بازگشت

بعض الفوائد التي توخاها


يقول المعترض ما الذي حصل للحسين في نهضته، وهل هو إلا رجل شاغب السلطة القائمة، وقد غرّه أهل الكوفة بما كتبوا إليه مع أنه قد جرّب غدرهم وخيانتهم بأبيه وأخيه فاكملوها بخيانتهم فيه، ولم يستتب له أمر خلافته فيها، ثم عرّض نفسه للقتل إذ قابل تلك الجموع الغفيرة بعصابته القليلة، فلم يكتب له النصر حتي قتل وأصحابه، واوقع عائلته بذل الأسر والسباء من بعده.



تتصفح البلدان صورة سبيها

أشكال بارزةٍ بذل المُثَّل



هذا مبلغ علم النفوس الضعيفة، هذا ما يتراآي من النظر في التاريخ سطحياً، هذا منتهي ما يتخيّله أرباب العقول، القاصرة عن التفكير العميق، وسبر الحقايق الجليلة لأجل البلوغ الي أغوارها، ولقد ذكرنا في تضاعيف كلماتنا السابقة كثيراً من الغايات التي توخّاها الحسين، وكانت أوّل الفكر في نهضته، فأحرزها في آخر عمله بل ضاعفها اللَّه أضعافاً كثيرةً، زيادةً علي ما أمّل وعلاوة علي ما كان يحسب «واللَّه يضاعف لمن يشاء واللَّه واسع عليم» [1] .

فلو أن الأمور واتت الحسين، كما يظهر من إنقياد الكوفة أهل المنعة والغلبة علي جنود الشام في ملحمة صفين، بل القضاء عليهم - ولو لم يخدعهم ابن النابغة [2] - لأعاد الحسين دين جدّه غضّاً طرياً، بعد أن أخلقته السياسة الأموية، وطوحت بنواميسه الأهواء الغاشمة والأيدي الآثمة، وهذا ما لا يجد المعترض لإنكاره سبيلاً.

أما إذا لا حظنا ما وقع في خارج الأمر من خيانة الكوفة به، وقتله علي يدها، بعد أن لم يعط الدّنية من نفسه فينزل علي حكم يزيد ليقتله شرّ قتلة وأخزي قتلة،


ويُمثل به أقبح مثله، وليسومه الخسف والهوان والذلّة، فنقول لقد بلغ الحسين واللَّه ما أراد من نصرة دين جدّه الذي أخذ اللَّه عليه العهد لينصرنّه ولا يخذلنّه، وإلا كان - وحاشاه - ظالماً، وقد قال تعالي «لا ينال عهدي الظالمين» [3] وقد سجّل التاريخ للكثير من ذوي النفوس الكبيرة الذين لم يبلغوا الغاية في أعمالهم إلا بتضحية نفوسهم وقرّت عيونهم في الحياة الخالدة الأبدية بنيل طلباتهم وإدراك آمالهم من هداية الخلق وتوجيههم الي وجه الحق، وهذا القرآن الكريم -فوق الكل - يذكر توطين الأنبياء نفوسهم علي القتل فيشكره لهم، سواءً قتلوا كما أراد اُممهم ذلك أو نجّاهم اللَّه من كيدهم كخليله ابراهيم الذي نجّاه بلطفه من نار النمرود قهراً للطبيعة وقسراً للعادة، وكأفضل أنبيائه لديه وأكرمهم عليه وأحبهم إليه نبينا محمد، فقد وطّن نفسه علي القتل، ولم يشك في قتله من سمعَ صيحة ابليس في واقعة اُحد، لأن الأمور مواتية علي قتله، ونجاته لُطف من اللَّه لم يكن بحسبان أحد، وقد ذكر اسف الأنبياء علي اُممهم الذين أهلكهم اللَّه بدعوة أنبيائهم، فأصبحوا خامدين كقوم نوح وهود وأخوه صالح وشعيب، فإن الأنبياء ودعاة الإصلاح كلّهم، وإن اختلفوا في النتيجة وواقع الأمر لكنهم في بدء الأمر موطنون أنفسهم علي القتل، ونجاح الدعوة هو غاية أملهم، أدركه مَن أدركه، ولو بعد قتله كالحسين، وفاته من فاته كنوح وهود وصالح وشعيب، وقتل مَن قُتل منهم كالحسين، ونجّي اللَّه بلطفه مَن كانت الحكمة في نجاته كجدّ الحسين، واللَّه أعلم بمصالح أنبيائه وأوليائه، وله فيهم حكمة بالغة، وتدبير هو أعلم بوجه مصلحته، وهو بعباده حكيم عليم، ليس له معين ولا ظهير، ولا وزير له في تدبير مملكته ولا مشير يريد فيقضي ويحكم فيمضي.

