني هاشم لتكون زوجة له كما ذكرنا.

لقد كان جعفر الطيار اكبر من علي (ع) بعشر سنين كما يدعي اكثر المؤرخين ولم يسبقه احد إلي الإسلام سوي خديجة الكبري وعلي وكان هو ثالث المسلمين والمصلين وقد ذكرنا ان أباه راي عليا يصلي عن يمين النبي فقال لولده جعفر: صل جناح ابن عمك ومضي امد غير قصير وليس في مكة من يعبد الله سبحانه سوي محمد وعلي وخديجة بنت خويلد وجعفر بن أبي طالب فكان النبي يتقدمهم للصلاة في اوقاتها وعلي عن يمينه وجعفر عن يساره وخديجة من خلفه، وكان جعفر يشبه النبي في خلقه وخلقه كما وصفه النبي بذلك كما كان يكنيه ابا المساكين.

وجاء عن ابي هريرة انه كان يقول: لقد كنت اسأل الرجل من اصحاب رسول الله (ص) عن الآية من القرآن وأنا أعلم بها منه ولكني كنت اسأله ليطعمني شيئا، وكنت ان سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتي يذهب بي الي بيته فيطعمني ثم يجيبني.

وجاء في الحديث عن رسول الله (ص) انه قال: لقد اختارني الله في ثلاثة من اهل بيتي انا سيدهم لقد اختارني وعليا وجعفر والحمزة بن عبد المطلب، وفي المجد الأول من الاستيعاب، خلال حديثه عن جعفر بن ابي طالب ان النبي (ص) قال: دخلت الجنة البارحة فإذا جعفر يطير مع الملائكة.

لقد كان جعفر بن ابي طالب من المهاجرين الأولين الي الحبشة حين وسعت قريش حلقة الاضطهاد علي المسلمين في مكة وكان خروجه بايعاز من النبي (ص) فخرج هو وزوجته وجماعة من المسلمين المستضعفين من مكة فراراً بدينهم وولدت له فيها عبدالله وعونا ومحمداً، ولقي المسلمون من النجاشي ملك الحبشة من الرعاية وكرم الضيافة والإحسان ما أثار غضب قريش وتخوفها من هذه الظاهرة التي ستكون بداية لتحول جديد في تاريخ العلاقات بينهم وبين الاحباش الذين كانوا علي ارتباط معهم في مختلف مرافق الحياة، وبقاء المسلمين الي جوارهم سيضاعف من هذا التحول وربما يؤدي الي توتر الاجواء بينهما وبالتالي الي القطيعة بين البلدين المتجاورين، وقد تصبح الحبشة مقرا لعدد كبير من المسلمين ومنطلقا لدعوتهم التي تساندها دولة لا طاقة لهم علي مقابلتها، هذه الاحتمالات كلها اصبحت تراود القرشيين بعد ان بلغتهم حفاوة الاحباش بالمسلمين فراحوا يعملون بكل ما لديهم من الوسائل لايجاد فجوة بين الطرفين واعادة العلاقات بينهما إلي سابق عهدها واخراج المسلمين من بلادهم، فجمعوا مبلغاً من الأموال ليشتروا بها أنفس الهدايا وأثمنها للملك وبطارقته، وبعثوا بالهدايا مع عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد شقيق خالد بن الوليد، وكتبوا الي النجاشي يحذرونه من المسلمين ويطلبون منه ان يردهم الي مكة، وكان ابن العاص حديث عهد بالزواج من احدي المكيات الفاتنات في جمالهن فلم يستطع فراقها فمضت معه في تلك الرحلة وفي الطريق كانت تتحدث إلي عمارة ويتغازلان وكان فتي مديد القامة جميلا بهي الطلعة فتعلقت به وتعلق بها واخيرا هجرت فراش زوجها وارتمت في فراشه، وعبثا حاول ابن العاص ان يضع حدا لشذوذها وبالتالي بقيت بينهما يشتركان بالاستمتاع بها [1] .

