بازگشت

بطولات الشباب في كربلا


إذا كانت مطامح الشباب عيشا رغيدا ومستقبلا سعيدا حافلا بكل ألوان النعيم كما نشاهد ونري فشباب كربلاء كانت كل امانيهم ومطامحهم صموداً في الأهوال وصبراً في البأساء واستشهاداً بحد السيوف، ولم يكن لتلك الفتوة الغضة والصبا الريان ان تهتم او تفكر بما أعد لها من غضارة الدنيا وما ينتظرها من صفو الحياة ولهوها ومتعها بل كان كل همهم التطلع إلي أي سبيل من سبل الشهادة يعبرون وأي موقف من مواقف البطولات يقفون.

هناك وعلي مشارف العراق وفي الطريق إلي كربلاء كان الحسين (ع) يسير علي رأس قافلة الشباب الابطال متحديا اقوي سلطة وأبشع طغيان وأسوأ من عرفه التاريخ من الحاكمين متحديا كل ذلك بسبعين من الرجال والشباب ليحطم بهذا العدد القليل قوي الشر والطغيان ومعاقل البغي والعدوان وليعلم ابناء آدم كيف يموتون في سبيل العزة والكرامة.

كان يسير ابو عبدالله علي رأس تلك القافلة ممن اصطفاهم الله إلي الشهادة التي لم يجد وسيلة غيرها تحفظ لشريعة جده مما كان يخططه لها الحزب الاموي الحاكم الذي سخر جميع طاقات الامة وامكانياتها وفئاتها للقضاء عليها.

كان يسير إلي الشهادة ومن حوله عشرون شابا او اكثر من بنيه واخوته وأبناء أخيه الحسن السبط (ع) وأبناء اخته بطلة كربلاء وشريكته في الجهاد والتضحيات وأحفاد عمه عقيل بن أبي طالب وما اسرع ان كبّر قائلا: الله اكبر، ولم يكن الموقف موقف تكبير فلا بد وأن يكون تكبيرة لأمر ما أو لهم من همومه أراد ان يستنجد عليه بالله سبحانه وإذا كان للتكبير روعته مهما كانت دوافعه وأسبابه فما احسب أن تكبيراً في تلك الساعة كان له من الروعة ما كان لتكبير الحسين (ع) وهو منطلق في تلك الصحراء المديدة إلي الهدف الاسمي والغاية العليا تحت سماء العراق الصافية. علي رأس ذلك الركب كبّر الحسين فكانت تكبيرة لم يعرف التاريخ تكبيراً اكثر منها دويا، تكبيرة اقتحمت تلك البيداء ومضت من صعيد إلي صعيد تهز النفوس وتثير الضمائر الحية وتحض علي الظالمين والعابثين بتراث محمد ورسالته.

وما كان لعلي الاكبر ابن العشرين الذي كان يسير الي جنب ابيه إلا ان يسأل أبال لم كبّرت يا أبتاه؟ فقال له: لقد خفقت خفقة فعنّ لي هاتف وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير في اثرهم فعلمت ان نفوسنا نعيت الينا.

لقد كان جواب الحسين لولده موجزا وبكلمة واحدة لا مواربة فيها ولا تمويه انه الموت ينتظرنا علي الطريق وسوف نموت ولا نستسلم للطغاة ولا نهادن الجور والتسلط علي عباد الله والمستضعفين في الأرض، مع انه لا سبيل لنا إلي استنهاض ثورة عارمة تدك عروش اولئك الطغاة بقوتها المادية تنتصر عليهم بقوة السلاح وكثرة الرجال.

ان سبيلنا الوحيد هو بين أيدينا ورهن ارادتنا وهو ان نكون وحدنا الثورة ومن غير المعقول ان نتغلب بهؤلاء السبعين علي ألوفهم ونهزم بهم سبعين الفا من رجالهم ولكن باستطاعتنا ان نقلب الدنيا علي رؤوسهم إذا ضحينا وقتلنا في سبيل الإسلام ورسالته.

وكان الحسين (ع) وهو يلقي كلماته هذه علي ولده علي الأكبر ابن العشرين وأشبه الناس بجده الرسول الأمين خَلقا وخُلقا يريد ان يسمع رأي ولده الأكبر ولم ينتظر الإمام طويلاً حتي سمع جواب الشاب الذي بادره بقوله: يا أبتاه لا أراك الله سوء أولسنا علي الحق، هذا هو القول الفصل عند علي بن أبي طالب وأبنائه شيوخاً وشباباً والقرار الأولوالأخير انهم يسعون إلي الحق ويعملون من اجله ويحاربون الباطل وحيث يكون الحق فهو هدفهم وغايتهم مهما كلفهم ذلك من جهود وتضحيات.