أما الأهداف التي أصابها الحسين في نهضته الكريمة وأدركتها عقولنا هذه


المحدودة الآفاق، فلا يكاد يأتي عليها البيان، ودع عنك الأمور التي خفيت علينا وهي أجل وأكثر كما خاطبنا اللَّه بقوله «وما اُتيتم من العلم إلا قليلاً» [4] وهي تعتمد علي قاعدتين، وتدور علي محورين:

الأول: شرف العاطفة، وعزّة النفس، واحياءُ المجد، بمعانقة مصارع الكرام، وتقديم ذلك علي إعطاء الدينية والخضوع الي مداني الشيم ومساوي ء الأخلاق، طمعاً بعيشة موهومة في أيام منكودة، وهذا ما لا نحتاج في اثباته الي التدليل عليه، واستمع اليه ينشدك بلسان حاله:



تريدُ علي مكارِمِنا دَليلاً

متي أحتاجَ النَّهارُ الي دَليلٍ



فإن في قوله «هيهات منّا الذلة» [5] وقوله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل [6] كفايةً لمن تدبر، أو القي السمع وهو شهيد ودع قوله «لا أري الموت إلا سعادةً، والحياة مع الظالمين إلا برماً» [7] وحاشا مجدهُ وعلاه وصدق لهجته أن يحابي نفسه، فيصفها بما ليس فيها، وهو من أهل بيتٍ أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

الثاني: وهو الركن الأعظم والقاعدة الكبري - نصرة دين اللَّه وحماية سنّة جدّه رسول اللَّه، فلقد ضرب - كما قال ابوه امير المؤمنين - أنف أمر زمانه وعينه، وقلّب ظهره وبطنه، فلم يرَ له إلا القتال اأو الكفر بما جاء به جدّه محمد، وها نحن


نبيّن لك ما نستطيع - كما يحتمله موضوع الكتاب - من وجوه نصره لدين جدّه في نهضته لإعلاء مناره واستشهاده في سبيل بناء مجده، واللَّه ولي التوفيق.

الأول: لا أخال أحداً يشك أن معاوية أعظم مداراةً لابناء زمانه من يزيد، ويزيد أسرع انقياداً لميوله وأهوائه وعدم اكتراثه بما ستجرّ عليه العاقبة وبما يثمر له هذا الإستهتار والخلاعة والمجون، وقد نهاه معاوية عن الجهر بهذه المنكرات «وويلٌ لمن كفّره النمرود» فإذا قضي معاوية خلافته بسب اللَّه ورسوله، والكناية عن سبّهما بسب أمير المؤمنين، كما في حديث ابن عباس [8] .



