بازگشت

ولله العزة و لرسوله وللمؤمنين


يقول سيد أباة الضيم في خطبته يوم عاشوراء: «ألا وأن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلة، يأبي اللَّه ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت، وجدود طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام) [1] .

آهلمَّ أيها المعترض لفهم هذه الجملة وسرّح النظر في رياضها عسي اللَّه أن


يشرح لك صدراً، وإن خفت أن لا تصل الي سَبر أغوارها فإن الشمس تعرف بعينها وآثارها، وها أنا مبينٌ لك منها ما يحتمله فهمي القاصر.

يقول عليه السلام إن دعي آل ابي سفيان وابن دعيهم، عبيد اللَّه ابن زياد قد خيّرني بين الحرب والنزول علي حكمه وحكم يزيد، وهو غاية الذلة، وهيهات أن أنزل علي حكمهما لأن اللَّه لا يرضي أن ألقي بيدي الي التهلكة فأمدّ عنقي لسيفهما، ولو نجوت من السيف كنت ساكتاً عن الحق واللَّه لا يرضي بممالاة الظالم، ولو جاز لي في الشرع والعقل غض النظر عن منكرات يزيد وابن زياد لم يجز لي النزول علي حكمهما لأنه غاية الخضوع والذلة فكأني تركت عبادة اللَّه وملت لعبادتهما، وكيف أعصي اللَّه بركوني لهذين الظالمين وأخالف رسول اللَّه وكل مؤمن يبلغه ذلك الي يوم القيمة، فإن العزّة لهما بعد اللَّه بنص الآية الشريفة [2] ، والعزيز لا يرضي بذلة عزيز مثلي قد حاز تليد المجد بكرم آبائه ونجابة اُمهاته، وضمّ إليه طريفة بعزّة النفس وشمم الأنف، فإني لم اُبايع من كان أعظم بأساً من يزيد، فمالي اُبايع يزيد أحباً للحياة، وفراراً من الموت، أيرضي أقل الغياري أن أحمل لواء الغدر بعد أن كنت عَلَم العز ومنار الفخر والعلاء، وبعد أن لقبت سيد أباة الضيم حيث عانقت مصرعاً طالما حنّ له الكرام وتمناه أعاظم الأمجاد، أليس أبي القائل: «لألف ضربة بالسيف خيرٌ من ميتة علي فراش [3] «أليس أنصاري تمنوا القتل دوني مراراً عديدةً وأنا سيدهم ومرشدهم الذي يقتفون آثاري ويقتبسون من أنواري.

فهل كفي المعترض ما جري أم هو لا يرضي بحكم الكتاب، ولا سنة الرسول، ولا طريقة المؤمنين، وشرف العاطفة فيحتم علي الحسين النزول علي حكم يزيد طلباً للسلامة الموهومة هذا وقد علم من تاريخ يزيد أنه لما ظفر جيشه


بأهل المدينة لم يرض أمير ذلك الجيش إلا أن يبايعوه ليزيد، علي أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق، فذكر له بعضهم البيعة علي كتاب اللَّه وسنة رسوله فضرب عنقه، فليت شعري أعلي هذا الحكم ينزل ابن أمير المؤمنين، فيكون مضرب المثل في الذل، - وحاشا سيد اُباة الضيم - كلا فإن سلامته من سيف يزيد بهذه الذلة أسوء وأنكي لعاطفة الحرّ من سلامة ابن مطيع العدوي من سيف المختار، حيث ترك زي الرجال وهرب منه بزي النساء وكيف يمد الحسين يده ليزيد بالبيعة وهو هو الحسين بن علي في أنفته عن الضيم وارتكاب الدنيّة، ولماذا يسالم يزيد، وهو هو الحسين بن علي في قوّة إرادته ومضاء عزيمته، وما باله ينزل علي حُكم يزيد، وهو هو الحسين بن علي في كبر نفسه وعظمته، ولم يُلقي زمام الأمة بيد ابن ميسون، وهو هو الحسين بن علي في صلابة دينه ومتانة إيمانه، وكيف يُلقي حبل الأمة علي غاربها، وهو هو الحسين بن علي حفيد محمد القائل: «واللَّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي علي أن أترك هذا الأمر لم أتركه حتي يظهره اللَّه أو أموت دونه [4] «ولأي شي ءٍ يهين عجزاً أو يستكين ذلاً وهو هو الحسين بن علي الذي يصرخ في مسمع الدهر: «لو تظاهرت العرب والعجم علي قتالي ما وليّت عنها الدبر».



كيف يلوي علي الدنية جيداً

لسوي اللَّه ما لواه الخضوع



فأبي أن يعيشَ إلا عزيزاً

أو تجلّي الكِفاحُ وَهو صَريعُ [5] .



وإذ لم يرض الحسين بخطة الخشف، والنزول علي حكم أمية بل شر بني أمية يزيد نبزوه - بالخارجي - وهو واللَّه من الإسلام في صميمه، ومن دين الحق والهدي في السنام دون الغارب.


ولقد خالف بنو أمية ولا يزالون مخالفين لحكم الكتاب العزيز إذ نهي عن التنابز بالألقاب [6] ، فنبزوه - بأسم الخارجي - من لقبه النبي بسيد شباب أهل الجنّة [7] حيث خرج بزعمهم علي خليفة زمانه يزيد، وهو الأمر الذي حاول بنو أمية واتباعهم من المعترضين ففشلوا وردّ اللَّه كيدهم في نحورهم.

