ارسال رأس الامام الحسين الي ابن زياد
فال السيد بن طاووس رحمه الله في «اللهوف» و الشيخ ابن نما في «مثير الأحزان» و اللفظ للسيد رحمه الله:
ان عمر بن سعد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه السلام في ذلك اليوم - و هو يوم عاشوراء - مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي الي عبيدالله بن زياد لعنه الله.
و أمر برؤوس الباقين من أصحابه، و أهل بيته، فنظفت [1] و سرح [بها] مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج لعنهم الله، فأقبلوا حتي قدموا بها الكوفة.
و أقام بقية يومه و اليوم الثاني الي زوال الشمس. ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين عليه السلام و حمل نساءه عليه السلام علي أحلاس أقتاب [الجمال] بغير وطاء [و لا غطاء] مكشفات الوجوه بين الأعداء، و هن ودائع خير الأنبياء، و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الروم في أشد [2] المصائب و الهموم [3] .
قال السيد رحمه الله: و روي أن رؤوس أصحاب الحسين عليه السلام كانت ثمانية و سبعين رأسا، فاقتسمتها القبائل، لتتقرب بذلك الي عبيدالله بن زياد لعنه الله و الي يزيد بن معاوية لعنه الله.
فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا، و صاحبهم قيس بن الأشعث لعنه الله.
و جاءت هوازن باثني عشر رأسا، و صاحبهم شمر بن ذي الجوشن.
و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا.
و جاءت بنوأسد بستة عشر رأسا.
و جاءت مذحج بسبعة عشر رأسا.
و جاء باقي الناس بثلاثة عشر رأسا [4] .
و في «العوالم» عن صاحب «المناقب» و ابن نما رحمه الله و أبي مخنف:
أن عمر بن سعد لعنه الله لما دفع الرأس الي خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله ليحمله الي ابن زياد لعنه الله أقبل به خولي لعنه الله [ليلا] فوجد باب القصر مغلقا، فأتي به منزله، و له امرأتان: امرأة من بني أسد، و أخري حضرمية يقال لها: النوار، فآوي الي فراشها، فقالت له: ما الخبر؟
فقال لها: جئتك بالذهب، هذا رأس الحسين معك في الدار.
فقالت: ويلك! جاء الناس بالذهب و الفضة، و جئت برأس ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، والله؛ لا يجمع رأسي و رأسك و سادة أبدا.
قالت: فقمت من فراشي و خرجت الي الدار، و دعا بالأسدية، فأدخلها عليه، فما زالت والله؛ أنظر الي نور مثل العمود يصعد من الاجانة التي فيها رأس الحسين عليه السلام الي السماء، و رأيت طيورا بيضا ترفرف حولها و حول الرأس [5] .
و في كتاب «التبر المذاب» قال الواقدي: لما حمل الشمر لعنه الله رأس
الحسين عليه السلام جعله في مخلاة، و ذهب به الي منزله، فوضعه علي التراب و جعله علي اجانة.
فخرجت امرأته ليلا فرأت نورا ساطعا عند الرأس الي عنان السماء [6] ، فجاءت الي الاجانة، فسمعت أنينا تحتها، فجاءت الي شمر لعنه الله و قالت: رأيت كذا و كذا فأي شي ء تحت الاجانة؟
قال: رأس خارجي قتله، و أريد أذهب به الي يزيد ليعطيني عليه مالا كثيرا.
قالت: و من يكون؟
قال: الحسين بن علي.
فصاحت و خرت مغشية عليها، فلما أفاقت قالت: يا شر المجوس! ما خفت من اله الأرض و السماء؟
ثم خرجت من عنده باكية، و رفعت الرأس و قبلته و وضعته في حجرها، ودعت نساء يساعدنها بالبكاء عليه، و قالت: لعن الله تعالي قاتلك.
فلما جن الليل غلبها النوم، فرأت كأن الحائط قد انشق بنصفين و غشي البيت نور، و جاءت سحابة [7] فاذا فيها امرأتان، فأخذتا الرأس فسألت عنهما؟
فقيل: انهما خديجة و فاطمة عليهماالسلام.