وسبقت أنباء هذه الفضيحة إلي المهاجرين والنجاشي، وحاول عمارة وابن العاص ان يشحنا النجاشي وبطارقته علي الإسلام والمسلمين، وباءت جهودهما بالفشل الذريع بعد ان تولي جعفر بن ابي طالب الحديث مع النجاشي وبطارقته وحدثهم عن ابن عمه محمد ورسالته وقرأ عليهم بعض الآيات من القرآن ومن سورة مريم، كما ذكر المؤلفون في سيرة الرسول (ص) ورجع الوفد فاشلا إلي قريش يتعثر بأذيال الخيبة وبقي النجاشي علي كره واحسانه الي المهاجرين، كما بقي جعفر بن ابي طالب ومن معه في الحبشة إلي السنة السابعة من هجرة الرسول (ص) وفيها رجع إلي المدينة، والنبي (ص) كان قد اتجه لحرب اليهود في خيبر واستولي عليها بعد ان اقتحم امير المؤمنين حصونهم وجندل أبطالهم وفرسانهم وفي اليوم الذي رجع فيه النبي إلي المدينة دخلها جعفر بمن معه من المسلمين فقام إليه النبي (ص) وقبله ما بين عينيه وقال: ما ادري بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر او بفتح خيبر وقال له: انت أشبه النسا بخَلقي وخُلقي وقد خلقتَ من الطينة التي خلقتُ منها، كما جاء في ذخائر العقبي للمحب الطبري وغيره من مجاميع الحديث.

وأعطاه وزوجته أسماء من غنائم خيبر مثل ما اعطي غيره من المسلمين الذين اشتركوا في فتحها، وبقي مع النبي بعد رجوعه الي المدينة أشهرا معدودات وبدخول السنة الثامنة للهجرة بعث رسول الله (ص) احد اصحابه وهو الحارث بن عمير بكتاب الي ملك بصري من ارض الشام، فلما بلغ الرسول مؤتة تعرض له شرحبيل الغساني احد ولاة الروم وقتله ولم يقتل غيره ممن كان يبعثهم رسول الله (ص) الي الملوك والامراء، فاشتد ذلك علي النبي (ص) وجهز جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة جعفر بن ابي طالب وعين اثنين غيره للقيادة علي التوالي فيما لو قتل جعفر وهما زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحه، وانطلق الجيش الي مشارف الشام يجد في سيره وحينما بلغت أخباره ملك الروم أوعز الي جيوشه بأن ترابط علي الحدود بين بلاد الشام والحجاز وحشد عليها اكثر من مائة الف مقاتل، وكانت المعركة الحاسمة علي الحدود في مؤتة فأخذ الراية جعفر وتقدم بمن معه من المسلمين وحمل علي تلك الحشود التس ملأت الصحراء بعددها وعتادها فانهزموا بين يديه وظل يطاردهم حتي قطعت يمينه وشماله وخر صريعاً.

وجاء في بعض المرويات انه لما اشتد القتال، نزل عن فرسه وعقرها فكان كما قيل اول من عقر فرسه في الإسلام ومضي يقاتل راجلا ويقول:



يا حــبذا الجنـة واقترابهـا

طيـــبـــــة وبارد شرابهـا



والروم روم قد دنا عذابها

كافــــرة بعــيـدة انسـابها



عــلـــي اذ لاقيتها خرابها

وبعد ان استشهد وجدوا في مقدم جسده اكثر من تسعين ضربة وطعنة وجزع من في المدينة لقتله وبكاه المسلمون وبخاصة اهله وذووه، فلما رأي ذلك رسول الله (ص) قال: لا تبكوا علي اخي بعد اليوم، ان له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة فسمي ذا الجناحين والطيار.



وجاء عن عبدالله بن جعفر ان قال: لقد دخل علينا رسول الله بعد موت ابي وقال: لا تبكوا علي اخي بعد اليوم ودعا بالحلاق فحلق رؤوسنا وقال: اما محمد فشبيه عمنا ابي طالب، وأما عبدالله فشبيه خَلقي وخُلقي، ثم اخذ بيدي وقال: الله احفظ جعفرا في اهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، ولما ذكرت امي يتمنا قال لها: لا تخافي عليهم انا وليهم في الدنيا والآخرة [2] .

وظل أيتام جعفر في رعاية رسول الله (ص) وعمهما علي بن ابي طالب وحضانة امهم أسماء بنت عميس، وكانت امرأة كريمة شريفة ذات رأي حازم ومعرفة وتجربة وحجة، بيان علي حد تعبير عبد العزيز سيد الاهل في كتابه زينب بنت علي لا تصبر علي مذلة ولا تبيت علي ضيم هاجرت في كتابه زينب بنت علي لا تصبر علي مذلة ولا تبيت علي ضيم هاجرت في سبيل الله هجرتين اولاهما مع المسلمين الاولين وزوجها إلي الحبشة، وثانيتهما الي المدينة مع زوجها جعفر الطيار فأكرمها رسول الله وعلمها دعاء تدعو به في الشدائد، وقال لها: اذا نزل بك كرب فقولي الله الله ربي لا اشرك به، فلم يصبها كرب بعد ذلك الا أزاحته عنها بدعاء رسول الله كما جاء عنها.