أولسنا علي الحق يا أبتاه؟ هكذا كان جواب الأكبر ابن العشرين لابيه، وكان رد الحسين عليه السلام: بلي والذي إليه مرجع العباد، ورد عليه ولده بقوله: اذن لا نبالي بالموت ما دمنا نموت محقين.

ان الحسين (ع) لم يكن ينتظر من ولده غير هذا الجواب ولكنه لم يتمالك إلا ان يزهو بمثل هذه الروح التي يحملها شاب في مطلع شبابه فرد عليه قائلا: جزاك الله من ولد خير ما جزي ولداً عن والده.

ان علي الأكبر بكلماته هذه لم يكن يعبر عن نفسه وروحه خاصة بل كان يتكلم باسم الشباب العشرين من أحفاد ابي طالب وكان يعلن قرارهم الاخير الذي هاجروا من المدينة لاجله وكان في طليعة اولئك الشباب العشرين العباس بن علي اكبرهم سنا وكان الحسين يحبه حب الأخ لأخيه والوالد لولده الوحيد وللعباس من المؤهلات والصفات الفاضلة ما جعله محببا لكل عارفيه، وكما تكل الأكبر باسم الطالبيين جميعاً فقد تكلم العباس باسمهم بمناسبة اخري وبنفس الروح والعزيمة والاستهانة بالحياة التي كان يحملها الأكبر وذلك عندما عرض عليه ابن ذي الجوشن الأمان لاتصال أمه أم البنين بنسبه فرد عليه العباس بعد أن أمره الحسين بالرد عليه قائلا: لعنك الله ولعن امامك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، ولقد كرروا تصميمهم علي التضحية في سبيل الحق الذي يمثله الحسين مرة أخري وذلك عندما جمع الحسين أنصاره وأهل بيته وأذن لهم بالإنصراف وقال: ان القوم لا يريدون غيري وقد اذنت لكم بالإنصراف في ظلمة هذا الليل فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وكان أول المتكلمين باسمهم جميعاً العباس بن علي فقال: ولم نفعل ذلك لنبقي بعدك يا ابا عبدالله لا أراني الله ذلك ابدا، وتتابعوا جميعاً علي الكلام بنفس الروح واللغة التي تكلم بها العباس.

وفي اليوم العاشر من المحرم اليوم الحاسم الرهيب كان الشباب أحفاد ابي طالب يتسابقون إلي الموت بأرواحهم الطيبة السخية بالبذل والفداء في سبيل الحسين، وكما كان الأكبر يتكلم باسمهم ويعبر عما في نفوسهم وضمائرهم فقد كان اول شهيد من اولئك الشباب الابطال وحينما اقبل علي المعركة قال:



انا علي بن الحسين بن علي

نحـــن وبيت الله أولي بـالنبي



والله لا يحكم فينا ابن الدعي

وتناولته السيوف والرماح بعد ان فتك بهم فتكا ذريعاً وقتل نحوا من مائتين من فرسانهم وأبطالهم الاشداء وأدي للبطولة حقها وللشهادة كرامتها وتتابع الطالبيون من بعده شاباً بعد شاب دفاعا عن الحق والعقيدة وكرامة الإنسان ومبادئ الإسلام مطمئنين بالمصير الذي أعد لهم والنصر المبين.



عشرون شاباً من نسل ابي طالب وأحفاد محمد بن عبدالله رفضوا الذل والهوان ومشوا إلي الموت بأنوف شامخة ورؤوس مرفوعة عالية لحماية الإسلام من الوثنية والجاهلية الرعناء التي حمل لوائها يزيد بن ميسون بعد أبيه معاوية وجده ابي سفيان عدو الإسلام الأكبر الذي ارغمه الإسلام علي الإستسلام عام الفتح ووقف بين يدي محمد بن عبدالله ذليلاً يستجديه العفو والصفح. مشوا إلي الموت يرددون مقالة جدهم ابي طالب وهو يخاطب ابا سفيان وحزبه يوم كانوا يطاردون النبي في مكة ويسومونه كل أنواع العسف والجور ويساومون ابا طالب ليتخلي عنه وهو يقول لهم:



كذبتم وبيت الله نخلي محمداً

ولمـــا نطاعن دونه ونناضل



وننصره حتــي نصرع حوله

نذهــــل عن ابنائنا والحلائـل



ان ابا طالب حينما أنشد هذين البيتين لم يقصد بهما نفسه ولا جيله من الهاشميين والطالبيين بل كان يقصد بهما كل هاشمي من نسله ويناشد كل جيل من أحفاده ان يضحي بنفسه وبكل ما لديه عندما يري رسالة محمد معرضة للتحريف والتزوير والاستغلال كان يخاطبهم من وراء الغيب أينما وجدوا ليكونوا حماة لرسالة محمد ونهجه، وهكذا كان فلقد نفذوا جميع وصاياه وناضلوا وضحوا بأنفسهم من اجلها حتي استشهدوا حوا الحسين تاركين للعالم وللتاريخ صوراً ناصعة من الوفاء ودروساً غنية بالعطاء والمثل العليا تستلهم منها الاجيال كل معاني الخير والنبل والفضيلة.