افتري يزيد لا يقضي حياته بسب اللَّه ورسوله جهراً وبصريح المقال وطي المقدمات، من دون الحاجة الي الكناية والتورية، غير أن الظروف التي أحاطت بنهضة الحسين أخذت بمخنق [9] يزيد وأرغمه أن يقسر نفسه، ويريد أن يسيطر عليها، فيظهر مظهر محب للحسين حتي بكاه وأنكر أن يكون أمر بقتله، وعضّ اصبعه ندماً علي ما فرّط بزعمه من عامله ابن زياد، وأمر نسوته بالبكاء عليه، وقال لهنَّ «اندبنه فإنه صريخة قريش» [10] وواللَّه لو لم يقتل الحسين لأكمل يزيد سيرة أبيه واتمها بسبّ


الرسول جهاراً وسبّ اللَّه علناً لا سراً، أما تراه في بعض الأحيان إذا جاشت به عواطفه، ولم يستطع كبح جماح هواه، يضرب بمخصرته ثغر حفيد رسول اللَّه، بعد إنكاره في ملإه الحاشد لرسالة نبي اللَّه ومصطفاه قائلاً:



لَعِبت هاشمُ بالمُلكِ فلا

خَبرٌ جاءَ وَلا وَحيٌ نزلْ



ثم يأمر خطيبه أن يرقي المنبر ويسبُّ علياً والحسن والحسين [11] ، وهكذا فعل عدو اللَّه، فن هذا السبَّ وهذا الإنكار لرسالة الرسول هو مقتضي طبعه وعفو قريحته، وذلك الثناء علي الحسين والندم علي قتله لم يكن له سبب إلا قتل الحسين عليه السلام، وكان قد تكلّف ذلك «مكرهٌ أخوكَ لا بَطل» [12] .

الثاني: لقد ذكر اللَّه الأمم التي هلكت بدعوة أنبيائهم ورسلهم - مبكتاً عليها - بعد أن كذبوهم وأصرّوا واستكبروا استكباراً كما قال تعالي «حتي إذا استيأس الرُسلُ وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا» [13] والحسين أرسله اللَّه علي يد جدّه رسول اللَّه، لإصلاح المجتمع الإسلامي، وقد تدهورت أخلاقه في خلافة معاوية الي حد بعيد، وذلك بعد أن دعاه أهل الكوفة، وحلفوا له بالأيمان المغلظة أن يتركوا بني اُمية أعداء، دينه، وليوجّههم لوجه الحق، وما خرج أشراً ولا بطراً، فأحيوا معه تاريخ الأمم السالفة، وجاءه نصر اللَّه عليهم، كما نصر رسله الكرام المتقدمين، فهلكت تلك الأمم بالعزق وبصيحة جبرئيل وبالريح العقيم، وما الي ذلك وهلكت اُمة الكوفة بأن غرقت بدمها من سيف الحسين وأنصار الحسين، كما قالت شقيقة الحسين «إن أخي ما ترك داراً بالكوفة إلا وفيها نائحٌ أو نائحة»


وهلكت بقية سيف الحسين بدعاء الحسين عليهم، وقد أفاض اللَّه علي علمه أنه قد استجاب له فيهم، حيث قال [14] «اللهم أحبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسِني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف - يريد به المختار - يسقيهم كأساً مصبّرةً، ولا يدع فيهم أحداً إلا قتلةً بقتلةٍ وضربةً بضربةٍ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم، فإنهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير» أما ابن سعد، فقد أخبره بعاقبة أمره خاصةً مناصحاً له، حيث قال ادعوا لي عمر بن سعد، فدعي له - وكان كارهاً لا يحب أن يأتيه - فقال «يا عمر أنت تقتلني، وتزعم أن يولّيك الدّعي ابن الدّعي الرّي وجرجان، واللَّه لا تتهني بذلك أبداً، عهداً معهوداً، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأني برأسك علي قصبة قد نُصبت بالكوفة، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضاً بينهم» [15] وإلا فقد كان المختار نفسه لم يحدث نفسه بذلك، ولم يصدق ما حدثه به الثقات [16] من أنه سينجو من سيف ابن زياد وسجنه، ثم يتولي قتله وقتل جنوده الذين قتلوا الحسين بأمره، وعلي رأسهم ابن سعد الذي وعده الحسين، فكان قتله علي يد المختار، نعم واللَّه.



