بازگشت

الحرب


وعبا الامام أصحابه علي راياتهم، واستعد للقتال، وقد أمر أصحابه أن لا يبداوهم بقتال كما عهد لهم في حرب الجمل، وان لا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا علي جريح، ولا يمثلوا بقتيل، ولا يهيجوا امراة الي غير ذلك من الوصايا التي تمثل شرف القيادة العسكرية في الاسلام. وجعلت فرق من جيش الامام تخرج الي فرق من جيش معاوية فيقتتل الفريقان نهارا كاملا أو طرفا منه، ثم يتحاجزان من دون أن تقع حرب عامة بينهما وقد رجا الامام بذلك أن يثوب معاوية الي الصلح وحقن الدماء، ودام الامر علي هذا حفنة من الايام من شهر ذي الحجة فلما أطل شهر الحرام، وهو من الاشهر التي يحرم فيها القتال في الجاهلية والاسلام، توادعوا شهرهم كله، واتيح للفريقين أن يقتلوا آمنين، وقد آمن بعضهم بعضا ولم تقع بينهم أي حرب، وقد سعت يينهم سفراء السلم إلا أنها أخفقت في سعيها، وقد احتدم الجدال بين الفريقين فاهل العراق يدعون أهل الشام الي جمع الكلمة وحقن الدماء، ومبايعة وصي رسول الله (ص) والدخول فيما دخل فيه المسلمون، وأهل الشام يدعون العراقيين الي الطلب بدم عثمان ورفض بيعة الامام، واعادة الامر شوري بين المسلمين.


ولما انقضي شهر محرم مضي القوم علي الحرب، ولكنها لم تكن عامة وانما كانت منقطعة تخرج الكتيبة للكتيبة، والفرقة للفرقة. وسئم الفريقان هذه الحرب المتقطعة، وتعجلوا الحرب العامة فعبا الامام جيوشه تعباء عامة، وكذلك فعل معاوية، والتحم الجيشان التحاما رهيبا، واقتتلوا أبرح قتال وأعنفه، وانكشفت ميمنة جيش الامام انكشافا بلغ الهزيمة فقاتل الامام ومعه الحسن والحسين [1] وانحاز الامام الي ميسرة جيشه من ربيعة، فاستماتت ربيعة دون الامام، وكان قائلهم يقول: لا عذر لكم بعد اليوم عند العرب إن اصيب أمير المؤمنين وهو فيكم، وتحالفت ربيعة علي الموت، وصمدت في الحرب، ورجعت ميمنة الامام الي حالها بفضل الزعيم مالك الاشتر، واستمرت الحرب باعنف ما يتصور وقد ظهر الضعف وبان الانكسار في جيش معاوية، وهم معاوية بالفرار لو لا أنه تذكر قول ابن الاطنابة:



أبت لي همتي وأبي بلائي

وأقدمي علي البطل المشيح



واعطائي علي المكروه مالي

واخذي الحمد بالثمن الربيح



وقولي كلما جشات وجاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي



وقد رده هذا الشعر الي الصبر والثبات، كما كان يتحدث بذلك أيام الملك والسلطان.


پاورقي

[1] أنساب الاشراف ج 1 ق 1.