لقد نفذ احفاد ابي طالب كل وصاياه ووقفوا في وجه اولئك الجلادين والفراعنة أحفاد ابي سفيان يناضلون ويدافعون عن رسالة محمد وتعاليم محمد بنفس الروح والعزيمة التي كان جدهما ابا طالب يدافع ويناضل بهما ويقول لابن اخيه:



والله لن يصلوا اليك بجمعهم

حتـــي اوسد في التراب دفينا



ولقــــد علمت بأن ديـن محمد

مـن خــــير اديان البرية دينا



ان ابا طالب الذي وقف إلي جانب الدعوة ودافع وناضل عنها وعن صاحبها بكل ما لديه من مال وجاه وقوة منذ ان بزغ فجرها ولم يتنازل عن مواقفه منها بالرغم من مغريات قريش وجبروتها وفي الوقت ذاته كان يعلن بكل مناسبة بأن دين محمد من خير أديان البرية ويأمر بنيه ذويه بالسير علي خطا باعثها وحاميها واعتناق الإسلام، ان ابا طالب صاحب هذه المواقف الكريمة الخالدة لقد مات كافرا وفي ضحضاح من نار عند اخواننا اهل السنة ومعاوية وأبا سفيان اللذين لم يفارقا الأصنام ولم يتنازلا عن وثنيتهما لحظة واحدة كما تؤكد ذلك مواقفهما من الإسلام وحماة الإسلام في عشرات المناسبات، ماتا مسلمين مؤمنين ومن عدول الصحابة. وعشرات الشواهد تدل علي ان ابا طالب سلام الله عليه لا ذنب له عند الامويين ورواتهم ومحدثيهم إلا انه والد الإمام علي بن ابي طالب الذي ضعضع كبريائهم وداس عنصريتهم ووثنيتهم بقدميه في بدر وأحد والأحزاب، وفضح مخططاتهم في سيرته وسلوكه وسياسته، ولو استطاعوا ان يلصقوا به الشرك لم يقصروا، ومع ذلك فقد وضع لهم ابو هريرة وابن جندب وكعب الأحبار والزبيريون وابن شهاب الزهري عشرات الأحاديث في ذمه وتجريحه ولعنوه علي منابرهم نحواً من مائة عام ولكنهم كانوا بما اقترفوه في حقه كأنهم يأخذون بضبعه إلي السماء وكأنهم كانوا ينشرون جيف الحمير فيما وضعوه من الأحاديث في فضل بعض الصحابة والأمويين علي حد تعبير الشعبي وعبدالله بن عروة لولديهما.

ومهما كان الحال فستبقي مواقف انصار الحسين وشباب كربلاء بالذات في سبيل الحق والمبدأ والعقيدة مثلا كريماً لكل ثائر علي الظلم والجور والطغيان إلي حيث يشاء الله وسلام الله عليهم وعلي جدهم ابي طالب حين ولدوا وحين استشهدوا وحين يبعثون مع الأنبياء والصديقين وشهداء بدر وأحد ورحمته وبركاته.

ونتمني علي شبابنا الذين ينشدون التحرر من الاستغلال والاستعباد وتسلط الحاكمين ان يرجعوا إلي تعاليم الإسلام وسيرة اهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من وثنية الأمويين وعنصريتهم ومن كل ما هو غريب عن الإسلام وبعيد عنه ونتمني عليهم ان يرجعوا ايضاً إلي مدرسة كربلاء ليقتدوا بشبابها الذين كانوا ثورة عارمة علي الظلم والتسلط والاستغلال واستعباد الانسان لأخيه الانسان وسيجدون فيها وفي الإسلام ما يغنيهم عن تلك المبادئ المستوردة من هنا وهناك والتي تنطوي علي اسوأ انواع التسلط واستعباد الشعوب باسم الحرية والعدالة والديمقراطية وما إلي ذلك من الشعارات البراقة الجوفاء التي يتاجرون فيها لتضليل الشعوب والبريئين من الناس ومنه سبحانه نستمد لهم الهداية والوعي السليم ليدركوا ما تنطوي عليه تلك المبادئ من تضليل وهدم للقيم والأخلاق واستغلال للضعفاء انه قريب مجيب.