وحدث بعد ان رجعت مع زوجها الي المدينة ان رآها عمر بن الخطاب فقال لها: يا حبشية سبقناكم بالهجرة. ولعله كان يريد ان يتباهي عليها في هجرته مع الرسول وصحبته له او ممازحا لها كما يدعي بعض الرواة، وما كاد عمر ينتهي من حديثه حتي انبرت له قائلة: لعمري لقد كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم وكنا البعداء عنه نتحمل الأهوال والشدائد حرصا علي ديننا، وأضافت الي ذلك: والله لأتين رسول الله وأذكرنّ له مقالتك يا ابن الخطاب.

ومضت مسرعة الي النبي وقالت: يا رسول الله ان رجالا من اصحابك يتفاخرون علينا ويتباهون ويزعمون اننا لم نكن من المهاجرين الاولين، فرد عليها الرسول قائلا: بل لكم هجرتان هاجرتم الي الحبشة ونحن في مكة وهاجرتم الي المدينة كما هاجرنا ولا فضل لاحد عليكم.

لقد تزوجت بعد مصرع زوجها من ابي بكر فأولدها محمد بن بكر وخلال تلك المدة القصيرة التي قضتها معه لم تكن تفارق اولادها ولا بيت فاطمة الزهراء وقد روت الحديث عنها وحينما توفيت الزهراء (ع) تولت غسلها وتكفينها، وبعد وفاة زوجها ابي بكر تزوج منها وضمها امير المؤمنين الي عياله مع ولدها محمد بن ابي بكر، وكان طفلا في الرابعة من عمره وبقيت في بيته هي وأولادها، وأولدها ولداً اسماه يحيي كما جاء في المجلد الاول من حياة الحيوان [3] .

وبقي عبدالله منذ طفولته الي ان شب وترعرع هو واخوته الي جانب عمه امير المؤمنين مع اولاده يتلقي منه العلم والمعرفة ويغذيه بأخلاق الإسلام وتعاليم الإسلام حتي اصبح من كرام المسلمين وأعلامهم، وكان كما يصفه المؤرخون أسخي رجل بين المسلمين في عصره. وكان هو وزينب في سن متقاربة فلما بلغاً سن الشباب وراح الطلاب يتوافدون علي بيت علي (ع) يطمعون في مصاهرته لم يجد لابنته كفأ غير ابن اخيه عبدالله فزوجه منها، ولكن هذا الزواج لم يفرق بين زينب وأبيها واخوتها، وبلغ من تعلم الإمام (ع) بابنته وابنة اخيه ان بقيا معه يراعهما ويتفقدهما كما كانا قبل الزواج وحينما تولي أمور المسلمين وانتقل من المدينة إلي الكوفة انتقلا معه ووقف عبدالله إلي جانب عمه في جميع مواقفه النضالية قبل خلافته وبعدها من الناكثين والقاسطين والمارقين.

وما كادت زينب تنتقل إلي بيتها الجديد المتواضع في اثاثه ومعيشته حتي اصبح المال يتدفق عليه، ولكنه كان يهب ويعطي عطاء من لا يخشي الفقر ولا يدخر شيئاً من يومه لغده وأصبح الجود والسخاء من اشهر صفاته وألقابه وسماه الناس بحر الجود، وحدث الرواة ان جماعة كانوا يتحدثون عن كرام المسلمين وأجوادهم، فادعي جماعة ان أجودهم عبدالله بن جعفر فطلب منهم الباقون دليلاً علي ذلك، فجاءه احدهم وهو علي راحلته يريد ضيعة له خارج المدينة فتعلق بركابه وقال له: انا من ابناء السبيل ولا املك شيئاً، فأخرج عبدالله رجله من الركاب ونزل عن راحلته وقال له: ضع رجلك في الركاب واستوي علي الناقة وخذ ما في الحقيبة، واياك ان تخدع عن السيف فانه من سيوف علي بن ابي طالب ثم ترك الرجل ورجع ماشيا الي بيته في المدينة، ولما وضع الرجل رجله في الركاب واستوي علي الناقة ومد يده الي الحقيبة وجدها مملوءة بمطارف الخز وفيها بالإضافة إلي ذلك اربعة آلاف دينار، وكان سيف علي (ع) أنفس من المطارف وأجل من الدنانير علي حد تعبير الراوي ولما رأي القوم صنيعه قالوا: صدق من سماه بحر الجود [4] .

