بازگشت

لماذا يتعرض لقافلة بحير بن ريسان


لما هاجر الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله عن مكة وطنه العزيز، لشدّةِ أذي قريش له ولأصحابه الذين اعتنقوا دين اللَّه معه، وقد ظاهر قريشاً عليه كثيرٌ من العرب وغيرهم، وقد بدت العداوة بين الحزبين كانت الغارات بينهما - كالحروب - سِجالاً، فربما ظفر الرسول أو بعض سراياه بقافلة او سرحٍ لمكة أو من ظاهرها من العراب، وربما أغار هؤلاء علي سرح المدينة فقتلوا من أصابوا من الرعاة واستاقوا النعم، وقد ذكرت الرواية أن بعض سراياه - وهي سرية عبد اللَّه ابن جحش - تعرضت بدون أمر الرسول لقافلة من قوافل قريش صادرةٍ الي مكة، فقتلت عمرو بن الحضرمي، وظفرت بالعير واسرت اسيرين، واعتصم الباقون بالفرارِ، وكان ذلك في سلح رجب الحرام، فقال صلي الله عليه وآله: «ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام» واوقف العير والأسيرين، واغتنم المشركون الفرصة في تعيير الرسول واصحابه بأنهم استحلّوا القتال في الشهر الحرام، فسقط في ايدي السريّة، واكل الهم قلوب اصحابها، حتي فرّج اللَّه عنهم إذ فصل بينهم وبين خصومهم - وهو خير الفاصلين - بقوله تعالي: «يسألونَكَ عَنِ الشَهرِ الحَرامِ قِتال فيه، قُل قِتال فيهِ كبيرٌ، وصدٌ عَن سبَيلِ اللَّهِ، وَكفرٌ به، وَالمَسجِدِ الحَرام، وإخراج أهله مِنه أكبر عند اللَّه والفِتنةُ أكبرُ مِن القَتل ولا يَزالونَ يُقاتلونكم حتي يردوكم عَن دينكم إن استَطاعوا» [1] .

فعلمتهم الآية الشريفة وجه الحجة علي خصومهم والغلبة والأستظهار عليهم، بتسليم أن القتال في الشهر الحرام في حدِّ ذاته يجب الكف عنه - ولكنكم أيها المشركون - نسيتم ما انتهكتم من الحرمات، من كفركم باللَّه وبالمسجد الحرام، وصدِّكم عن سبيل اللَّه وتنمركم علينا، فعذبتمونا أشدّ العذاب حتي التجأنا الي الخروج عن حرم اللَّه ومسقط رؤسنا، وحتي فتنتم صاحب الإيمان المستودع عن


دينه، فكفر بعد إسلامه إذ جرفه تيار تعذيبكم ثم ها أنتم اولاء دائبون في قتالنا طلباً لغاية ردّنا للكفر إن استطعتم أفتعلمون هذه الجرائم كلها ابتداء ثم تعيروننا أن جاذيناكم بواحدةٍ منها «والبادي ء بالشر اظلم، وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها، وهل نجازي إلا الكفور.

فهل يجوز في المنطق الصحيح - بعد هذا البيان - لأحدٍ أن يعترض علي الحسين عليه السلام حفيد الرسول بتعرضه لقافلة بحير بن ريسان عامل يزيد علي اليمن [2] في التنعيم خارج الحرم، وفيها الورس والحلل، قد بعث بها الي يزيد، كلا فإن الحسين عليه السلام لم يخرج من مكة إلا وقد بدت العداوة والبغضاء بينه وبين حزب يزيد، ان بايعته الكوفة علي العمل بكتاب اللَّه وإحياء سنّة رسول اللَّه ولم يُلق زمام الأمة بيد يزيد يفعل بها ما يشاء وشاء نزقه وخرقه، فهو لعمري أكبر المجرمين في نظر يزيد واتباع يزيد وكان خروجه من الحرم - وهو ابنه - كرهاً وقهراً لأنه خاف أن تهتك حرمة الحرم بإلقاء القبض عليه فيه أو الفتك به.

ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة أو بين الركن والمقام كما أوعز يزيد بذلك الي شياطينه الثلاثين الذين دسّهم في الحاج، كما أن سريّة يحيي بن سعيد أخي أمير الحاج عمرو الأشدق ارادت أن ترده الي القتل أو الكفر باتباع يزيد والرضوخ لمنكراته، فامتنع الحسين عليه السلام أشد الإمتناع حتي تضارب الفريقان بالسيّاط، وكادوا يمتشقون الحسام ويشرعون الرماح، وهذا كله في الشهر الحرام والبلد الحرام، فيكون جوابنا عن الحسين عليه السلام حفيد المصطفي عين الجواب عن جدّه المصطفي، ما أشبه النور بالنور والضوء بالضوء.

مع أن الجواب الحقيقي أنّ له مقام المصطفي وقد جعله اللَّه أولي بالمؤمنين من


أنفسهم فضلاً عن أموالهم، وهو الإمام الحق وله بيت المال دون يزيد شارب الخمور وراكب الفجور، وخرج الحسين عليه السلام - بأبي وأمي - منفياً من مكة وهو أبنها واعاد تاريخ جده الأعظم في هجرته ومأساته الحزينة غير أن جدّه لم تروّع له في خروجه حرم ولا اطفال، وحفيده يري حرمه واطفاله تكاد تخرج ارواحهم من بخروجهم من الحرم في يوم التروية، والناس تفد إليه:



وعادَت الكعبةُ حتي اللقا

ترفلُ في حِدادها مِطرفا



إذ ترك الحجّ لها عامِلا

بمنسَكٍ من حجِّها اشرَفا [3] .





پاورقي

[1] سورة البقرة / 217.

[2] لما خرج امام الأمة وأبو الأئمة الحسين بن علي عليه السلام من مکة يريد العراق انتهي به السير الي موضع يقال له «التنعيم» فلقي فيه عيراً قد أقبلت من اليمن تحمل ورْساً - نبات أصفر کالسمسم يزرع باليمن ويصبغ به - وحللاً کثيرة أرسلها والي اليمن الي يزيد الفسوق والفجور فأخذها حجة الحق علي الخلق ومَن هو أولي بالمؤمنين من أنفسهم فکيف بأموالهم الحسين بن علي عليه السلام.

[3] من قصيدة لمؤلف الکتاب طاب رمسه مطلعها



انشودة الحادي تهزُّ الصفا

يحدو بأضعان بني المصطفي.