بازگشت

والتعليق علي اقتراحه


لا أخال أحداً يشك أن معاوية [1] عاش حتي مات ثائراً من النبي طالباً منه - بقتل ذريته ومن إنضوي إليهم - بذخول [2] رهطه المقتولين في بدر وأخواتها، وأما عثمان [3] فقد نصبه حبالةً [4] يقتنص بها بقر الشام، ليقدمهم ضحيةَ آماله وغاياته التي يهدف إليها، وقد نهج نهجه - بل زاد في الطين بلّة - نغله يزيد، منذ بوّأه أبوه عرش الخلافة، وقد تمكنت عداوة أهل البيت في نفسه من أمور كثيرة، كان شقياً في ذاته وطينته، وكان مشوّهاً في نطفته المختلطة بسم العقرب، وكان شقيّاً في إرثه العداوة من بني أمية لبني هاشم، وكان عقرباً تزداد سماً إذ أوصي إليه أبوه معاوية بأن لا يلقي لهذا البيت شعرة واحدة، ولم يكن ذلك منه، سراً بين سمع الأرض وبصرها، بل هو ذا يصرح أمام المغيرة ابن شعبة - وقد سمع اسم محمد يهتف به المؤذن - فيفصح عن مكنون غيظه، ويعرب عن مخبئات حِقده قائلاً: «لا خير في الحياة لا أُم لك إلا دَفناً دَفناً [5] «إذن فلا تخلنا مبالغين إذا


إعتقدنا أن يزيد إنما اقترح نزول الحسين واصحابه علي حكمه لحاجةٍ في نفسه أراد قضائها، وهي التشفي والأنتقام لحُلفاء جدِّه أبي سفيان يهود بني قريضة في قتل الحسين واصحابه علي الشاكلة التي قتل عليها اولئك الرهط المطلولة دماؤهم، وقد كانوا العامل القوي في وقعة الأحزاب [6] ، وهم الذين فتوا في اعضاد المسلمين، ومكّنوا الخوف والرعب من قلوبهم، عندما ترامت إليهم الأنباء أنهم قد نقضوا ما بينهم وبين النبي من العهود، ونشط بهم المنافقون المختلطون بالمسلمين وما أكثرهم، فأخذوا يجهرون بأصواتهم قائلين: «ما وَعَدنا اللَّه وَرَسولَهُ إلا غُروراً» [7] فهم يرجفون بالمسلمين ما قدروا، ويثبطون المجاهدين ما استطاعوا الي ذلك سبيلا، هنالك زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، واستولي الخوف علي المسلمين وتمكن الفزع والهلع من قلوبهم، واستمع الي قوله تعالي في تلخيص القصة: «إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون باللَّه الظنونا - هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً - وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللَّه ورسوله إلا غروراً» [8] .

ثم قال تعالي في المؤمنين، وهم علي أمير المؤمنين وحمزة عم أمير


المؤمنين [9] : «مِن المؤمنينَ رجالٌ صَدقوا ما عاهَدوا اللَّه عَليهِ فَمنهم مَن قَضي نَحبَهُ ومِنهُم مَن يَنتَظر وَما بَدّلوا تَبديلاً - ليُجزي اللَّه الصادِقين بصدقِهم وَيعذب المُنافِقين إن شاء أو يَتوب عَليهم وَكان اللَّه غَفوراً رَحيماً - وردَّ اللَّهُ الذينَ كَفروا بغيظهِم لَم يَنالوا خَيراً، وَكَفي اللَّه المؤمنينَ القتالَ وكانَ اللَّه قَوياً عَزيزاً» [10] .