دعوةُ (المظلومِ) لا ردَّ لها

انَّهُ يسألُ حقاً فيُجاب



نقول فقد خصَّ اللَّه الحسين وفضّله علي سلفه من الأنبياء بأن حظي لديه بالشهادة، وأدرك غرضه من هداية اُمة جدّه حيث نهض ارادة إصلاحها وهداها، وهلكت الأمة التي عارضته بأن يشقّ طريقه الي مقصده، فغرقت من سيفه بدمائها ومن دعائه ببوارها، وقطع دابر القوم الكافرين، والحمد للَّه رب العالمين.


الثالث: قتل بنو اُمية الحسين، ونسوا اللَّه فأنساهم أنفسهم واستدرجهم وأملي لهم ليكيد لهم الكيد المتين، وليجعلهم سلفاً ومثلاً للآخرين غرَّ يزيد هذا الإستدراج وخدعه هذا الإملاء له، فعقّب قتل الحسين بواقعة الحرّة [17] ، وأخذ جيشه يخوض بدماء المسلمين من أهل المدينة وأباحها ثلاثة أيام بلياليها لرجاله الأشقياء المتوحشين، وختم أعماله الثلاثة في سِني خلافته الثلاث برمي الكعبة بيت اللَّه الحرام بالمنجنيق [18] وعندها أخذه اللَّه أخذ عزيز مقتدر - وأعوذ باللَّه من غضب الحليم - يقول امير المؤمنين عليه السلام «ولئن أمهل اللَّه الظالم فلن يفوت أخذه، وهوله بالمرصاد علي مجاز طريقه، وبموضع الشجا من مساغ ريقه» [19] وانتهت حوالي هلاك يزيد ودولة آل أبي


سفيان، وقامت علي أنقاضها [20] دولة مروان وآل مروان، أمّا إمرة مروان [21] نفسه فكانت قصيرة حقيرة كلعقة الكلب أنفه، كما أخبر عنها أمير المؤمنين قبل وقوعها [22] ، وقام بالأمر بعده أول اكبشه الأربعة عبد الملك [23] ، فكتب الي عامله الحجاج «جنّبني دماء بني علي، فإني رأيت آل أبي سفيان هلكوا بإراقتها» [24] ولكن ابنه الأحول المشوّه هشاماً [25] لم يعتبر كما اعتبر أبوه، بل ظن أن اللَّه سيستدرجه ويملي له كيزيد، فقتل زيد بن علي بن الحسين [26] وصلبه عرياناً بعد القتل أربع سنين [27] ، ثم كتب الي عامله أشقي ثقيف أن أنزل عجل أهل العراق وأحرقه وذره في الهواء [28] ، وهكذا فعل الرجس الزنيم، فاستاء رأي الأمة الإسلامية من بني اُمية كافةً سفيانيهم ومروانيهم، وخرجوا من النفوس جمعاء، ومحبّتهم مجموعة البشر، وهكذا انتهت دولتهم بتاريخها المشوّه الممقوت، غير مأسوف عليها، وتسنّي بسبب طلب ثار الحسين وزيد منها انتزاء بني العباس علي كرسي الخلافة، واصبحت دولة بني مروان في السجل الأسود من خبر كان، تبعاً للدولة التي قتلت الحسين من آل أبي سفيان.

