بازگشت

زواجها من عبدالله بن جعفر


لما بلغت الحوراء مبلغ الزواج وتخطت عهد الطفولة طلبها الكثيرون من الاشراف وكان الامام يردهم برفق ولين لانه كان كما يبدو قد صمم علي زواجها من ابن اخيه عبدالله بن جعفر الطيار، كما كان النبي يرد خاطبي امها الزهراء ليزوجها من ابن عمه اول القوم اسلاما وأكثرهم جهاداً وتضحية في سبيله بأمر من الله سبحانه. وكان ممن خطب الحوراء الاشعث بن قيس الكندي كما جاء في بعض المرويات، ففي بعض الايام والإمام (ع) جالس في داره دخل عليه رجل بَيِّن الطول عليه مسحة من الجمال ومظهر من مظاهر العنف والبطش، وكان قد صار علي ابواب الكهولة وبدأ يخطو نحو الكبر، فوقع نظره علي فتاة قد اضاء صباها ولمعت محاسنها، وهي تدرج بين يدي ابيها، وحينما رأته الفتاة قد دخل علي حين غفلة اسرعت الي غرفة في الدار عجلي تتعثر في أذيالها لاسيما وقد رأته ينظر اليها وتكاد نظراته تستبق خطواتها خطواتها المسرعة، وكان قد ملأ عينيه منها قبل ان تغيب عنه وأعجب بحسنها وشمائلها، وأحسن ما رأت عيناه من الخفرات الحسان.

وكان الرجل في خمول وضعة في اوساط المسلمين، وإلي جانب ذلك فاتكا شجاعا جميلا، وهو أخمل حسباً وأوضع نسبا إذا قيس حسبه ونسبه بالقرشيين فضلا عن اهل هذا البيت الذين بلغوا القمة في كل ما يتفاضل فيه الناس من كل نواحيهم، ولكن الذي جرأه علي الحديث مع امير المؤمنين بأمر من هذا النوع ان الخليفة الأول ابن ابي قحافة كان قد تلطف به وزوجه من اخته أم فروة فجرأته هذه المصاهرة علي التطلع الي بنات الانبياء والاوصياء. وما كادت الحوراء زينب تصل إلي داخل البيت بتلك السرعة الخاطفة حتي قال الاشعث لعلي (ع): من هذه الفتاة يا ابا الحسن، فرد عليه قائلا: انها ابنتي زينب ابنة الزهراء، فقال له: زوجنيها يا ابا الحسن، فاستخف به امير المؤمنين (ع) وقال له: لقد غرك ابن ابي قحافة بنفسك اذ زوجك اخته أم فروة وأصبحت لا تنظر لنفسك الا من زاوية هذه المصاهرة، ناسيا اصلك ونسبك ومكاتك الوضيعة في نفوس العرب والمسلمين، وأصبحت تطمع بالفواطم والعواتك من بنات هاشم وعبد المطلب [1] .

وقد حمله الصلف والغرور علي ان يرد علي امير المؤمنين بقوله: لقد زوجتم من هو أخمل مني حسباً وأوضع مني نسباً وهو المقداد بن عمر المعروف بالمقداد الاسود، فرد عليه امير المؤمنين قائلا: ذاك رسول الله (ص) قد فعله وهو أعلم بما فعل ولئن عدت إلي مثلها لأسوأنك.

لقد كان الأشعث فظا غليظاً ثقيلاً علي اكثر المسلمين لغلظته وجفوته وجرأته علي الحق وكان من المتآمرين علي امير المؤمنين بعد ان تولي الخلافة ويعمل لمصلحة معاوية وقد لعنه علي (ع) اكثر من مرة وزجره وحاول ان يضع حدا لتجاوزاته ومؤامراته وأخيراً اشترك في قتله مع عبد الرحمن بن ملجم وجماعة ممن سخرهم معاوية لذلك كما وان ابنته جعدة قد حققت لمعاوية ما كان يتمناه ويعمل من اجله فدست السم إلي الحسن بن علي (ع) بعد ان اغراها معاوية بالمال ووعدها بأن يزوجها ولده الخليع يزيد بن ميسون، واشترك ولده قيس بن الأشعث في جميع الجرائم التي ارتكبها معاوية وولده يزيد مع العلويين وشيعتهم.

لقد بقيت العقيلة في بيت ابيها والخطاب يتوافدون عليه من هنا وهناك، وكان يردهم وكأنه كان قد صمم علي امر ينتظر الوقت المناسب لتنفيذه لا سيما وقد سمع النبي (ص) يقول وهو ينظر إلي اولاد علي وجعفر قبل ان يتجاوزوا سن الطفولة بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا كما جاء في بعض المرويات عنه.