لقد اوصي الحسين اهل بيته بالصبر بعد ما استشهد جميع اصحابه ولم يبق معه إلا اولئك الشباب من ولده وولد علي وجعفر وعقيل والحسن السبط فاجتمعوا يودع بعضهم بعضاً وهم في مطلع شبابهم كالأسود الضواري واثبت من الجبال الرواسي:



كــرام بأرض الفـــــاخـرية عـرسوا

فطـــــابت بـهم أرجـاء تــلك المنـازل



اقاموا بها كالمزن فاخــضر وعدها

وأعـــشب مــن اكنـــافـها كـل ماحـل



زهت ارضها من شر كــــل شمردل

طـويل نجاد السيـــــف جلـو الشمائـل



كأن لعزرائيـل قــــــد قــــــال سيفـه

لك السلـم موفـــوراً ويـوم الكفاح لي



حموا بالظبي ديــــن النبي وطاعنوا

ثبــــــاتا وخـــاضت جـردهم بالجحافل



ولمــــــا دنـــــت اجـالهم رحبـوا بها

كـأن لهــــــم بـالمـــوت بلغـــــة آمـل



عطاشي بجنب النهر والماء حولهم

يـــــبـاح إلــي الـوراد عـذب المناهل



فلـــــم تفجـع الايام مـن قبـل يومهم

بــأكــرم مقـــــتـولاً لالأم قــــــاتـــــــل



ورحم الله من قال في وصفهم:



هم القـــــوم مـــــن عليا لوي بـن غالب

بهـم تكشـــــف الجـــلـي ويستـدفع الضر



يحـــــيـون هـــــنـدي السيـــــوف بأوجـه

تـهـــــلل مـن لـئـــــلاء طلــــقهـا الـبشير



يـلفــــــون احـاد الالـوف بمثـــــلهـــــــــا

اذا حـل مـن معـــــقـود رايـاتـــــها نشــر



بـــــيـــــوم بـه وجــــــه المـنـون مـقطب

وحــــــد المـواضـــــي بـاسم الثـغـر يفتر



إذا اسـود يـوم النـــــقع اشــــرقن بالبها

لهـم اوجــــــه والشــــوس الوانها صفر



وما وقفـــــوا فـــــي الحرب إلا ليعبـروا

إلي المـوت والخـــــطي مــن دونه جسر



يـــــكـرون والابطـال نكـــــسا تقاعــست

مـن الخــــــوف والأســـــاد شيمتها الكر



إلي ان ثـــــووا تحـــــت العجاج بمعـرك

هو الحشر لا بـــــل دون مـوقـفه الحشر



وماتـــــوا كـــــرامـا تشهـد الحرب انهـم

ابـاة إذا الــــــوي بـــــهــم حــــــادث نـكر



إبـا حـــــسن شكــــــوي اليـــــــك وانهـا

لـواعـج أشجان يجـــــيـــــش بهـا الصدر



أتـــدري بمـــا لاقت مـن الكــــرب والبلا

وما واجهت بالطف ابناؤك ابن اؤك الغر



أعــــزيك فـــيهـم انهــــــم وردوا الـردي

بــــأفئــدة مــــــا بــــــل غـــــلتهـا قـــطـر



فــــكـم نـكـــــأت منــــــكـم أمـــيـة قرحـة

إلي الحشر لا يأتي علي جرحها السبـــر



فــــمـن صبـــــيـة قــــد أرضعـــتهـا أمية

ضـــــروع المــــنـايا والـدمـاء لهــــا در



فهــــا هي صرعي والسهام عــــواطـف

حـــــنـوا عــليهـا والــــرمـال لها حـــجـر



وزاكــــيــــة لـم تلق فـي النوح مـــسعداً

ســـــوي انهـا بالســـوط يـزجرها زجـــر



ومذهـولــــة من دهشة الخيـل ابــــرزت

عـــــشيـة لا كــــهـف لــــديها ولا خــــدر



تجــــــاذبــــهـا أدي العـــــدو خـــمـارهـا

فتـــــستر بـالأيـــدي اذا اعــــوز الســـتـر



سرت تـــــتـــــراماهـا العـداة ســـوافـراً

يــــــروح بهـا مصر ويغـــدوا بها مـــصر



تطــــوف بها الاعداء فـي كــــل مهـــمه

فيجـذبهـا قـــــفـــــر ويقــــــذفهـا قــــــفــر