الرابع: لقد صحَّ في التاريخ أن الوليد بن يزيد [29] (لع) بلغ الحال به في فسوقه


وفجوره أن شرب الخمر علي ظهر الكعبة بيت اللَّه الحرام [30] ، وقد كانت الجاهلية علي وحشيتها وهمجيتها تحرم الصيد في حرمها اربعة فراسخ من أربعة جوانبها ويري الرجل منهم قاتل أبيه وأخيه، في هذا الحرم فلا يتعرض لها بسوء من تهديد وتوعيد فضلاً عن أن يثأر منه وكان ذلك عفو الطبع ومقتضي العادة، وإلا فإنهم لا يدنيون بدين، ولا يأتمّون بكتاب، وجاء الإسلام فزاد في حرمتها وعظمتها ما تقتضيه شريعة العظمة ويفرضه دين الحق والعفو والرحمة، واستفتح خليفة المسلمين هذا يوماً بالقران، فَجَبَهه القرآن بما يقتضيه حاله واعتباره المناسب له «واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد» [31] فغضب عدو اللَّه علي القران وتهكم بمن أنزل القران، وقام وقعد، وطغي وتمرّد، وتكبّر وتجبّر، وكفر وفجر، فجعل القران غرضاً للسهام وهدفاً للنشاب وقد انتفخت أوداجه غضباً، وأسودَّ وجهه غيظاً وحنقاً وانشد (لع):



تُهَدِدُني بجبارٍ عَنيدٍ

وها أنا ذاكَ جَبارٌ عَنيدٌ



إذا ما جِئت رَبّك يَوم حَشرٍ

فَقل يا رَب خَرّقني الوليدُ [32] .



ولا أخالك تشك أن ابن معاوية يزيد، لا يقل باستهتاره وفجوره عن الوليد بن يزيد، كلا لعمرك بل هو عليه يربو ويزيد، ولكنّه لمّا رأي نفسه قد افتضح بقتل الحسين عليه السلام وأخذته الألسنة من جميع أطراف مملكته، حتي في عاصمته الشام المشؤمة، بل في داره قهر طبيعته، وسيطر علي نحيزته وأراد أن يظهر مظهر محب للثقلين، صديق حميم للعترة والقران، فيقول في العترة ثقل النبي الأصغر «لعن اللَّه ابن مرجانة، عجّل عليه فقتله، ولو كنت صاحبه لعفوت» [33] ، ثم يأمر السفيانيات


من عائلته وأهل بيته «اندبنه فلعمري إنه لصريخة قريش» [34] وأما القران ثقل النبي صلي الله عليه وآله الأكبر فتراه يحض الأمّة الإسلامية علي تلاوته، ويحثهم علي قراءته وأن لا يفارقوه اناء الليل والنهار، حتي جعله اجزاءً وأمر بتفريقها علي أفراد كل كتلة وجماعة تجتمع في مسجد أو غيره، وكان غرضه أن يلهوا بقراءة القران عن الخوض في حديث قتل الحسين عليه السلام - لأنه كان ولا يزال حديث النوادي والمجالس ويشغلهم عن الفحص الدقيق عن تعيين قاتله، فينتهي بهم التنقيب والتدقيق اليه، أجل «يكاد المريب يقول خذوني» واراك تعتقد معي أنه لو لم يقتل الحسين ثقل النبي الأصغر لسكر يوماً خليفة المسلمين هذا واحرق كل نسخة توجد علي جديد الأرض من كتاب اللَّه الثقل الأكبر، بدلاً عن تخريق الوليد لواحدة من نسخ القران المجيد، وجعله غرضاً للنشاب، حيث هدّده بجبار عنيد، إذن فالحسين قُتل لأحياء القران، وكأنه يشير الي ذلك بل يصرح، حينما يرتل آي القران برأسه المقطوع المرفوع علي رأس السنان فيتلو «ولا تحسبنَّ اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون» [35] .

غير أن يزيد ربما ضجر من هذا الخروج علي طبعه «والطبع يغلب التطبّع» فينفجر بركان عواطفه وتحتدم وقدة كفره وإلحاده، فيأتي بأعظم مما أتي به الوليد بن يزيد، كما قلنا إنه يربو عليه ويزيد أجل فقد شرب الوليد الخمر علي بيت اللَّه الذي بناه خليل اللَّه من الطين والحجر، وشرب يزيد، فسكر، وصبَّ فضله الشراب - اللَّه اكبر - علي بيت اللَّه الحقيقي الذي خلقه بيد عظمته وبناه من معدن الحكمة والفضل والعصمة قائلاً «ما شربنا ألذَّ من هذا الشراب ورأس عدوّنا بين أيدينا» [36] .