نعم كفي اللَّه المؤمنين القتال أن صَرَعَ عمرو بن عبد ود بطل الشرك الأحزاب بسيف علي بن أبي طالب بطل الإسلام، وردّ اللَّه كيدهم في نحورهم لم ينالوا خيراً، وعندها دارت الدائرة علي المشركين وجناحيهم من المنافقين والغدرة من اليهود وكانت عليهم الدبرة، واستولي عليهم الخوف والوجل، وأدل اللَّه المسلمين منهم، أما المشركون فأرسل اللَّه عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها، فارتحلوا علي خوف ورعب، ولم يصبح منهم حول المدينة نافخ ضرمة، وأما المنافقون فتواروا في صفوف المسلمين خفتت أصواتهم التي كانوا يجهرون بها في الأرجاف وسفي علي وجوههم الرماد، واللَّه منجز وعده ومُتم نوره ولو كَرِه المشركون، وأما اليهود فلم يأذن اللَّه لنبيه أن يضع السلاح حتي يجازي بني قريظة مغبّة فعلهم بما أخلفوا اللَّه ورسوله ما وعدوهما من عدم مظاهرتهم لأحدٍ من أعداء المسلمين، فسار النبي والمسلمون، وراية الإسلام تخفق علي رأس قاتل بطل الأحزاب، فذعر لذلك أعداء اللَّه، وعلا الهتاف بينهم (جاءكم قاتل عمرو، جاءكم قاتل عمرو [11] (وعضّوا أناملهم ندامةً وأسفاً، ولات ساعة مندم، وبعد حصار طويل وتكرار أخذ وردٍ نزلوا علي حكم المسدد الرشيد سعد بن معاذ رئيس الأوس [12] .


وظنوا أن اصرة [13] الحلف بينهم وبين الأوس ستجدي بهم نفعاً، فخيّب اللَّه ظنونهم وآمالهم وحكم عليهم سعد بقتل الرجال - ما لم يسلموا - ونهب الأموال، واسترقاق النساء والذراري [14] ، ودفع المساكن لمن لا دُور لهم من المهاجرين، فقال له النبي: «لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه من فوق سبعة أرقعة [15] «وهكذا فعل بهم فاخذروا يساقون الي حفائر القتل زرافات ووحداناً ليعمل فيهم سيف علي بن أبي طالب فكانت أعظم مجزرة بسيف الحق والعدل، وقطع دابر الكافرين بسيف علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، والحمد للَّه رب العالمين.



وما لام كعبٌ في العداوةِ نفسه

ولكنه من يخذل اللَّهَ يُخذل



فوفِّق سعد في حكمه، تطوّل الرسول الأعظم علي الجامعة البشرية في إزاحة حجر العثرة عن طريق سيرها الي خيرها وصلاحها، وقلع الجراثيم الفتّاكة في جسدها.

وسوءةً لعبد اللَّه بن أبي ابن سلول [16] رأس المنافقين إذ حال بين الرسول الأقدس وبين تنفيذ إرادته القدسية في سلفهم من بني النظير، فقد أراد تطهير الأرض منهم بقطع شافتهم لمّا نقضوا العهد كهؤلاء، وأرادوا قتله، وهو في دارهم، فلم يرعوا لنزيلهم جواراً ولم يروا لأنفسهم حُرمة، ولكن رأس النفاق - وكان في ظهره الخزرج بل الأنصار كلها - الجأه أن يجليهم عن المدينة، ولهم من الأموال ما حمله الظهر عدا الحلقة، فجلوا الي نواحي الشام.

ومن يدرينا أن ذراريهم هم الذين استفحل أمرهم الأن، فصاروا مطرقة بعد أن كانوا سنداناً [17] ، حتي قابلوا المسلمين بما مُنوا به في فلسطين وما والاها، وكبّدوا


العرب والمسلمين ما كبّدوهم من المعارك الدامية والفتك الذريع وأسر العيال وشق بطون الحبالي والأطفال الأبرياء، فإن حامل الرسالة السماوية الخالدة ينظر الي من في الأصلاب من اُمته في مستقبلها السعيد كنظره الي حاضرها النبيل المجيد، فأراد أن يزيل عنها كابوس [18] الشقاء ويريحهم من شدة العناء الذي لاقته الأمة من ذراري تلك الشرذمة الوبيئة، وخبأته الأيام للمسلمين علي يد شر خلق اللَّه، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون.