وليتهم إذ وسموه بالخارجي عاملوه معاملة الخوراج بل المشركين فقد علمت أحكامهم في الشرع من باب مدينة علم النبي، والمحبو من قبله بمحضر المهاجرين والأنصار بقوله: «أقضاكم علي» [8] فقد أوصي جيشه قبل التحام القتال بصفين قائلاً: «فإذا كانت الهزيمة بإذن اللَّه فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً ولا تجهزوا علي جريح، ولا تهيجوا النساء بأذي، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوي والأنفس والعقول، وإن كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن المشركات وان كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية، بالفهر والهراوة فيعيّر بها وعقبه من بعده» [9] .

فما بال جيش يزيد قد أتي مع خوارجه بتلك الأمور الفضيعة التي تحمرّ وجنة تاريخ الإسلام والعرب عند ذكرها خجلاً، ويتصبب عند سماعها عرقاً، من منع الماء حتي علي الأطفال والنساء وهو مباح للكلاب والخنازير، وقتل الأطفال سواءً استسقي لهم الحسين أم لا، والمثلة بالأجساد بعد الموت، وسلبها ورضها بالخيل، وإحراق خيام النساء عليها، وشتمها وضربها وسلبها وسبيها من بلد الي آخر، الي غير ذلك من الأمور التي يُنكرها الشرع والوجدان.


فهل كان يزيد وعماله أعلم بأحكام الخوارج من أقضي الأمة بعد نبيها بتقرير الخلفاء السابقين، كلا ثم كلا، فرويداً أيها المعترضون، فإن الأمر ليس كما تظنون، بل هو فوق ما تتوهمون، وقد نصعت لكم الآيات، فأي آيات اللَّه تنكرون، وإنما هي أحقاد بدريّة، وأضغان اُحدية، اصحر بها يزيد عند ما بدت له الرؤوس علي ربي جيرون [10] ، وعندما نكث ثنايا أبي عبد اللَّه عليه السلام بمخصرته [11] فتمني حضور أشياخه ببدر قائلاً:



ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهدوا

جَزعَ الخزرجِ من وَقع



الأسَل لأهَلوا واستَهلوا فَرحاً

ثم قالوا يا يزيدُ لا تشَل



قد قَتلنا القَرم مِن ساداتِهم

وعدَلناه ببدرٍ فاعتَدل






أتضرِبُها شلّت يَمينُك إنها

وجوهٌ لوجهِ اللَّهِ طالَ سُجودها [12] .





پاورقي

[1] هذا مقطع من خطبة الامام الحسين الثانية والتي استهلها بقوله: (تباً لکم ايتها الجماعة وترحا...).

انظر مقتل الحسين للعلامة المقرم ص 234.

[2] هي قول اللَّه تعالي (... وللَّه العزة ولرسوله وللمؤمنين...).

[3] نص کلامه سلام اللَّه عليه کما في شرح محمد عبده ج 2 ص 2 هکذا: (والذي نفس بن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي‏من ميتة علي فراش).

[4] السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 285.

[5] البيتان من قصيدة غراء في رثاء سيد الشهداء عليه السلام وهي من نظم الشاعر الشهير المغفور له السيد حيدر الحلي قدس سره الشريف مطلعها:



قد عهدنا الربوع وهي ربيعُ

أين لا اين اُنسها المجموعُ.

[6] فقال سبحانه وتعالي في الآية 11 من سورة الحجرات (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يکونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسي أن يکنَّ خيراً منهنَّ ولا تلمزوا انفسکم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئک هم الظالمون).

[7] فقال صلي اللَّه عليه وآله وسلم کما في مستدرک الصحيحين ج 3 ص 167 والاصابة لابن حجر ج 1 ص 266 وتاريخ بغداد ج 10 ص 230 (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).

[8] انظر مصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 203 والاستيعاب لابن عبد البر ج 3 ص 205.

[9] هذا الذي ذکره المؤلف هنا هو جزء من وصيته عليه السلام لعسکره قبل لقاء القاسطين بصفين.

انظر نهج البلاغة شرح محمد عبده ج 3 ص 14.

[10] قائلاً:



لما بدت تلک الحمول واشرقت

تلک الشموس علي رُبي جيرونِ



نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فقد اقتضيت من الرسول ديوني



وأود هنا ان اوقف القاري‏ء الکريم علي ما قاله الالوسي وهو من افاخم مفسري الجمهور في تفسيره (روح المعاني) عند تفسيره للآية الکريمة (فهل عسيتم أن توليتم...).

قال: أراد يزيد بقوله (فلقد قضيت من الرسول ديوني) أنه قتل بما قتله رسول اللَّه يوم بدر کجده عتبة وخاله الوليد وغيرهما وهذا کفر صريح ومثله تمثله بقول ابن الزبعري (ليت أشياخي...).

[11] المخصَرة: شيء يأخذه الملوک بأيديهم کالعصا ليشيروا به الي غيرهم / المؤلف.

أقول: إن فعل يزيد الشنيع المتمثل في ضربه ثنايا سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي ذکره جم غفير من علماء الجمهور منهم:

1 - الطبري في تاريخه ج 4 ص 356.

2 - سبط بن الجوزي في تذکرته ص 290.

3 - الخوارزمي في مقتل الحسين ج 2 ص 57.

4 - ابن الصباغ المالکي في الفصول المهمة ص 194.

5 - الشبراوي في الاتحاف بحب الاشراف ص 56.

6 - ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص 119.

7 - ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 220، وغير من ذکرتُ کثير.

[12] من قصيدة في رثاء مولانا الامام الحسين عليه السلام وهي للعلامة السيد حسن الاعرجي الکاظمي نور اللَّه قبره مطلعها:



دموعٌ بدا فوق الخدود خدودها

ونارٌ غدا بين الضلوع وقودها.