واذا لم يكن النبي (ص) جدا لأولاد جعفر فانه لهم بمنزلة الأب والجد وهو وليهم ولا شيء أحب إلي الجد من اقتران أحفاده بعضهم ببعض لانه يعتبر ذلك تأكيداً لنسله وامتدادا لنوع من انواع وجوده، ولا بد وأن يكون عليا (ع) الذي كان في كل مراحل حياته يقتدي بأقوال الرسول وأفعاله قد سمع من الرسول هذه المقالة واعتبرها تأكيداً لما كان يضمره نحو اطفال اخيه جعفر شهيد مؤتة وبطل الإسلام الخالد وكان كفيلهم وولي امرهم بد استشهاد اخيه، فنفذها كما أراد رسول الله (ص) ورد جميع الخطاب الذين كانوا يتوافدون عليه من هنا وهناك للحصول علي شرف المصاهرة الذين يحصلون عليه بزواجهم من ابنة علي والزهراء، ولا احسب ان احدا كان اقرب إلي قلب علي (ع) بعد اولاده من اولاد اخيه جعفر بن ابي طالب وعلي رأسهم عبدالله بن جعفر وكانوا في عداد اولاده ونشأوا في بيته وبخاصة بعد ان تزوج من امهم أسماء بنت عميس بعد استشهاد زوجها جعفر الطيار ووفاة ابي بكر عنها.

وقبل ان نتابع الحديث عن زينب وزوجها عبدالله في بيتهما الجديد كزوجين كريمين من اكرم ما عرفه بيت ابي طالب بعد بيت ابيها واخوتها، اري من الوفاء لبيت ابي طالب الذي كان له الفضل الأكبر علي الإسلام والمسلمين كما تؤكد جميع الشواهد التي مر بها الإسلام ورسول الإسلام في مراحله الأولي انه لولا بيت ابي طالب لكان مصير محمد ورسالته كمصير زكريا ويحيي وغيرها من الانبياء الذين كانوا يتعرضون للقتل والمصاردة من بني اسرائيل قبل ان تنتشر رسالاتهم، وقديما قال الجاحدون لنبوة شعيب كما حكي الله عنهم في كتابه: ولولا رهطك لرجمناك.

لقد وقف ابو طالب وزوجته فاطمة بنت اسد وأولادهم إلي جانبه منذ اعلان الدعوة وأعلن أبو طالب بأنه سيمنع عنه كل من تحدثه نفسه بالأساءة اليه، والنيل منه، كما اوقفت زوجته فاطمة بنت اسد نفسها لخدمته في اليوم الذي مات فيه جده عبد المطلب، وكانت كما وصفها هو صلي الله عليه وآله تفضله علي أولادها في المأكل والملبس وفي كل شيء وظل يذكرها ويترحم عليها حتي النفس الأخير من حياته، وسبق ولداها علي وجعفر جميع المسلمين إلي الإسلام والإيمان برسالة محمد فكان أولهم علي بعد خديجة الكبري، ومر أبو طالب وعلي يصلي وحده إلي جانب محمد (ص) فقال لولده جعفر: صل جناح ابن عمك فأسلم بعد اخيه علي بأمر من ابيه وظل ابو طالب حياته بعد مبعث النبي (ص) يدافع ويناضل عن رسالة محمد بكل طاقاته وامكانياته ويقول:



ولقد علمت بأن دين محمد

من خـــير اديان البرية دينا



ومع ذلك فان رواة السنة ومحدثيهم الذين كانوا ولا يزالون يجترون مرويات أذناب الأمويين وصنائعهم الذين سخروهم للكذب والأفتراء علي الإسلام وحماة الإسلام ودعاته المخلصين هؤلاء يدعون بأن أبا طالب مات كافرا برسالة محمد وأبا سفيان بن حرب العدو اللدود للإسلام ولكل من آمن به وجاهد في سبيله مات مؤمناً في حين انه كان في اكثر مواقفه لا يتحاشي المجاهرة بشركه ووثنيته، وقد ذكرنا سابقا ان ابا طالب لو لم يكن ابا لعلي عليه السلام لكان من الصديقين ومن خيار المسلمين.


پاورقي

[1] الفواطم جمع فاطمة وقد اصبح کالعلم علي مجموعة من الهاشميات فهن فاطمة الزهراء وفاطمة بنت اسد وفاطمة بنت الحمزة وغيرهن، کما وان العواتک جمع عاتکة وهو اسم لمجموعة من نساء الهاشميين البارزات منهن عاتکة بنت عبد المطلب عمة النبي، وأم زينب بنت جحش التي تزوجها النبي بعد ان طلقها زيد بن حارثة.