والخلاصة: أنا لا نزال نعتقد من إقتراح يزيد أن ينزل الحسين علي حكمه، مع هذه الطواري ء والأحوال أن يزيد ظن أن الفرصة سنحت له في أخذ ثار حُلفاء جدّه ابي سفيان فأخذ يضرب أخماساً لاسداس، وقال في نفسه لا يضيع حق و راءه طالب، وتوهّم أن الحسين وأصحابه سينزلون علي حكمه، ويساقون الي حفائر القتل زرافات [19] ووحداناً [20] صدمةً بصدمة وقتلة بقتلة (وأني لهم التناوش من مكان بعيد) وأني ينزل إمام الأباة علي حكمه وحكم عامله ابن مرجانة ليثأر منه، لأنهما زندان في وعاء، وهذا صوته يدوي في مسامع الدهر (واني لا أري الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما [21] (ويكفينا شهادة عدوه ابن سعد اذ يقول: «واللَّه لا يستسلم حسين فإن نفس ابيه بين جنبيه» [22] .



ومناقبٍ شهدِ العدوُ بفضلِها

والفضل ما شهدت به الأَعداءُ



إي واللَّه لا يستسلم حسين لإرادة يزيد، وان اعتقد أن سيمن عليه بالحياة، فيكون بذلك طليق عفوه، ألا تسمع اليه يقول: «لا أري الحياة مع الظالمين إلا


برما» ولأنه بذلك يسترجع مكرمة جده منقذ البشر، حيث عفا عن سلف يزيد في فتح مكة عفواً عاماً فقال: «إذهبوا فأنتم الطلقاء [23] «فذهبت هذه الكلمة منه صلي الله عليه وآله مذهب المثل وصارت علماً عليهم ووسام ذلٍ وعار لهم ولا عقابهم وكان من اشهرهم ابو سفيان وعقبة فكيف وهو يعتقد، وكل ذي لبٍ يعتقد أنه يريد قتله إذا نزل علي حكمه، ليثأر بقتله لحلفاء جده ولأشياخه المقتولين في بدر الذين هتف بهم في جلسته العامة لعيد الظفر، وليكيل الجزاء للنبي صاعاً بصاع، بقتل الحسين وأهل بيته من ذرية رسول اللَّه صلي الله عليه وآله واصحابه انصار اللَّه وانصار رسوله وانصار الإسلام، ولكن عدو اللَّه «إجتهد ففشل، وشاور فخذل» وللَّه در عقيلة بني هاشم وخفرة آل علي زينب الكبري [24] سلام اللَّه عليها، اذ صبت عليه سياط زواجرها، وردّت كيده في نحره واعادت، تاريخ امها في خطبتها السالفة، حيث افتتحت خطبتها الكريمة بقوله تعالي: «ثم كان عاقبة الذين اساؤوا السوء أن كذّبوا بايات اللَّه وكانوا بها يستهزئون» [25] ثم قالت: «أمن العدل يا ابن (الطلقاء) تخديرك إماءك وحرائرك، وسوقك بنات رسول اللَّه سبايا علي اقتاب المطايا، ليس معهنّ من حُماتهنّ حَميٌّ ولا من رجالهنّ ولي الخ».



پاورقي

[1] هو معاوية بن أبي سفيان - صخر بن حرب - بن امية بن عبد شمس... من ألد أعداء سيد المرسلين وذريته الاکارم الممجدين.

امه هند بنت عتبة کانت - کما يقول بن أبي الحديد في ج 1 ص 336 من شرحه علي النهج تذکر في مکة بفجور وعُهر.

ويعزي معاوية وحسب ما ذکره الزمخشري في ج 3 ص 551 من کتابه ربيع الابرار الي أربعة الي مسافر بن أبي عمرو والي عمارة بن الوليد والي...

ولد سنة 20 قبل الهجرة وأسلم بلسانه لا بجنانه يوم فتح النبي مکة المکرمة ومات بعد أن سوّد وجه التاريخ بأعماله الوبيلة ورذائله الکثيرة وجرائمه الجمة سنة 60 هجرية.

[2] الذحول: الأوتارُ والأحقاد / المؤلف.

[3] هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن امية... ولد بعد عام الفيل بست سنين وقتل في عقر داره في المدينة المنورة ولاسبابٍ معروفة عام 35 هجرية.