وبلغت شهرته في الاوساط الإسلامية حدا ضاقت بها نفوس اعداء الطالبيين وقلوبهم الحاقدة ولم تعد تتسع لمديحه وثناء الجماهير عليه فراحوا يحاولون تزييف سخائه وتسميته سرفاً لا يقره الإسلام.

فقد حدث الرواة عن الشعبي ان عبدالله بن جعفر الطيار دخل علي معاوية وعنده ولده يزيد بن ميسون، فجعل يزيد يعرض بعبدالله في كلامه ويتهمه بالاسراف والتبذير، فقال عبدالله ليزيد: اني لأرفع نفسي عن جوابك، ولو قالها صاحب السرير لأجبته، فقال معاوية: كأنك تظن انك أشرف منه يا عبدالله، فقال عبدالله: أي والله ومنك ومن ابيك وجدك يا معاوية، فرد عليه معاوية بقوله: ما كانت أحسب ان احدا في عصر حرب بن أمية جدي أشرف منه، فقال عبدالله: بلي والله ان أشرف منه من اكفاء عليه اناءه وأجاره بردائه، فقال: صدقت يا ابا جعفر [5] .

وكان يقول: كما جاء عنه: ان الله قد عودني ان يتفضل علي، وعودته ان أتفضل علي عباده، وأضاف: ان يقطع عني اذا قطعت عن عباده [6] .

وقد تحدث المؤرخون وأكثروا عن كرمه وسخائه وايثاره الأيتام والمساكين وأبناء السبيل علي نفسه وولده، ولقد رأته العقيلة يصنع كل ذلك فلم تعارضه في شيء من عطائه وسخائه بل كانت تشاركه احيانا وتشجعه علي البذل والعطاء وظلت العقيلة وفية لزوجها ساهرة علي راحته وتربية اولادها وفي الوقت ذاته علي صلة دائمة بأخويها الحسن والحسين وبقية اخوتها وتحملت من المحن والمصائب ما لا يقوي علي حمله احد من الناس وثبتت لجميع تلك الأهوال وتحملت مرارتها وآلامها وبصبر وشجاعة قل نظيرهما في تاريخ الأبطال وعظماء العالم، وقد نحدث المؤرخون والكتاب القدامي والمحدثون عن مواقفها وبطولاتها في معركة الطف وما تلاها من الأحداث في الكوفة والشام وعن تحدياتها لاولئك الطغاة والجلادين التي زعزعت فيها عروشهم وضعضعت كبرياءهم وأصبحوا لعنة علي لسان الاجيال الي ان تقوم الساعة، ولم يتحدثوا عن حياتها مع زوجها عبدالله لانها في تلك الفترة من تاريخها كانت منصرفة لبيتها وأولادها واعدادهم الاعداد السليم كما كان ابوها يعدها ويعد اخوتها وقد اكتفت بذكر الله وعبادته والتضرع اليه في ليلتها ونهارها والاستفادة من مدرسة امها وأبيها وأخويها الحسن والحسين عن ذكر الناس والقيل والقال والاشتراك في الفتن والاحداث.

وقد اعتاد المؤرخون والكتاب ان يتحدثوا عن المرأة من خلال نزعاتها واشتراكها في الفتن وأحداث عصرها وركوبها الحمال والبغال في ساحات الحروب والمعارك وعما ترويه من الاحادي المكذوبة عن النبي (ص) كالتي كانت تنسبها بعض زوجاته اليه زورا وافتراء كما يتحدثون احيانها عن ربات البيوت من خلال مظاهر البذخ والترف وعدد الجواري والعبيد ومجالس الغناء والشراب اما البيوت التي تكون لله وفي سبيل الله والتهجد والعبادة وللعلم والتعليم والارشاد فلا يعنيهم من امرها شيئاً.

