بازگشت

قتال المارقين


وكره اصحاب الامام أن يسيروا الي الشام، ويتركوا من ورائهم الخوراج يستبيحون أموالهم واعراضهم من بعدهم فطلبوا من الامام أن ينهض بهم لمناجزتهم فاذا فرغوا منهم تحولوا الي حرب معاوية، فاجابهم الامام الي ذلك وسار بهم حتي اتي النهروان فلما صار بازاء الخوارج، ارسل إليهم يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب ومن كان معه من النسوة، كما طلب منهم قتلة رسوله الحرث بن مرة، ليكف عنهم ويمضي الي حرب معاوية، ثم ينظر في امورهم فاجابوه. " ليس بيننا وبينك الا السيف الا ان تقر بالكفر وتتوب كما تبنا! " فالتاع الامام منهم وانطلق يقول: " ابعد جهادي مع رسول الله، وايماني أشهد علي نفسي بالكفر؟ لقد ضللت إذا وما انا من المهتدين.. " [1] .

وجعل الامام يعظهم تارة ويراسلهم أخري فجعل كثير منهم يتسللون، ويعودون الي الكوفة، وقسم منهم التحق بالامام، وفريق ثالث اعتزل الحرب، ولم يبق الا ذو الثفنات عبد الله بن وهب الراسبي زعيم الخوراج، ومعه ثلاث آلاف. ولما يئس الامام من ارشادهم عبا جيشه، وأمر بان لا يبدوءهم بقتال حتي يقاتلوهم، ولما نظر الخوارج الي تهياة الامام تهياؤا للحرب، وكانت قلوبهم تتحرق شوقا الي القتال تحرق الظمان الي الماء وهتف بعضهم " هل " من رائح الي الجنة " فتصايحوا جميعا " الرواح الي الجنة " ثم حملوا حملة منكرة علي جيش الامام، وهم يهتفون بشعارهم " لا حكم الا الله " فانفرجت


لهم خيل الامام فرقين، فرق يمضي الي الميمنة، وفرق يمضي الي الميسرة، والخوارج يندفعون بين الفرقين، ولم تمض الا ساعة حتي قتلوا عن آخرهم، ولم يفلت منهم الا تسعة [2] .

ولما وضعت الحرب أوزارها طلب الامام من اصحابه أن يلتمسوا له ذا الثدية في القتلي ففتشوا عنه فلم يظفروا به، فعادوا إليه يخبرونه بعدم ظفرهم به فامرهم ثانيا أن يبحثوا عنه قائلا: " والله ما كذبت ولا كذبت ويحكم التمسوا الرجل فانه في القتلي " فانطلقوا يبحثون عنه، فظفر به رجل من اصحابه، وكان قد سقط قتيلا في ساقية فمضي يهرول فاخبر الامام به فلما سمع النبا خر ساجدا هو ومن معه من اصحابه ثم رفع راسه وهو يقول: " ما كذبت، ولا كذبت ولقد قتلتم شر الناس... " واخذ الامام يحدث اصحابه بما سمعه من النبي (ص) فيه انه قال: " سيخرج قوم يتكلمون بكلام الحق لا يجاوز حلوقهم يخرجون من الحق خروج السهم - أو مروق السهم - ان فيهم رجلا مخدج اليد، في يده شعرات سود، فان كان فيهم فقد قتلتم شر الناس... وأمر الامام باحضار جثته فاحضرت له فكشف عن يده، فاذا علي منكبه ثدي كثدي المراة، وعليها شعرات سود تمتد حتي تحاذي بطن يده الاخري، فاذا تركت عادت الي منكبه، فلما راي ذلك خر لله ساجدا، ثم عمد الامام الي القتلي من الفريقين فدفنهم وقسم بين اصحابه سلاح الخوارج، ودوابهم ورد الامتعة والعبيد الي اهليهم، كما فعل ذلك باصحاب الجمل. وانتهت بذلك حرب النهروان التي تفرعت من واقعة صفين، وقد


اسفرت عن تشكيل حزب ثوري عنيف ظهر في الاسلام، وهو حزب الحرورية الذي أخذ علي نفسه التمرد علي الحكومات القائمة في البلاد الاسلامية ومحاربتها بشكل سافر مما ادي الي اراقة الدماء، واشاعة الفتنة والخلاف في كثير من تلك العصور. لقد كان البارز في الانظمة الدينية للخوارج هو الحكم بكفر كل من لايدين بفكرتهم من المسلمين، واستباحة دمائهم واموالهم، وفيما أحسب ان اكثر الجرائم المريعة التي صدرت في معركة كربلا تستند الي هؤلاء الممسوخين الذين سلبت عنهم كل نزعة انسانية، فقد تاثر الكثيرون من ذلك الجيش باخلاقهم فاندفعوا الي الجريمة بابشع صورها والوانها.


پاورقي

[1] انساب الاشراف.

[2] الملل والنحل 1 / 159.