وَيَحمِدُ رَبَّ العَرشِ شُكراً بقَتلهِ

وكانَ فتيً لا يَعرف الحَمد والشُكرا



ولكنّه صبَّ الخُمور، فَماله

يصبُّ إزاءَ الرأسِ رأسِ التُقي خَمراً [37] .



پاورقي

[1] سورة البقرة / 261.

[2] تقدمت الاشارة الي خدعة المخادع عمرو بن العاص في الجزء الاول من هذا الکتاب.

[3] سورة البقرة / 124.

[4] سورة الاسراء / 85.

[5] جاء قوله هذا في ضمن خطبته الثانية التي خطبها عليه السلام يوم العاشر من المحرم.

انظر مقتل الحسين للمقرم ص 233.

[6] جاء قوله هذا في ضمن خطبته التي استهلها بقوله (أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتي اعظکم...).

انظر تأريخ الطبري ج 4ص 323.

[7] جاء قوله هذا في ضمن خطبته التي خطبها في اصحابه البواسل عليه وعليهم السلام والتي افتتحها بقوله (إنه قد نزل بنا من الامر...).

انظر الملهوف علي قتلي الطفوف ص 138.

[8] ودونک الحديث کما قرأته في ص 157 من أمالي الشيخ الصدوق عطر اللَّه تربته:

(مرَّ ابن عباس بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون علي بن ابي طالب فقال لقائده - وکان قد فقد بصره - ما يقول هؤلاء قال يسبون علياً قال قربني اليهم فلما ان اُوقف عليهم قال أيکم الساب اللَّه قالوا سبحان اللَّه من يسب اللَّه فقد اشرک باللَّه قال فايکم الساب رسول اللَّه قالوا من يسب رسول اللَّه فقد کفر قال ايکم الساب علي بن ابي طالب قالوا قد کان ذلک قال فاشهد باللَّه واشهد اللَّه لقد سمعت رسول اللَّه يقول من سبَّ علياً فقد سبني ومن سبني فقد سبَّ اللَّه عز وجل ثم مضي فقال لقائده فهل قالوا شيئاً حين قلتُ لهم ما قلت قال ما قالوا شيئاً قال کيف رأيت وجوههم قال:



نظروا اليک بأعينٍ محمرةٍ

نظر التيوس الي شفار الجازر



قال زدني فداک ابوک قال:



خرز الحواجب ناکسوا اذقانهم

نظر الذليل الي العزيز القاهرِ



قال زدني فداک ابوک قال ما عندي غير هذا قال لکن عندي:



أحياءهم خزيٌ علي امواتهم

والميتون فضيحة للغابرِ.

[9] المخنق: موضع حبل الخنق من العنق أو العنق نفسه / المؤلف.

[10] انظر مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 73.

[11] مثير الاحزان لابن نما ص 102.

[12] مثل يضرب لمن يُحمل علي ما ليس من شأنه.

انظر مجمع الامثال للميداني ج 2 ص 274.

[13] سورة يوسف / 110.

[14] في خطبته التي استهلها بقوله (تباً لکم ايتها الجماعة وترحاً حين استصرختمونا والهين....).

انظر الملهوف علي قتلي الطفوف ص 255.

[15] مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 8.

[16] اقول: ومن بين هؤلاء الثقات بل في طليعتهم ميثم التمار رضوان اللَّه عليه، لاحظ منتهي الآمال ج 1 ص 413.

[17] انظر تأريخ الطبري ج 4 ص 370.

[18] انظر تأريخ الطبري ج 4 ص 383، ومروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 86.

[19] شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج 7 ص 70.

[20] الأنقاض جمع نِقض: اسم البناء المنقوض إذا هدم / المؤلف.

[21] مرت ترجمته في مطلع الجزء الاول من هذا الکتاب.

