بازگشت

المقدمة


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيِم

والصلاة والسلام علي محمد وآله والأئمة الهداة المهديين ورحمته وبركاته. وبعد فإن المتتبع في بطون الأسفار والمصادر يجد الكثير من الأبطال وعظماء الرجال الذين دفعهم دينهم وإيمانهم إلي الجهر بكلمة الحق والدعوة إلي العدالة باقتحام ميادين الجهاد والثورة علي الظلم هنا وهناك لينالوا شرف الدفاع عن عقيدتهم والمعذبين في الأرض من جور الطغاة وفراعنة العصور ولو أدي ذلك إلي استشهادهم والتضحية بكل ما يملكون ولقد سجل التاريخ عشرات الثورات والانتفاضات لأولئك الأبطال المجاهدين وتحدث عن انتصاراتهم ومنجزاتهم ولكنه لم يحدث عن ثورة في تاريخ الشعوب والأمم عاشت كما عاشت ثورة الحسين وكان لها من الضجة في عالمها وما بعده في كل زمان ومكان ما كان لثورة الحسين، وأعطت وقدمت للإنسان المسلم وغيره من المنجزات والقيم والمثل العليا ما اعطته وقدمته ثورة الحسين ولا تزال حية تعكس تفاعل الأمة مع التاريخ في تحرك وعطاء مستمر في حاذر المسلمين كما كانت في ماضيهم الغابر وأغنت بعطائها وأفكارها وأهدافها النبيلة تاريخ الإسلام كما كشفت زيف أدعيائه والمتخذين منه ستاراً يخفون وراءه ما يضمرونه من شرك وشر وسوء لدعاته المخلصين، ولم يكن ذاك إلا لأنها لم تكن لعصر دون عصر ولا لفئة من الناس دون فئة كما لم تكن وليدة ظروف طارئة أو تحركات سياسية محدودة الآثار والدوافع وبعيدة عن احاسيس الأمة وانفعالاتها، بل كانت النور الساطع للمسلمين في جميع تحركاتهم الهادفة لإتمام المسيرة بالإسلام إلي الهدف الاسمي والغاية القصوي التي ارسل محمد بن عبدالله رسول الرحمة والكرامة والحريف من اجلها، وكانت المرآة الصافية للحاضر الذي كانت تعيشه الأمة ولواقعها الذي كانت ترسف في أغلاله والحقيقة الدائمة التي تتصل بالتكوين الدائم لعقل الإنسان وقلبه ومجتمعه وتلبي جميع حاجاته وطموحاته.

انها الثورة الوحيدة من بين تلك الثورات والإتنفاضات التي عبأت الإنسان المسلم وغيره منذ حدوثها ودفعت به في الطريق الدامي الطويل طريق النضال والتحرير من الاستغلال والاستعباد والتسلط وأسهمت ولا تزال تسهم بدور هام في تكوين الشخصية الثقافية والاجتماعية والسياسية بعد أن كان المسلمون يوم ذاك يفقدون حريتهم وروحهم النضالية وحتي وجودهم بفعل سياسة الحاكمين الأمويين، ولدقمت مع ذلك للأمة نماذج من القيادات والاتباع ترسم لها مواقعها في مواجهة الأحداث والمواقف التي تعترض طريقها في مسيرتها نحو المستقبل الأفضل والمجتمع الافضل، واستمرت تلك القيادات في مسيرتها بالرغم مما كان يعترضها من انتكاسات تعرقل مسيرتها وأحيانا إلي الفشل الذي كان من تتائج تشدد تلك الانظمة في اجراءات القمع والارهاب لترسيخ انظمتهم التي فرضوها علي المجتمع من جميع نواحيه، ومع كل ما مرت به تلك القيادات خلال مسيرتها التاريخية من مراحل الصراع والجهاد تعرض فيها الشيعة لألوان من الاذي والعدوان، فقد كان لها مواقف مشهورة وبطولات رائعة كانت ثورة الحسين تمدها بالعزيمة والثبات وتدفع بهم إلي الإمام واستمرت تلك الثورات التي كانت روح كربلاء تسيرها يتلو بعضها بعضاً في مواجهة تلك الدولة الجائرة حتي أنهكتها وقضت عليها وجلت محلها دولة اخري قامت بسواعد الشيعة التي كانت تمثلها الدولة الحسين تسيرهم، ولكنها مثلث اسوأ الأدوار التي كانت تمثلها الدولة الأموية، فكانت الثورات والانتفاضات تتلو الواحدة الأخري بقيادة العلويين وغيرهم إلي غير ذلك من الانتفاضات التي لا يخلو منها عصر من العصور ولا زمان ومكان، ولكن البعض من تلك الثورات لم يكتب لها ولا لقادتها الخلود إلا لفترات محدودة من الزمن لأنها كانت وليدة ظروف محدودة أو انفعالات عاطفية أو مصالح مخصوصة إلي غير ذلك من الدوافع وكان عمرها محمدودا بعمر محتواها وطواها التاريخ كما طوي غيرها من الإحداث.