ثم رأت رجالا و في وسطهم انسان وجهه كالقمر ليلة تمامه، فسألت عنه.
فقيل: محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و عن يمينه حمزة و جعفر و أصحابه، فبكوا و قبلوا
الرأس.
ثم جاءت خديجة و فاطمة عليهماالسلام الي امرأة الشمر و قالتا لها: تمني ما شئت، فان لك عندنا منة [ويدا] بما فعلت، فان أردت أن تكوني من رفقائنا في الجنة فأصلحي أمرك فانا منتظروك.
فانتبهت من النوم و رأس الحسين عليه السلام في حجرها، فجاء الشمر لعنه الله لطلب الرأس، فلم تدفعه اليه و قالت له: يا عدو الله! طلقني فانك يهودي، والله؛ لا أكون معك أبدا.
فطلقها، فقالت: والله؛ لا أدفع اليك هذا الرأس أو تقتلني، فضربها ضربة كانت منيتها فيها، و عجل الله بروحها الجنة [8] .
و في خبر أبي مخنف: قال الطرماح بن عدي: كنت في القتلي، و قد وقعت في جراحات، و لو حلفت لكنت صادقا اني كنت غير نائم اذ أقبل عشرون فارسا و عليهم ثياب بيض، يفوح منها المسك و العنبر، [فقلت في نفسي: هذا عبيدالله بن زياد لعنه الله قد أقبل يطلب جثة الحسين عليه السلام ليمثل بها] [9] .
فجاؤا حتي صاروا قريبا منه [10] ، فتقدم رجل الي جثة الحسين عليه السلام [11] و أجلسه قريبا منه، فأومي بيده الي الكوفة، و اذا بالرأس قد أقبل فركبه علي الجسد، فعاد مثل ما كان بقدرة الله تعالي و هو يقول:
يا ولدي! قتلوك [أتراهم ما عرفوك] [12] ، و من شرب الماء منعوك، [و] [13] ما أشد جرأتهم علي الله تعالي.
ثم التفت الي من كان عنده فقال: يا أبي آدم! و يا أبي ابراهيم! و يا أبي اسماعيل! و يا أخي موسي! و يا أخي عيسي! أما ترون ما صنعت الطغاة بولدي؟! لا أنالهم الله شفاعتي [يوم القيامة] [14] .
فتأملته، فاذا هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [15] .
و زاد السيد رحمه الله في «أنواره»: فجعلوا يبكون و يعزون النبي صلي الله عليه و آله و سلم زمانا طويلا، و هو يحثوا التراب علي رأسه و شيبته الطاهرة، و الحسين عليه السلام يقص عليه ما صدر و ما عملوه فيه، حتي غشي عليه من البكاء، و أنا أسمعهم و أشاهدهم، ففارقوه و انطرح كما كان أولا ميتا [16] .
پاورقي
[1] في المصدر: فقطعت.
[2] و فيه: في أسر.
[3] اللهوف: 190، عنه البحار: 107 / 45، مثير الأحزان: 84.
[4] اللهوف: 190، البحار: 62 / 45 (نحوه).
[5] البحار: 125 / 45، العوالم: 368 / 17، مثير الأحزان: 85، مع اختلاف يسير، المناقب: 217 / 3.
[6] عنان السماء - بالکسر - ما بدالک منها اذا نظرتها، «منه رحمه الله».
[7] في الدمعة الساکبة: وعش في البيت نسور.
[8] الدمعة الساکبة: 4 / 384 و 385.
[9] ليس في المصدر.
[10] في المصدر: من جسد الحسين عليهالسلام.
[11] في المصدر: رجل اليه.
[12] ليس في المصدر.
[13] ليس في المصدر.
[14] ليس في المصدر.
[15] مقتل الحسين عليهالسلام: 157.
[16] الأنوار النعمانية: 254 - 253 / 3.