لقد كان بيت العقيلة من تلك البيوت التي وصفها بعض الشعراء بقوله:



منازل كانـــت للـرشاد وللتقي

وللصوم والتطهير والصلوات



ووصفها ابو فراس الحمداني في قصيدته التي يعدد فيها فضائل العلويين ومساوئ الامويين والعباسيين بقوله وهو يخاطب العباسيين:



تنشي التلاوة في ابياتهم سحـرا

وفي بيوتكـم الاوتـار والنـــغـــــم



ما فـي ديـــارهـم للخمر معتصر

ولا بيـوتهم للســــوء مـعــــتصم



ولا تبــيـــت لهـم خنثي تنـادمهـم

ولا يــــري لهــــــم قـرد له حشم



الركن والبيـت والاستار منزلهم

وزمزم والصفا والخيف والحرم



لقد روي عنها أعيان الصحابة وكان عبدالله بن العباس عندما يروي عنها يقول: حدثتني زينب ابنة علي (ع)، وولد لعبدالله من زوجته زينب اربعة ذكورا وأنثي واحدة وهم علي ومحمد وعباس وعون وأم كلثوم وكان قد خطبها معاوية لولده يزيد بن ميسون وحاول بكل وسائله ومغرياته اتمام هذه الصفقة، ولكن خالها الحسين (ع) كان له بالمرصاد فزوجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر [7] وقتل محمد وعون مع الحسين في كربلاء وقدمتهما العقيلة لينالا شرف الشهادة مع اخيها فبرز عون وهم يقول كما تروي كتب المقاتل:



ان تنكروني فأنا ابن جعـــفر

شهيد صدق في الجنان ازهر



يطــيـر فيـــــها بجناح اخضر

كــفي بهذا شرفاً فـي المحشر



ومضي يقاتل حتي قتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر رجلا ثم تكاثروا عليه وقتلوه وبرز بعده اخوه محمد بن عبدالله وهو يقول:



اشكـو إلي الله من العدوان

فعال قوم في الردي عميان



قـد بــــدلـوا معـــالم القرآن

ومحــــكم التنـزيل والتبيـان



وقتل من أهل الكوفة عشرة من فرسانهم ثم حملوا عليه وقتلوه وكان الذي تولي قتله ابن نهشل التميمي كما ذكر ارباب المقاتل ولم يحدث التاريخ ولا أرباب المقاتل ان العقيلة زينب ندبت ولديها او تعلقت بهما كما كانت الامهات يصنعن حين خروج أولادهن ومصرعهم بل كان الحسين شاغلها الوحيد الذي أنساها كل شيء وهان عليها مصابها بهما لانهما قتلا في سبيله، وحتي ان زوجها عبدالله والدهما كان يقول بعد ان بلغته اخبار تلك المجزرة وما جري لولديه: لقد هون علي مصابهما انهما قتلا مع اخي وابن عمي مواسين له صابرين معه واذا لم اكن قد واسيته بيدي فلقد واسيته بولدي. ودخل عليه احد غلمانه يبكيهما ويقول: ماذا لقينا من الحسين بن علي، فغضب عبدالله وحذفه بنعله وقال له: يا ابن اللخناء اللحسين تقول هذا، والله لو شهدته لما فارقته حتي أقتل دونه وأفديه بنفسي.

والسؤال الذي قد يعترض هو انه لماذا لم يخرج مع الحسين كما خرجت معه زوجته وأكثر الطالبيين ومن هو أولي من عبدالله بذلك، وقد اعتذر عنه جماعة بأعذار لا تعدو ان تكون من نوع الحدس والتخمين، والذي اراه ان عبدالله بن جعفر لم يتخلف عن الحسين (ع) الا برأيه وقد أمره بالبقاء في المدينة لاسباب تفرضها المصلحة كما أمر اخاه محمد بن الحنفية بذلك، ولم يحدث التاريخ عن عبدالله بأنه كان يعصي للحسن والحسين امرا او يخالفهما في شيء، وقد ذكرنا ان معاوية حينما خطب ابنته لولده يزيد ترك امرها الي الحسين بالرغم من العروض السخية التي عرضها عليه معاوية، كما ترك امر زوجته زينب من حيث خروجها معه اليه واليها وهو الذي أمر ولديه بالخروج معه وكان مغتبطاً باستشهادهما معه ومواساتهما له، وان سيرته ومواقفه بعد الحسين (ع) لأصدق شاهد علي ايمانه واخلاصه في ولائه لعمه وأبناء عمه ولدينه وعقيدته.


پاورقي

[1] محمد رسول الحرية للشرقاوي.

[2] فقه السيرة للشيخ محمد غزالي ص 281.

[3] انظر زينب بنت علي لعبد العزيز سيد الأهل عن المجلد الأول من حياة الحيوان ص 228.

[4] زينب بنت علي لعبد العزيز عن ص 60 من المستجدات في فعلات الاجواد.

[5] زينب الکبري لجعفر نقدي ص 89 طبع النجف.

[6] العقد الفريد لابن عبد ربه.

[7] انظر ص 191 من أعيان الشيعة المجلد 33 طبعة 1950.