ان ثورة الحسين كانت الوهج الساطع الذي اضاء المسالك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقها الصحيح والمرآة الصافية للتخلص من الحاضر الذي كانت تعيشه الأمة ومن واقعها الذي كانت ترسف في أغلاله، ومن اجل ذلك فقد دخلت في أعماقهم جيلاً بعد جيل وستبقي خالدة خلود قادتها تستمد بقاءها وخلودها من اخلاص قادتها وتفانيهم في سبيل الإسلام والمثل العليا ما دام التاريخ.

وكنت قد تحدثت عن ثورة الحسين ودوافعها بشكل اقرب إلي اليجاز منه إلي التبسيط في كتابي الانتفاضات الشيعية في العصر الأموي وعرضت فيه صوراً عن مواقف العقيلة الكبري زينب بنت علي وفاطمة في كربلاء والكوفة وقصر الخضراء في مجلس يزيد بن ميسون، وبعد تلزيم الكتاب إلي الناشر وتقديمه إلي المطبعة وجدت رغبة ملحة من بعض الشباب المؤمن في اصدار كتاب مستقل حول اهداف الثورة الحسينية ومراحلها وحياة العقيلة ومراحلها من طفولتها إلي آخر مرحلة منها ومرقدها الذي لا يزال مجهولا ومرددا بين المدينة وضاحية الشام ومحلة الفسطاط من القاهرة وعن المآتم الحسينية والمراحل التي مرت بها خلال تلك العصور التي تلت مصرع الحسين (ع) لتكون في متناول الجميع علي حد تعبير أولئك الشباب.

بعد تردد دام وقتاً ليس بالقصير وبعد الالحاح لتحقيق هذه الأمنية وضعت هذا الكتاب وافتتحته بفصل عن الثورة الحسينية وأهدافها استخلصت قسماً من ذلك الفصل مما عرضته في كتابي الانتفاضات الشيعية وأضفت إليه ما انتهيت إليه في هذه الدراسة وعرضت ابرز الجوانب من حياة العقلية منذ طفولتها وما قيل حول مرقدها كما تعرضت للمآتم الحسينية ومراحلها ومواقف الحاكمين منها الموالين والمخالفين وقد جرني البحث عن مراقد الأئمة والأولياء إلي الوقوف قليلاً مع اولئك الحاقدين علي الشيعة من شيوخ الوهابيين وغيرهم وأرجو أن أكون قد وفقت لكشف بعض الحقائق التي لا يزال يكتنفها الغموض ولتلبية رغبات الشباب وبقية القراء ومنه سبحانه أستمد العون والتوفيق وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن لا يحرمني من شفاعة الحسين وأبيه وجده أنه قريب مجيب.

هاشم معروف الحسني