[4] حِبالة: مِصيَدة / المؤلف.

[5] تعال معي اخي القاري‏ء الکريم لنقرأ معاً ما قاله بن أبي الحديد المعتزلي في ج 2 ص 357 من شرحه علي النهج.

قال: قال المغيرة بن شعبة خلوت بمعاوية بن ابي سفيان فقلت له انک قد بلغت مناک يا أمير المؤمنين فلو اظهرت عدلاً وبسطت خيراً فانک قد کبرت ولو نظرت الي اخوتک من بني هاشم فوصلت ارحامهم فواللَّه ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه.

فقال لي: هيهات هيهات ملک اخو تيم فعدل وفعل ما فعل فواللَّه ما عدا ان هلک فهلک ذکره إلا أن يقول قائل ابو بکر، ثم ملک اخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين فواللَّه ما عدا ان هلک فهلک ذکره إلا ان يقول قائل عمر ثم ملک اخونا عثمان فعمل ما عمل وعُمل به فواللَّه ما عدا ان هلک فهلک ذکره وإن اخا هاشم يصرخ في کل يوم خمس مرات (أشهد أن محمداً رسول اللَّه) فأي عمل يبقي بعد هذا لا ام لک إلا دفناً دفناً.

تباً وسحقاً لک يا بن آکلة الاکباد يا مَن اردت دفن ذکر رسول اللَّه بکل‏جهودک غير انها باءت بالفشل الذريع لأن اللَّه تعالي لک ولامثالک بالمرصاد وهو القائل لخاتم رسله (ورفعنا لک ذکرک).

[6] او الخندق وکانت في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة وفيها قتل عمرو بن عبد ود العامري بسيف امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وانکسرت علي أثر ذلک شوکة المشرکين وعادوا الي أماکنهم خائبين خاسرين.

[7] سورة الاحزاب / 12.

[8] سورة الاحزاب / 12 - 10.

[9] لاحظ مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج 8 ص 549 وتفسير الصافي للفيض الکاشاني ج 4 ص 181.

[10] سورة الاحزاب / 25 - 24 - 23.

[11] انظر شرح الشافية لابي جعفر محمد بن أمير الحاج الحسيني ص 181.

[12] هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امري‏ء القيس... اسلم بالمدينة وشهد بدراً واُحداً والخندق ورمي يوم الخندق بسهم فعاش شهراً ثم انتفض جرحه فمات منه شهيداً. انظر ترجمته في الاستيعاب للقرطبي ج 2 ص 167.

[13] الأصرة: ما عطفک علي غيرک من قرابةٍ أو معروف / المؤلف.

[14] السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 251.

[15] تاريخ الطبري ج 2 ص 249.

[16] سَلول أم هذا المنافق / المؤلف.

[17] مثل يضرب للذليل يکون عزيزاً / المؤلف.

[18] ما يتراآي للنائم کأنه يخنقه ودخيله (الجيثوم) / المؤلف.

[19] زَرافات: جماعة من الناس نحو العشرة والعشرين / المؤلف.

[20] وحداناً: آحاداً/ المؤلف.

[21] قوله عليه السلام هذا جاء في ضمن خطبته التي خطبها في اصحابه الکرام بعد نزوله ارض کربلاء.

انظر مقتل الحسين للسيد المقرم ص 193.

[22] تاريخ الطبري ج 4 ص 315.

[23] بحار الانوار ج 21 ص 132.

[24] بنت امير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام.. امها الصديقة الکبري فاطمة عليها السلام.

ولدت قبل وفاة جدها المصطفي بخمس سنين وتزوجت من ابن عمها الجواد المعروف عبد اللَّه بن جعفر فولدت له محمداً وعلياً وام کلثوم وعون.

توفيت عشية يوم الاحد لخمسة عشر يوماً مضت من شهر رجب سنة اثنتين وستين هجرية.

انظر ترجمتها في اسد الغابة لابن الاثير ج 5 ص 300، وأعلام النساء لعمر رضا کحالة ج 2 ص 91.

[25] سورة الروم / 10.