[22] اقول: لما اخذ مروان بن الحکم اسيراً يوم الجمل استشفع الحسن والحسين عليهما السلام الي ابيهما امير المؤمنين فکلماه فيه فخلَّ سبيله فقالا له يبايعک يا امير المؤمنين فقال عليه السلام (لا حاجة لي في بيعته إنهاکفٌ يهودية لو بايعني بکفه لغدر بسبته أما إن له امرةً کلقعة الکلب انفه وهو ابو الاکبش الاربعة وستلقي الامة منه ومن ولده يوماً احمر).

انظر شرح نهج البلاغة لابن هيثم البحراني ج 2 ص 203.

[23] هو عبد الملک بن مراون بن الحکم بن العاص بن امية.... ويکني ابا الوليد ويلقب رشح الحجر لبخله ويکني ابا ذُبان لبخره.

بويع بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة خمس وستين هجرية وتوفي سنة ست وثمانين وله اثنتان وستون سنة.

انظر المعارف لابن قتيبة ص 355، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 398.

[24] العقد الفريد ج 4 ص 401.

[25] هو هشام بن عبد الملک ويکني ابا الوليد کان احولاً....، بويع بالخلافة في شهر شعبان سنة خمس ومائة ومات بالرصافة يوم الاربعاء لثلاث خلون من شهر ربيع الاول سنة خمس وعشرين ومائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.

انظر العقد الفريد ج 4 ص 445.

[26] من افاخم رجالات البيت النبوي الشريف واماثلهم....، کانت ولادته سنة 78 هجرية....، نشأ في کنف والده زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام فتأثر بسلوکه وانطبعت في دخائل نفسه نزعاته المشرقة....، مات سلام الله عليه شهيداً بعد أن خرج علي طاغية عصره هشام بن عبد الملک سنة 122 هجرية وله من العمر 44 سنة.

انظر ترجمته وما يتصل بثورته علي الحکم الاموي الجائر في مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني والانتفاضات الشيعية عبر التاريخ للسيد هاشم معروف الحسني ومنتهي الآمال للشيخ عباس القمي.

[27] لاحظ (زيد الشهيد) للمحقق الثبت السيد عبد الرزاق المقرم رحمه اللَّه.

[28] نفس المصدر.

[29] ابن عبد الملک ويکني ابا العباس کان ماجناً سفيهاً يشرب الخمر ويقطع دهره باللهو والغزل ويقول اشعار المغنين...، کانت ولايته سنة وشهرين ونيفاً وعشرين ليلة وقد بلغ من السن اثنتين واربعين سنة.

انظر المعارف لابن قتيبة ص 366.

[30] تأريخ الخلفاء للسيوطي ص 250.

[31] سورة ابراهيم / 15.

[32] مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 263.

[33] منتهي الآمال ج 1 ص 762.

[34] مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 74.

[35] سورة ابراهيم / 42.

[36] بحار الانوار ج 45 ص 176.

[37] البيتان من قصيدة عصماء لمؤلف الکتاب رحمه اللَّه مطلعها:



متي تشرق الدنيا بطلعتک الغرا

فتهتز بالانصاف اعطافها بشرا



اقول: جاء في ج 2 ص 22 من کتاب (عيون اخبار الرضا) للشيخ الصدوق رحمه اللَّه عن الفضل بن شاذان أنه قال سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما حمل رأس الحسين بن علي عليهما السلام الي الشام أمر يزيد لعنه اللَّه فوضع ونُصبت عليه مائدة فأقبل هو واصحابه يأکلون ويشربون الفقاع فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره وبسط عليه رقعة الشطرنج وجلس يزيد يلعب بالشطرنج ويذکر الحسين وأباه وجده ويستهزي‏ء بذکرهم فمتي قمرَ صاحبه - أي غلبه بلعب القمار - تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ثم صبَّ فضلته مما يلي الطست من الارض....